الانقلاب العسكري يضع الخرطوم في عزلة دولية وإقليمية

يضع التصعيد الدولي والإقليمي تجاه العسكريين الذين استولوا على السلطة في السودان، البلد في عزلة تعمّق أزماته المتفاقمة وتهدد بعودة اقتصاده الذي بدأ يتحسن إلى مربع الصفر، ما ينذر بانزلاقه إلى دوامة العنف.
الخرطوم - يهدد الانقلاب العسكري في السودان بتعريض البلد مجددا إلى عزلة دولية خرج منها لتوّه بعد تولي مؤسسات انتقالية يتقاسمها المدنيون والعسكريون السلطة.
وأعلن البنك الدولي الأربعاء تعليق مساعداته للسودان بعد الانقلاب الذي نفّذه العسكريون وأطاح بالحكومة المدنية.
وقال رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس في إعلان مكتوب إن “مجموعة البنك الدولي علّقت صرف أموال كافة عملياتها في السودان وتوقفت عن البتّ بأي عملية جديدة في وقت نراقب فيه ونقيّم الوضع عن كثب”.
المانحون الغربيون والبنك الدولي إذا نفّذوا تهديداتهم فإن الوضع الاقتصادي سيعود إلى نقطة الصفر
ويأتي هذا القرار بعد يوم من إعلان الاتحاد الأفريقي تعليق أنشطة السودان حتى عودة السلطة التي يقودها المدنيون.
ويقول أليكس دو فال رئيس مركز أبحاث “وورلد بيس فاونديشن” (مؤسسة السلام العالمي) إن “التحول إلى الديمقراطية الموعود الذي تم الاتفاق عليه عام 2019 بين المدنيين والعسكريين كان نقطة الضوء الوحيدة في نهاية النفق لبلد يعاني من مصاعب اقتصادية وسياسية بعد 30 عاما من الحكم الدكتاتوري” في عهد البشير الخصم اللدود للأميركيين.
ويؤكد دو فال أن السلطات الانتقالية بتعهدها بالتحول إلى الديمقراطية “كانت تخدم مصالح السودان الوطنية من خلال سلسلة من الإصلاحات، حتى وإن كانت بطيئة، بمساعدة دولية”.
ونجحت السلطات الانتقالية في الحصول على تخفيف للديون الخارجية وفي رفع اسم السودان من اللائحة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب، وفي تحرير سعر صرف الجنيه السوداني والسيطرة على المضاربة في السوق السوداء لضمان استقراره.
وقال قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان مجددا الثلاثاء إنه يريد “تطبيع العلاقات مع إسرائيل” معبرا عن ذلك بوضوح لأول مرة علنا. إلا أن هذه اليد الممدودة في عالم عربي لا يعترف معظمه بإسرائيل لن تغير من الأمر شيئا.
وتقول مجموعة الأزمات الدولية في تقرير عن السودان إنه بقطعه كل الجسور مع شركائه السابقين في الحكم من المدنيين الذين اعتُقل العديد منهم “يجتاز الجيش عتبة تنذر بأخطار جسام على السودان”.
ويضيف التقرير أن “الجنرالات عاندوا رغم التحذيرات” التي تلقوها من الموفدين الدوليين الذين تتالت زياراتهم إلى السودان حتى ساعات قليلة من إعلان الجيش عن انقلابه.
ولم يتأخر رد القوى الدولية حيث أعلنت الولايات المتحدة تجميد 700 مليون دولار من المساعدات للخرطوم وهدد الاتحاد الأوروبي أيضا بتعليق مساعداته المالية.
ويؤكد مراقبون أنه إذا نفذ المانحون الغربيون والبنك الدولي تهديداتهم فإن الوضع الاقتصادي سيعود إلى نقطة الصفر أي إلى ما كان عليه قبل بدء الإصلاحات.
ويشير هؤلاء إلى أن هذا ليس ما يحتاجه السودان الذي كان سعيدا بخفض التضخم خلال الشهور الأخيرة ليصل إلى 365 في المئة.
وسعى قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان لطمأنة شركاء السودان الدوليين والإقليميين بإعلانه سنة 2023 موعدا للانتخابات، إلا أن ذلك لن يمكنه من تعويض المساعدات المالية الكبيرة التي كان يحصل عليها السودان الذي يعدّ من أفقر بلدان العالم.
ويشير محللون إلى أن العسكريين بدفاعهم عن انقلابهم “يعرضون السودان لخطر أن يصبح معزولا للغاية”.
ويشترط الاتحاد الأفريقي عودة الحكومة المدنية في السودان لرفع تجميد عضويته، إلا أن الخطوة وإن كانت أحد سبل الضغط على العسكريين فإن التجارب السابقة للمنظمة الأفريقية مع الانقلابات في القارة وآخرها الانقلاب في مالي تجعل هذا التحرك معنويا أكثر منه ماديا.
وكان الاتحاد الأفريقي قد علق من قبل عضوية السودان في يونيو 2019 بعد مقتل متظاهرين مطالبين بالحكم المدني بالرصاص خارج مقر قيادة الجيش في الخرطوم.
وكثفت القوى الأمنية الأربعاء حملة التوقيفات التي تستهدف ناشطين ومتظاهرين محتجين على الانقلاب، وانتشرت في كل أنحاء الخرطوم لمحاولة وضع حد للتحركات الشعبية الرافضة لقرارات البرهان الذي أعلن حالة الطوارئ وحل مجلس السيادة والحكومة.
وكانت لجنة أطباء السودان المركزية التي قادت الاحتجاجات ضد الرئيس المخلوع عمر البشير أعلنت عبر فيسبوك مقتل أربعة “ثائرين بإطلاق نار من قوات المجلس العسكري الانقلابي” منذ الاثنين خلال احتجاجات، فيما دعا ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى “تظاهرة مليونية” السبت ضد الانقلاب.
وتحذر مجموعة الأزمات الدولية من أن “اضطرابات طويلة المدى في السودان ستكون كارثة إضافية” في منطقة تمزقها النزاعات من القرن الأفريقي إلى شمال أفريقيا مرورا بالساحل.
ويخشى مراقبون من القمع العنيف ضد المتظاهرين، والمزيد من العنف سيعني “إراقة للدماء في الخرطوم وأيضا عودة الحرب الأهلية في دارفور وفي جنوب كردفان”.
وفي نهاية 2020 أعلنت الخرطوم التوصل إلى اتفاقيات “سلام” مع العديد من مجموعات المتمردين ولكن المطالب الإقليمية يمكن أن تعود إلى الواجهة في بلد وقارة يسهل الحصول فيهما على السلاح.
ومن أجل تجنب سقوط السودان مرة أخرى في دوامة العنف تقترح مجموعة الأزمات الدولية أن “يهدد الاتحاد الأفريقي بوضوح بأنه سيمنع من السفر وسيجمد أموال الأشخاص الذين يسمحون بقتل المتظاهرين أو يقاومون العودة إلى الاتفاقيات الانتقالية”.