الاقتصاد التركي في قبضة الانكماش لأول مرة منذ 10 سنوات

ارتفاع التضخم وتكلفة الاقتراض يزيدان صعوبة الخروج من الركود، وحكومة أردوغان تواصل المكابرة وتعزو السبب لأسباب خارجية.
الثلاثاء 2019/03/12
ضربة قاسية لحملة أردوغان في الانتخابات البلدية

دحضت البيانات الرسمية التركية التصريحات الاستعراضية لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان بتأكيد سقوط الاقتصاد التركي في قبضة الانكماش، التي يصعب الإفلات منها في ظل ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة التي تقوّض نشاط الشركات وتضع معظمها على حافة الانهيار.

إسطنبول - أكدت بيانات معهد الإحصاء التركي الاثنين أن اقتصاد البلاد انكمش في الربع الأخير من العام الماضي بوتيرة مخيفة تفوق جميع التوقعات المتشائمة، وترجح صعوبة الخروج من حالة الركود.

وأظهرت الأرقام الحديثة أن الاقتصاد التركي انكمش في الربع الرابع بنسبة 3 بالمئة على أساس سنوي، مسجلا أسوأ أداء له في نحو عقد من الزمن، في دليل على استمرار تداعيات أزمة انحدار العملة التركية في العام الماضي.

وكانت تركيا، إحدى أكبر الأسواق الناشئة، قد حققت نموا فاق 7 بالمئة في عام 2017 وكان المستثمرون الدوليون يعتبرونها ذات يوم نجما صاعدا، قبل أن تنكشف الأسس الهشة للسياسات الجامحة المفرطة في الاقتراض لتمويل مشاريع غير واقعية وتفتقر للجدوى الاقتصادية.

وتزعزعت ثقة أسواق المال بالاقتصاد التركي بدرجة كبيرة العام الماضي نتيجة تدخلات الرئيس رجب طيب أردوغان في السياسة المالية، إضافة إلى سياساته الخارجية التي أفقدت تركيا معظم أسواق المنطقة وأربكت علاقاتها مع الدول الغربية.

وبلغت الأزمة ذروتها في مايو 2018 بسبب تصريحات أردوغان وإصراره على التدخل في سياسات المركزي، ما أدّى إلى انحدار الليرة وفقدانها لنحو نصف قيمتها قبل أن تقلص خسائرها إلى 30 بالمئة بعد رضوخها لضرورة رفع أسعار الفائدة إلى مستويات فلكية عند 24 بالمئة.

وتفاقمت الأزمات بسبب خلافات دبلوماسية مع واشنطن، أدّت إلى فرض عقوبات تجارية، كان آخرها إلغاء مزايا تفضيلية ممنوحة لتركيا في الأسبوع الماضي.

3 بالمئة نسبة انكماش الاقتصاد التركي في الربع الرابع من 2018 وهي أسوأ من جميع التوقعات المتشائمة

وفاقت وتيرة انكماش الاقتصاد في الربع الرابع على أساس سنوي، متوسط التوقعات في استطلاع أجرته رويترز، وكان يرجح انكماشا بنسبة 2.7 بالمئة، وهو أسوأ أداء للبلاد منذ عام 2009.

وتراجعت الليرة الاثنين بعد نشر بيانات معهد الإحصاء التركي، لتصل إلى 5.4452 ليرة للدولار في نهاية التعاملات الأوروبية. وأظهرت البيانات أن الاقتصاد نما بنسبة 2.6 بالمئة في مجمل العام الماضي، وهو أيضا أضعف أداء منذ عام 2009.

وتباطأ الاقتصاد بشكل مفاجئ في النصف الثاني من العام الماضي بسبب أزمة الليرة التي اندلعت جراء خلاف مع الولايات المتحدة دفع واشنطن لفرض رسوم وعقوبات ومخاوف تتعلق باستقلالية البنك المركزي في ظل ضغوط من الرئيس رجب طيب أردوغان لخفض تكاليف الاقتراض.

وبلغ التضخم أعلى مستوياته في 15 عاما حين تجاوز حاجز 25 بالمئة في أكتوبر، وهو ما فرض على البنك المركزي الابتعاد عن إملاءات أردوغان ورفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 24 بالمئة في سبتمبر الماضي.

وكان الاقتصاد التركي قد نما في عام 2017 بنسبة 7.4 بالمئة مسجلا أقوى وتيرة نمو منذ 2013، بدعم من قطاعي الصناعة والبناء.

ولكن أزمة العملة المحلية في العام الماضي كشفت حجم الديون التي يرزح القطاع تحتها والتي دفعت معظم الشركات إلى إعادة جدولة الديون وطلب الكثير منها الحماية من الإفلاس.

وحتى ساعة إعلان البيانات الصادمة كانت تصريحات مسؤولي الحكومة تصر على تحسن الأداء الاقتصادي رغم خفضها لمعدل النمو في العام الماضي إلى 3.8 بالمئة، لكن البيانات الرسمية جاءت بعيدة عن توقعات أنقرة.

ويرجح محللون أن يستمر الانكماش في الربع الأول من العام الحالي في ظل مستويات التضخم التي بلغت في فبراير 19.67 بالمئة والتي تقوض نشاط جميع القطاعات الاقتصادية.

وتشير البيانات إلى أن معظم ديون الشركات الكبرى بالعملات الأجنبية في حين أن إيراداتها بالعملة المحلية وهو ما يفاقم حجم ديونها بعد تراجع الليرة، حيث أصبحت تفوق حجم أصول الكثير من الشركات.

كما أن ارتفاع تكاليف الاقتراض بسبب ارتفاع معدلات الفائدة يقوض قدرة الشركات على الحصول على التمويل لتنفيذ مشاريع جديدة وهو ما يفاقم مخاطر الانكماش.

ويأتي نشر البيانات في وقت حرج لحكومة الرئيس أردوغان التي تنهمك في ذروة حملة الانتخابات البلدية في 31 مارس الجاري. ومن شأن هذه الأرقام أن تضر بفرص حزب العدالة والتنمية في ظلّ الاهتمام البالغ للأتراك بحالة الاقتصاد.

ولم تتراجع التصريحات الاستعراضية رغم قسوة البيانات، حيث جدد وزير المالية براءت البيرق، صهر أردوغان تأكيده أن “الأسوأ بات خلفنا” عازيا تلك البيانات السيئة إلى “المضاربات” وتباطؤ الاقتصاد العالمي.

براءت البيرق: الأسوأ بات خلفنا والبيانات السيئة سببها المضاربات وتباطؤ الاقتصاد العالمي
براءت البيرق: الأسوأ بات خلفنا والبيانات السيئة سببها المضاربات وتباطؤ الاقتصاد العالمي

وكانت حقبة التحفيز النقدي القياسي في الاقتصادات العالمية الكبرى قد عززت أداء الاقتصاد التركي في ظل تدفق رؤوس الأموال الساخنة، لكن تلك الأموال الساخنة راكمت جبالا من الديون على الشركات التركية.

وحين بدأت مرحلة تشديد السياسات النقدية العالمية انكشفت الأسس الهشة للاقتصاد التركي، حيث يرجح المحللون صعوبة خروجه من تداعيات السياسات المندفعة البعيدة على الحسابات الاقتصادية السليمة.

10