الانتقام بالتنمية

اللون الأخضر حين يعود إلى الشرق لن يكسو التراب وحده، بل روح الإنسان وعقله، لتحلّ محل الجهل المعرفة والتعليم والثقافة، وينمو شجر السلام، بدلاً من نيران أولغا.
الجمعة 2022/09/02
التنمية سبيل وحيد للخلاص

لا شيء مما قيل عبر العصور يستطيع منافسة الحكمة الإنجليزية القائلة إن ”الانتقام طبق يؤكل بارداً“، فغير ذلك سيعني نوعاً من الهياج عديم النفع، أما الانتقام الحقيقي فيأتي بالدقة والتوجيه الصحيح نحو الهدف وهذا يتطلب البرود والكثير من الحنكة.

أما نحن فلم نفعل سوى تلك النسخة المتكرّرة من ”انتقام أولغا“، وقصة أولغا بدأت حين اغتيل الأمير الأوكراني إيغور روريك، أمير كييف في العام 945 على يد قبيلة الدريفليان.

خلفته زوجته الأميرة أولغا على عرش كييف، بعد أن حزنت عليه حزناً شديداً، وفوق ذلك تقدّم مال أمير الدريفليان لخطبتها، فوافقت وطلبت من خطيبها ”الأفندي“ أن يرسل وفداً ليعلن النبأ السعيد في بلادها، وحين وصل الوفد إلى كييف، استقبلته أولغا في قلعتها ورحبت به ثم أمرت بحبس أفراده وأشعلت النيران في القلعة، وقرّرت شن هجوم عنيف على الدريفليان وحاصرتها حتى توسلت إليها القبيلة كلها، فاشترطت للعفو عنهم أن يقدموا ثلاث حمامات وثلاثة عصافير من كل بيت من بيوتهم.

وحين تسلّمت أولغا الطيور، أمرت جنودها بربط قماشة صغيرة مشتعلة في رجل كل طائر وتركه ليعود إلى تلك البيوت، فاحترقت القبيلة بأكملها.

الآن يدفع الأوكرانيون ثمن تلك الحسابات القديمة، التي ستبقى دوامة عنف لا نهاية لها، أما في الشرق فقد خربت البصرة وما بعد البصرة، واليوم، لا يمكننا سوى التفكير في الانتقام ممن تسبّبوا في ذلك.

ماذا نفعل؟ لا شيء سوى الانتقام من الفساد والرداءة والانحطاط والتطرف، وكيف يكون الانتقام حضارياً حين نمارسه بالكيفية ذاتها التي وقع علينا بها كل ما وقع؟ الرد الوحيد المتمدّن هو التنمية.

التنمية الفكرية في العراق ستعيد الأمل إلى العقل الإنساني في أن أمامه آفاقا بوسعه أن يذهب نحوها، والتنمية الاقتصادية في لبنان ومصر ترجع الأمل أيضاً في عيش كريم.

لدينا في كل مكان من بين أبناء الشرق من يؤمنون بالتنمية سبيلاً وحيداً للخلاص، وقد سمعت خلال الأسبوع الماضي حكمة ”الانتقام بالتنمية“ من طبيب أميركي من أصل سوري قال إن حلمه إعادة اللون الأخضر إلى الأراضي في الشمال السوري الكئيب وسط غياب الحلول السياسية.

شعر هيثم البزم الذي حقق مشروعه الشخصي وتمّت تسميته “أفضل أطباء القلب في أميركا” من قبل مجلس أبحاث المستهلك، بالغيرة وهو يعبر الحدود، عند رؤية الأراضي التركية الخضراء مقابل مساحات هائلة تصحّرت على الجانب السوري. يمكن تحقيق ذلك بإمكانات بسيطة ولكن بعقل علمي.

اللون الأخضر حين يعود إلى الشرق لن يكسو التراب وحده، بل روح الإنسان وعقله، لتحلّ محل الجهل المعرفة والتعليم والثقافة، وينمو شجر السلام، بدلاً من نيران أولغا.

20