الإنترنت تفك عزلة كبار السن في زمن كورونا

تشكو نسبة كبيرة من كبار السن في مختلف دول العالم من العزلة والتهميش، وفاقم انتشار فايروس كورونا المستجد من أوضاعهم بعد أن بات عزلهم مطلبا رسميا تنادي به كل الحكومات لحمايتهم من هذا الوباء القاتل الذي يستهدف المسنين بدرجة أولى، وفي ظل هذا الوضع الطارئ وجد الكثيرون منهم ضالتهم في العالم الرقمي.
لندن – كشفت جائحة كورونا مدى حاجة كبار السن إلى خدمات الإنترنت لفك عزلتهم وتواصلهم عن بعد مع العالم الخارجي والمقربين منهم، بالإضافة إلى تلبية مستلزماتهم عبر مواقع التسوق الإلكتروني، والحصول على الاستشارات الطبية عن بعد وذلك عن طريق التطبيقات العديدة التي توفرها الشبكة العنكبوتية.
وقلصت الإنترنت من عزلة كبار السن في هذه الظروف العصيبة حيث ضاعفت إجراءات الحجر الصحي معاناتهم من العزلة، ولم يعد التواصل مقتصرا على اتصال هاتفي يتضمن بعض الكلمات للاطمئنان على الآباء والأمهات المسنين.
وأفادت الجدة حليمة بن عمر البالغة من العمر 67 سنة أن الاعتناء بأبناء ابنها الاثنين كان متعتها الوحيدة في الحياة، مشيرة إلى أنهما كان يأتيانها منذ الصباح إلى المساء وذلك بسبب عمل والديهما، إلا أن تفشي هذا الفايروس حرمها هذه المتعة بسبب العزل المنزلي الذي أجبر حفيديها على البقاء في المنزل رفقة أبويهما، ووجدت نفسها تفتقدهما بشدة إلا أن تواصلها معهما عبر السكايب خفف من وطأة فراقهما.
وأكدت أنها تتبادل الكثير من الأنشطة مع أبنائها عن بعد وتتدخل دائما في مد زوجة ابنها بالنصائح وكيفية معاملة أبنائها، لافتة إلى أنها أدركت أهمية وجود الإنترنت في حياتها مما سهل عليها الكثير من الأمور التي كانت سوف تبدو شاقة في غياب التواصل الكلي مع أبنائها في هذا الوضع الصعب.
ويعد المستوى العلمي والدخل من العوامل المهمة لاستخدام الإنترنت بين كبار السن في الدول العربية، وبيّنت دراسة عربية حديثة أن سبب استخدامهم لوسائل التواصل ترجع إلى رغبتهم في التواصل مع أفراد العائلة وعدم شعورهم بأنهم في عزلة عن محيطهم الاجتماعي.
الإنترنت أدت لزيادة تفاعل كبار السن مع المحيطين بهم، كما أنها ساهمت في تسهيل احتياجاتهم وتلبيتها خاصة في ظل الحجر
وأكد مختصون أن تعليم كبار السن استخدام الإنترنت والوسائل الحديثة للتواصل يرفع من جودة حياتهم والعيش بحرية واستقلالية أكثر. وشددوا على ضرورة أن يتعلموا استخدام مختلف وسائل التكنولوجيا الحديثة التي كشف الحجر ضرورتها بالنسبة إليهم.
وأطلقت مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من المبادرات التي تعرض المساعدة على كبار السن لشراء مستلزماتهم كي لا يضطروا إلى التسوق وتعريض حياتهم للخطر.
وأظهر تقرير حول انعكاسات العزلة الاجتماعية والوحدة على كبار السن أنه حتى قبل فايروس كورونا، كانت العزلة الاجتماعية تشمل الملايين من كبار السن في مختلف دول العالم.
وأكد الخبراء أن الكثير من كبار السن من الممكن أن يغيروا سلوكهم المرتبط بالتسوق عن طريق اللجوء إلى التجارة الإلكترونية وهو مجال لم يكونوا نشطين فيه من قبل.
ونصحت الخبيرة النفسية من معهد الشؤون الطبية الحيوية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، آنا يوسوبوفا، بضرورة إقناع كبار السن في الحجر الصحي بمشاهدة التلفاز بدرجة أقل.
وتابعت كبيرة الباحثين في مختبر علم النفس الاجتماعي والمعرفي أنه يتعين تقديم الكتب الإلكترونية الصوتية بدلا من التلفاز لكبار السن.
وقالت “نحتاج إلى التفكير في كبار السن الذين يعانون من الوحدة، ولا يتمكنون من استخدام الإنترنت. يمكننا محاولة إقناعهم بمشاهدة التلفاز بدرجة أقل بغرض تقليل مستوى القلق والتوتر لديهم، وتقديم الكتب أو الكتب الصوتية لهم. هناك مكبرات صوت ذكية أيضا على سبيل المثال، لديها المساعد ‘أليسا’، التي يمكن برمجتها مسبقا وإهدائها لهم”.
وأشارت يوسوبوفا إلى أن كبار السن، وفقا لبعض الدراسات، يلجأون للتحدث إلى المكانس الكهربائية الروبوتية، لذلك فإن الجهاز المصمم خصيصا للتواصل معهم أكثر ملاءمة.ونبه خبراء العلاقات الأسرية إلى أنه بالنسبة للمسنين في جميع أنحاء العالم، فإن الحماية من جائحة كورونا تعني مسافة بعيدة عن أحبائهم.
وشددوا على ضرورة الاتصال بالأجداد وكبار السن والحديث معهم عبر تقنية الفيديو، حيث كشفت هذه الأزمة حاجة كبار السن الملحة للعالم الرقمي الذي أصبح وسيلتهم الوحيدة للتواصل مع أحفادهم وأحبائهم.
ونصحوا الأشخاص الذين لا يستطيعون زيارة أقاربهم المسنين، بأن يفكروا في طرق أخرى لقضاء الوقت معهم كالمشاركة في اجتماع دردشة عائلية عن بعد أو ممارسة الألعاب عبر الإنترنت.
وأفادوا أن كبار السن أصبحوا ينافسون الشباب في مهارات الإنترنت وفي تمضية وقت طويل أمام الكمبيوترات، لافتين إلى أن معظم الباحثين عن المعلومات الصحية على الإنترنت هم من كبار السن، وقالوا إن التقدم في العمر لا يمنع من استخدام التكنولوجيا.
وكشفت مريم بن موسى موظفة متقاعدة تبلغ من العمر 69 سنة أن وسائل التواصل الاجتماعي مكنتها من التواصل مع أبنائها المقيمين في فرنسا والاطمئنان عليهم ورؤيتهم والتسامر معهم عبر السكايب، مبينة أن هذه الأزمة جعلتها تدرك أهمية الإنترنت في حياتها، وهونت عليها تأثيرات العزل السلبية.
وعلى الرغم من أن كبار السن قد يكونون أقل معرفة بالقراءة والكتابة على المستوى الرقمي، إلا أن ولوجهم إلى مواقع الإنترنت يتزايد يوما بعد يوم، وأكد الخبراء أن التكنولوجيا الحديثة تعد من أهم الوسائل التي أدت لزيادة تفاعل كبار السن مع المحيطين بهم، كما أنها ساهمت في تسهيل احتياجاتهم وتلبيتها خاصة في ظل الحجر.
ويمكن أن يساعد الاتصال عبر الإنترنت في منع العزلة الاجتماعية لدى المسنين ومن المتوقع أن يتزايد أعداد متصفحي الإنترنت المتقدمين في السن. وطور باحثون تطبيقات إلكترونية بسيطة للمساعدة في التخفيف من تجربة كبار السن في العزلة، وتجنبهم العديد من المشكلات التي تجعل أدوات الشبكات الاجتماعية القائمة صعبة أو غير جذابة بالنسبة لكبار السن. وقال المختصون إن توفر الكمبيوترات المحمولة والهواتف الذكية والتابلت يسهل دخول المسنين إلى عالم الإنترنت، ومع ذلك تبرز اختلافات كبيرة بين مستخدمي الإنترنت في الفئة العمرية التي تزيد عن 65 عاما.
وأصبَح استخدام المواقع الإلكترونية أكثر سهولة، حيث أكد الخبراء أنه لم يعد استخدام الإنترنت يتطلب أن يكون المرء خبيرا بهذه التقنية.
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن التكنولوجيا يمكن أن تحسّن الصحة البدنية لكبار السن واستقلاليتهم، ويمكن للإنترنت الربط بين المختصين الطبيين وكبار السن لرصد وجمع المعلومات حول الحالات المرضية المزمنة. كما تساعدهم الإنترنت على الالتزام بالأدوية والأنظمة الغذائية والتمارين، ويمكن للتطبيقات الإلكترونية أن تساعدهم في الحفاظ على سلامتهم.
وشكك خبراء في أن الكثير من التكنولوجيا الحديثة غير قابلة للتطبيق في البلدان النامية، كما نبهوا إلى ضرورة أن يكون عدم استخدام كِبار السِن للإنترنت مسألة مقبولة وألا يصبح ذلك سببا في تهميشهم اجتماعيا، كما لا ينبغي النظر إلى الإنترنت باعتبارها الحل الشامل والسحري للعزلة وجميع المشكلات الاجتماعية الأخرى.
وقالت كارولين أبراهامز، المديرة الخيرية في “Age UK” وهي مؤسسة خيرية دولية مقرها في المملكة المتحدة “كثير من كبار السن ليس لديهم علم بوسائل الاتصال الرقمي وطرق استخدام التطبيقات ومواقع التواصل لهذا الغرض.
وقد حان الوقت لتدريبهم على استخدام هذه التكنولوجيا التي ستساعدهم بشكل كبير على كسر ملل الحجر الصحي والتغلب على الشعور بالوحدة عن طريق التواصل مع أصدقائهم وعائلاتهم بالفيديو”.
وشجعت أبراهامز الشباب كذلك على ضرورة تعليم عائلاتهم وجيرانهم من كبار السن كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر لمشاركة أخبارهم وآرائهم مع أصدقائهم وأقاربهم.
ولفتت إلى أن الاتصال الرقمي مهم جدا في هذه الفترة، خاصة لكبار السن الذين قد يكونون أقل قدرة على استخدام التكنولوجيا.