الاحتفال بعيد الأب توجه جديد يعزز التقارب الأسري

السياسات التسويقية والحملات الدعائية أعادت التوازن للاهتمام بالآباء كما الأمهات.
السبت 2020/06/20
سلوك الأب العاطفي ينعكس على شعور الطفل تجاهه

أصبح الاهتمام أكثر فأكثر بالاحتفال بعيد الأب في الدول العربية، بعد أن كان تاريخ هذا اليوم غير معروف لدى الكثيرين، ولم يكن آخرون على علم بوجود هذه المناسبة من الأساس. في المقابل، لطالما كان تاريخ عيد الأم معروفا ويحتفل به على نطاق واسع في العالم العربي وكل أنحاء العالم مع اختلاف مواعيد هذه المناسبة بحسب البلد أو المنطقة.

لندن - أصبح الاهتمام أكثر فأكثر بالاحتفال بعيد الأب في الدول العربية، بعد أن كان تاريخ هذا اليوم غير معروف لدى الكثيرين، ولم يكن آخرون على علم بوجود هذه المناسبة من الأساس. في المقابل، لطالما كان تاريخ عيد الأم معروفا ويحتفل به على نطاق واسع في العالم العربي وكل أنحاء العالم مع اختلاف مواعيد هذه المناسبة بحسب البلد أو المنطقة.

ويعتبر البعض أن التركيز على الاحتفال بعيد الأم يعكس اهتماما بها وتقديرا لدورها أكثر من التقدير الذي يحظى به الأب.

وقال أحمد، التونسي البالغ من العمر 60 عاما، “أقول دائما لأبنائي أنتم تحبون أمكم أكثر مني عندما يحظرون لها مفاجأة في عيد الأمهات ويقدمون لها الهدايا لأنهم لا يتصرفون معي بالمثل”. وأضاف لـ”العرب”، “أنا طبعا أمازحهم حين أقول لهم هذا الكلام وأستمتع وأنا أصغي لسيل تبريراتهم”.

وبدأ الكثير من مواطني الدول العربية يولون اهتماما أكثر بالاحتفال بعيد الأب الذي يوافق ثالث أحد من شهر يونيو من كل عام في البعض من البلدان، فيما تحتفل به بلدان أخرى في تواريخ أخرى.

والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان وكندا وتشيلي والأرجنتين وأيرنلدا وهولندا والمكسيك من بين 69 دولة تحتفل بعيد الأب الأحد الثالث من شهر يونيو، فيما حددته بعض البلدان الأخرى بالتزامن مع مناسبات دينية.

 فمثلا في البلدان ذات التراث الروماني الكاثوليكي حُدد يوم التاسع عشر من مارس وهو يوم القديس يوسف عيدا للأب. وفي ألمانيا صادف عيد الأب يوم الصعود “خميس العود عند المسيحيين”. وفي إيران هو يوم مولد الإمام علي، بينما حُدّد عيد الأم يوم ولادة فاطمة الزهراء. أما في لبنان، فهو يصادف مرور ثلاثة أشهر تحديدا على عيد الأم.

ومنذ مطلع القرن الماضي، بدأ الاحتفال رسميا بعيد الآباء في مناطق عديدة من العالم فيما تعود جذوره إلى القرن السادس عشر حينما كانت تحتفل الكنيسة الكاثولوكية بالأبوة في يوم عيد القديس يوسف في التاسع عشر من مارس كل عام، وبعد ذلك انتقلت هذه العادة إلى القارتين الأميركيتين عبر الإسبان والبرتغاليين.

وتعود قصة يوم الأب إلى فتاة تدعى سونورا لويس سمارت من ولاية ميتشيغان في الولايات المتحدة الأميركية عام 1909، بعد أن استمعت لموعظة في عيد الأم، فأرادت أن تكرم والدها وليم جاكسُون سمَارت، الذي توفيت زوجته عام 1898 وتولى هو تربيتها مع إخوتها الستة، وقدمت وقتها عريضة تطالب بتخصيص يوم للاحتفال بعيد الأب. وشهدت مدينة سبوكِين أول يوم لعيد أب في 19 يونيو عام 1910. وتناقلت وسائل الإعلام فكرة عيد الأب وطرحتها عبر مقالات وتحقيقات وهو ما زاد من قيمة الاهتمامين الرسمي والشعبي بها وساهم في انتشارها في ولايات أميركية أخرى وفي كندا، لكن الاحتفال بقي غير رسمي حتى العام 1966.

الخبراء يتوقعون أن يزداد الاهتمام بعيد الأب أكثر في المستقبل فيتطور ليقترب من شكل الاحتفال الحالي بعيد الأم

والنزعة السلوكية الجديدة في العالم العربي المرتبطة بالاحتفال بعيد الآباء تعود إلى محاكاة هذا التوجه الذي أصبح سائدا في الدول الغربية.

وتعود أسباب التغير في السلوك والاحتفال بعيد الأب إلى الحملات الدعائية والسياسات التسويقية للعديد من الماركات، التي تنشر قائمات لمقترحات هدايا محتملة للأب أو تعلن عن تخفيضات خاصة بهذه المناسبة، فيما يطلق آخرون مسابقات وألعاب يحصل الفائز فيها على هدية لوالده في عيد الآباء.

لكن هذه النزعة الجديدة، التي تغذيها السياسات التسويقية والحملات الدعائية، تجد في جانب منها مشروعية ما ترتبط بدورها في تعزيز المشاعر بين أفراد الأسرة وتعطي للأب شيئا من اهتمام الأبناء الذي عادة ما تحظى به الأم أكثر. ويعود هذا التطور إلى تغير في سلوك وطريقة تفكير الأجيال الجديدة التي تعلن ثورتها على كل السائد والسلوك التقليدي في التعامل بين أفراد الأسرة وتسعى إلى علاقة متطورة مع كلا الوالدين.

يتوقع خبراء في العلاقات الأسرية أن يزداد الاهتمام بعيد الأب أكثر فأكثر في المستقبل فيتطور الاحتفاء به ما يجعله مرجحا للاقتراب من شكل الاحتفال بعيد الأم بالنظر إلى الاهتمام المتزايد بهذه المناسبة في وسائل الاعلام التقليدية وفي شبكات التواصل الاجتماعي.

وخلال الأيام الماضية، ملأت قائمات هدايا محتملة للأب بمناسبة عيده المواقع الإلكترونية فقدمت شركة إلكترونية عالمية مقترحاتها منها نسخ جديدة من هواتفها الذكية وأجهزة التلفزيون التي تنتجها وسماعات الأذن الخاصة بالأجهزة الإلكترونية وغيرها من الأكسسوارات الذكية.

ونشرت شركة عطور قائمة من منتجاتها التي تراها مناسبة لتكون هدية بمناسبة عيد الأب، فيما أعلنت ماركة ملابس جاهزة عن تخفيضات تشمل قسم ملابس الرجال مقترحة عينات من بضاعتها كالقمصان والأكسسوارات منها الساعات.

وخلال السنوات القليلة الماضية، أصبح واضحا الاهتمام وبذل الجهد بمناسبة عيد الأب، فيزور بعض الناس آباءهم، بينما يقدم آخرون بطاقات أو زهورا أو هدايا أخرى مثل الملابس أو الأجهزة الرياضية أو دعوة على العشاء في مطعم فاخر. بينما يكتفي آخرون بهدايا بسيطة تناسب إمكانياتهم المادية المتواضعة أو حتى مجرد مكالمة هاتفية أو اتصال فيديو.

وتختلف تقاليد الشعوب في توزيع الأدوار بين الأب والأم داخل العائلة، ومنذ القدم أوكلت للأم مهام تغذية الطفل والعناية به جسديا وعاطفيا واجتماعيا، بينما الأب حُددت له وظيفة المعيل من دون أن تولي أهمية تذكر لدوره كشريك مساو في عملية التنشئة العاطفية والاجتماعية.

ومع التطور البشري المستمر والتغيرات التي طرأت على سلوك الأفراد وطرق تفكيرهم، تغير دور الأب وأصبح شريكا فاعلا في تربية الأبناء والإشراف على كل جوانب تنشئتهم ما أكسبه حضورا دائما في كامل تفاصيل حياتهم.

ويعد الاحتفال بعيد الأب، على غرار عيد الأم، تكريما للأب ولدوره الأساسي في بناء الأسرة، ولما يحققه وجوده في حياة الطفل من تنمية لنشاطاته الذهنية والاجتماعية بصورة متكاملة وخلق شعور بالثقة والأمان عنده، ولأنه يعد مثالا يحتذى لدى الأطفال.

وأكدت الدراسات أن اضطلاع الأب بدوره يشكل أهمية جوهرية في حياة أبنائه وتقويم سلوكهم النفسي السوي، وأشارت إلى أن هذا التواجد يجب أن يستمر لفترات طويلة وذلك لسلامة بنيانهم النفسي عبر منحهم الأمن والثقة في ذواتهم تجاه نزاعاتهم الداخلية، فحضور الصورة النفسية الرمزية للأب يدركها الأبناء على أنها قبول لهم، وهو ما يمنحهم الأمن من العالم الخارجي، فيرون في الأب عالمهم الآمن وليس عالما خطيرا معتديا لا بد أن يحموا أنفسهم منه.

21