الانفلات الأمني يحرج الدبيبة في حاضنته الشعبية

طرابلس- اهتزت صورة حكومة الوحدة الوطنية الليبية داخل حاضنتها السياسية والشعبية بالمنطقة الغربية بعد الكشف عن جريمة بشعة راح ضحيتها عشرة أشخاص على الأقل، قتلوا بدم بارد داخل منزل في بلدية أبوسليم التي يسيطر عليها رئيس جهاز دعم الاستقرار عبدالغني الككلي.
وطالبت اللجنة المركزية العليا لقبائل المشاشية حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي والنائب العام بالتحقيق العاجل في قضية مقتل أبناء القبيلة في منطقة أبوسليم الهضبة، داعية الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم في الكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة.
وأكدت اللجنة في بيان أن العملية الإجرامية لها عواقب وخيمة وسلبية على مساعي تحقيق المصالحة، وطالبت بملاحقة كل المتورطين في الجريمة النكراء وفرض العقوبات الرادعة لمنع تكرارها.
ويرى مراقبون أن مذبحة أبوسليم التي جدت الأحد الماضي، نسفت ما كان يروج له عن نجاح حكومته في تحقيق الأمن والاستقرار في مناطق نفوذها، وأن العثور على جثث القتلى بوسط العاصمة بالتزامن مع “ليلة الحمد” التي نظمتها الحكومة، فسح المجال أمام الكثير من الاحتمالات بخصوص وجود اختراقات أمنية من داخل المجموعات المسلحة التي عملت السلطات على دمجها داخل المؤسسات الرسمية.
وبحسب المراقبين، فإن حادثة أبوسليم الهضبة جاءت لتضع الدبيبة في موقف محرج مع بيئته السياسية والاجتماعية التي طالما اعتمد عليها في مواجهة دعاة الإطاحة به وخاصة في المنطقة الشرقية، واستقوى بها على قرارات مجلس النواب المعارضة لسياساته والرافضة لبقائه في السلطة.
وسبق وأن حذر المبعوث الأممي عبدالله باتيلي من احتدام التنافس بين الفاعلين الأمنيين لبسط السيطرة الميدانية على مناطق إستراتيجية في العاصمة، بما فيها المناطق التي تضمّ قواعد عسكرية ومؤسسات للدولة، ومن بينها مصرف ليبيا المركزي.
ويتجلى ذلك بشكل ملحوظ في التوترات بين ما يُسمّى بـ”جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب”، وما يسمّى بـ”جهاز دعم الاستقرار” والتشكيلات المسلّحة الأخرى المتحالفة معه.
وأعرب اتحاد ثوار 17 فبراير مصراتة عن تأييد موقف بلديات سوق الجمعة وتاجوراء والزنتان الرافض لما تفعله حكومة الوحدة المنتهية وصرفها الملايين على منصات الوهم، وقال في بيان “نتابع بقلق بالغ التحديات الأمنية الأخيرة وما تقوم به شرذمة ضالة مجرمة من عمليات القتل والنهب في العاصمة طرابلس، وهو ما يتطلب وقفة مسؤولة من القائمين على الملف الأمني وحماية الأرواح والممتلكات”.
وجاء البيان في سياق تفاقم ظاهرة المعارضة للدبيبة في مسقط رأسه مدينة مصراتة، وبعد إعلان حراك 17 فبراير بالمدينة اتفاقه مع أعضاء من مجلس الدولة على أهمية وجود حكومة موحدة تشرف على الانتخابات، مؤكدا أنه لا بد من حكومة موحدة بعد الجمود السياسي الأخير والفساد الذي ينخر في مؤسسات الدولة الليبية وعدم وجود رؤية وآلية شفافة للإفصاح عن الإنفاق الحكومي.
وقال “حراك تصحيح المسار” بمدينة الزاوية الكبرى إن حكومة الوحدة تدعم التشكيلات المسلحة الموالية لها بالعتاد والأموال، وأشار إلى أن حكومة الدبيبة تريد إطالة عمرها ولم تلتفت لمدينة الزاوية أو المنطقة الغربية، موضحا أنها قامت بتنفيذ بعض المشاريع التي تتماشى مع مصالحها وأجهزتها وتجاهلت المشاريع المتوقفة، كما لم تنفذ المطالب بانتخاب بلدية الزاوية وتماطل في الإجراءات لصالح البلدية الحالية الموالية لها.
وفي موقف لافت، أعلن تجمع “ثوار الزنتان” عدم اعترافه بحكومة الوحدة الوطنية، وتوعدها بـ”التصعيد وكل الخيارات مفتوحة”، وقال في بيان “لن نعترف بعد اليوم بحكومة الوحدة المتمثلة في حكم العائلة، التي نهبت أموال الشعب وأفقرت الموظفين حتى لم يجدوا قوت يومهم”، داعيا “جميع ثوار مدن ليبيا إلى الوقوف صفا واحدا وتصحيح مسار الثورة“.
وأضاف التجمع “نحن مستمرون في تصعيد الموقف، وجميع الخيارات أمامنا مفتوحة حتى إسقاط حكومة الوحدة”، محملا بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي “كل المسؤولية لما قد تؤول إليه الأمور”، وطالب بـ”تشكيل مجلس أعلى لقيادة ثورة 17 فبراير والانطلاق بالبلاد إلى انتخابات حرّة نزيهة”.
◙ مذبحة أبوسليم نسفت ما كان يروج له الدبيبة عن نجاح حكومته في تحقيق الأمن والاستقرار بمناطق نفوذها
وفي تفعيل للتحذيرات على أرض الواقع، أعلنت “كتيبة 17 حرس الحدود”، إقفال خطوط الغاز الواقعة تحت حمايتها إلى حين تحقيق مطلب إسقاط الدبيبة، وفتح تحقيق في ملفات الفساد الإداري والمالي لكل المتهمين من المسؤولين السابقين والحاليين، وردت الكتيبة قرارها إلى أنّ النفط والغاز الليبيين “يستخدمان في شراء الذمم وتغول عصابات الفساد بدلا من أن يساهما في رفاهية الشعب”.
كما حذّرت الكتيبة “قادة الميليشيات المسلحة من محاولة حماية أي مسؤول حكومي أو دعمه، للاستمرار في إفساد الوضع في ليبيا، وسنعتبر أي قائد ميليشيا مسلح يقوم بذلك بأنّه عدو للشعب الليبي، وسنقاضيه بتهمة الخيانة العظمى”.
وفي شرق البلاد، ندد أسامة حماد، رئيس الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان، بجريمة أبوسليم قائلا إن “في ذلك استمرارا لسيناريو الفوضى”.
واعتبر في تدوينة عبر منصة إكس أن هناك “عبثا مستمرا جراء سيطرة المجموعات المسلحة على مقاليد الأمور في العاصمة طرابلس”، داعيا النائب العام الليبي إلى التحقيق في الحادث.
كما شدد على أن حكومته مستعدة “لمد يد العون لبسط الأمن والسيطرة على الأوضاع الأمنية في مناطق غرب البلاد وتأمينها مثلما تم تأمين مناطق شرق البلاد وجنوبها التي أصبحت آمنة ومستقرة بفضل مجهودات القوات المسلحة ووزارة الداخلية بالحكومة الليبية”.
وفي دراسة أعدها باحثون في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، تم تسليط الضوء على خطر المجموعات المسلحة في ليبيا. وقالت الدراسة إن المجموعات المسلحة المنتشرة في عدد من مناطق البلاد، ربما هي السبب الأكثر حضورا في تعقيد المشهد السياسي في البلاد، لافتة إلى أن مجموعات المصالح تعرقل المسار السياسي الذي قد يتعارض مع مصالحها في حال انتخاب حكومة جديدة وإنهاء الأجسام السياسية الموجودة حاليا.
وذكرت الدراسة التي نشرت تحت عنوان “الجماعات المسلحة في ليبيا.. المعضلة المحيّرة” أن الجمود السياسي القائم في البلاد وعدم النجاح في إجراء الانتخابات لهما ثلاثة أسباب رئيسية، أولها أن قادة الأجسام السياسية القائمة حاليا يفضلون الامتيازات التي يتحصلون عليها بدلا من احتياج السكان، بالإضافة إلى أن النظام المالي المعمول به حاليا أشبه بشبكة سرية من التمويل تجعل الجميع يستفيد من موارد البلاد خصوصا الجهات السياسية والجماعات المسلحة، وهو ثاني عوامل تعقيد الأزمة في البلاد، على حد وصف الدراسة.
ودعت الدراسة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي إلى الاهتمام بظاهرة المجموعات المسلحة والميليشيات بدلا من التركيز على الأطراف السياسية، مؤكدة أن هذه المجموعات لها الكلمة العليا في الكثير من القضايا، لما تملكه من نفوذ.
وأشارت الدراسة إلى أن عملية إصلاح القطاع الأمني في البلاد، لا يمكن أن تتم دون وجود حكومة جديدة في البلاد، تكون قادرة على فرض هذا الإصلاح داخل المؤسسات الأمنية، مؤكدة أن عملية الإصلاح تحتاج إلى تدخل القوى الدولية.