الإنتاج المشترك يصطدم بمحاذير حكومات عربية تجاه الفن

مسلسل "زوجة واحدة لا تكفي" يؤكد أن انفتاح المنصات ما زال منقوصًا.
الأربعاء 2024/04/17
عمل عربي مشترك أثار انتقادات حادة

يحل الإنتاج العربي المشترك العديد من المشكلات التي تواجهها الدراما في المنطقة، عبر إتاحة فرص أكبر للممثلين وتبادل الخبرات وتوسيع نطاق العمل والجمهور المستهدف، لكنه مازال يواجه تحديات كبيرة منها الرقابة والقيود الاجتماعية في بعض الدول، والتي يحتكم بعضها إلى ضغوط تنديدات السوشيال ميديا.

القاهرة - أعادت الأزمة التي أثارها مسلسل “زوجة واحدة لا تكفي” في الكويت الجدل حول الصعوبات التي تعترض الإنتاج الدرامي العربي المشترك في ظل الانفتاح الذي تشهده الكثير من الدول العربية لتقديم أشكال مختلفة من الفنون، وكان من المتوقع أن تتزايد وتيرته لتقديم محتوى عربي يمكن أن يحظى بمنافسة، غير أن ذلك بدأ يصطدم بمحاذير رسمية واختلافات في بعض العادات والتقاليد قادت إلى تحويل أبطال المسلسل الذي عرض في رمضان الماضي إلى النيابة العامة في الكويت.

وقررت وزارة الإعلام الكويتية إحالة صناع مسلسل “زوجة واحدة لا تكفي” إلى النيابة العامة، باعتباره مسيئًا إلى قيم وأخلاق المجتمع، وتم وقف عرضه في البلاد قبل نهايته بثلاث حلقات، ومنع كل طاقم العمل من مؤلفين وممثلين من المشاركة أو الدخول في أي نشاط فني داخل دولة الكويت.

شارك في بطولة المسلسل عدد من النجوم العرب، أبرزهم: الممثلة الكويتية هدى حسين، والممثل المصري ماجد المصري، والمصرية أيتن عامر، وهو من تأليف الكاتبة الكويتية هبة مشاري، وإخراج البحريني علي العلي.

طارق الشناوي: الكويت لا يمكن أن تغلق الأبواب أمام مناقشة القضايا الاجتماعية
طارق الشناوي: الكويت لا يمكن أن تغلق الأبواب أمام مناقشة القضايا الاجتماعية

تدور قصة العمل حول شخصية هيلة التي تجسد دورها هدى حسين كمديرة مدرسة، وهي زوجة رشيد الذي يجسده الفنان ماجد المصري، وخلال أحداث المسلسل يتزوج المصري عليها ثلاث سيدات أخريات، بالرغم من أنه أنجب من زوجته ثلاث فتيات.

وتواجه هيلة العديد من التحديات بعد اكتشافها أسرار زوجها، وتضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة حول مستقبل حياتها الزوجية، ويناقش المسلسل مجموعة من القضايا الاجتماعية، مثل تعدد الزوجات والخيانة والصراع بين القيم التقليدية والتحديث.

ولم يشكل المسلسل وقصته أزمة بالنسبة إلى الجهات الرقابية في بعض الدول العربية لكنه احتوى تجاوزا من وجهة نظر الحكومة الكويتية التي تعاملت معه بصرامة، واعتبرت ما حدث جريمة تستوجب المعاقبة القانونية، ما يبرهن على أن الانفتاح الذي حدث بفعل انتشار المنصات الرقمية مازال منقوصًا، وتبني سياسات تولي الترفيه أهمية خاصة قد يحقق نجاحًا حال تم بتأييد من الحكومات، ما يجعل جهات إنتاج تفكر كثيرا قبل تقديم أعمال تتطرق إلى مشكلات اجتماعية في دول عربية مختلفة.

وما زالت المحتويات الفنية في الدول العربية تخضع لتوجهات المجتمعات التي تشهد تغلغلا لتيارات متشددة تؤثر على مواقفها تجاه التطرق إلى قضايا حساسة وشائكة، وتعتبر أن ذلك يأتي في خضم صراعات للسيطرة على العقول، فالفن يلعب دورا في تحديد الرؤية لبعض المشكلات.

كما أن الدفاع عن قضايا يتم توصيفها على أنها أخلاقية قد يجد رواجًا في بعض المجتمعات العربية، ويجد من يمنحون أنفسهم ثوب الفضيلة أن ذلك يحقق لهم مكاسب إيجابية على مستويات متباينة تضع الفن دائما في دائرة الاتهام.

ومع أن المسلسل يتطرق إلى قضايا اجتماعية تم النقاش حولها في الكثير من المسلسلات العربية، إلا أن غالبية الانتقادات انصبت على جملة ضمن حوار للفنانة أيتن عامر تحدثت فيها عن الواجبات الزوجية، وعدّ ذلك مدخلا يمكن أن يسهم في المزيد من توجيه سهام النقد إلى عمل ينتمي إلى فئة المسلسلات الطويلة، فحلقاته ثلاثون حلقة، وتمت إذاعته على منصة “شاهد” السعودية وفضائية “إم بي سي”.

الإنتاج الدرامي والفني المشترك يواجه جملة من الأزمات في مقدمتها الخلافات بين الجهات الممولة وصناع العمل
الإنتاج الدرامي والفني المشترك يواجه جملة من الأزمات في مقدمتها الخلافات بين الجهات الممولة وصناع العمل

لم يتم تقييم “زوجة واحدة لا تكفي” على أساس فني وقد يعاني قصورا في تماسك قصته وارتباطه بتفاصيل الحياة الاجتماعية داخل المدارس الكويتية بسبب تركيزه على السلوكيات داخل المدرسة التي تمتلكها هيلة وزوجها رشيد، غير أنه واجه اتهامات مباشرة بالإساءة إلى المجتمع الكويتي، وهي مشكلات تعانيها المسلسلات العربية التي تواجه انتقادات من هيئات حكومية ونقابات مهنية وتتهم دوما بالإساءة إليها.

وأشار الوكيل المساعد للصحافة والنشر والمطبوعات بالتكليف في وزارة الإعلام لافي السبيعي إلى أنه تم  تطبيق القوانين والنظم واللوائح بمسطرة واحدة على الجميع بلا تمييز، فدور الوزارة إبراز صورة المجتمع الكويتي الحقيقي، والتمسك بالقيم والأخلاق التي جبل عليها أهل الكويت منذ القدم، ولن يتم السماح للفنانين الذين شاركوا في أعمال فنية مسيئة إلى الكويت خارج البلاد بأن يقدموا أي نوع من الأعمال داخل الكويت.

وقال الناقد الفني طارق الشناوي إن سقف تناول القضايا الاجتماعية في الدول العربية مازال منخفضا، ما يترك تأثيره على الأعمال التي يشارك فيها نجوم عرب ويتم تصويرها في دول مختلفة، كذلك الأمر بالنسبة إلى أعمال الإنتاج المشترك، لافتا إلى أن المسلسل المصري “صلة رحم” من بطولة إياد نصار ويسرا اللوزي ناقش قضية تأجير الرحم، وكان الأكثر جرأة هذا العام، ومع ذلك لم ينله هجوم.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مسلسل “زوجة واحدة لا تكفي” اصطدم بمبالغات في ردة الفعل الرسمية، ويصعب الحكم على أن هذا هو الصوت الوحيد في الكويت، وهناك أصوات أخرى قد تتبنى مواقف مغايرة، كما أن جهات التحقيق ستقول كلمتها الأخيرة، ومن المتوقع تبرئة جميع المشاركين في العمل وإلغاء الإجراءات السابقة، وما قام به صناع المسلسل هو دور الفن الحقيقي، ولم يخرج عن إطار الأخلاق العامة.

المحاذير التي تفرضها الأجهزة الرقابية تجعل شركات الإنتاج تأخذ حذرها في التعامل مع جملة من القضايا

وذكر أن دولة الكويت تُعرف بأنها “هوليوود الخليج” لا يمكن أن تغلق الأبواب أمام مناقشة القضايا الاجتماعية، ويصعب أن تذهب باتجاه محاكمة الخيال والتعامل معه على  أنه واقع وليس عملا إبداعيا.

واعتبر كويتيون المسلسل يقلد بعض الأعمال الأميركية بشكل أعمى ويخلق واقعا جديدا يهدف إلى التهجم على منظومة القيم بلا تقدير، ما قد تترتب عليه آثار سلبية، فيما دافع آخرون عن العمل وأكدوا أنه لم يتضمن إشارة واضحة إلى الكويت.

ويتفق العديد من النقاد على أن المحاذير التي تفرضها الأجهزة الرقابية في بعض الدول العربية على موضوعات بعينها تجعل شركات الإنتاج تأخذ حذرها في التعامل مع جملة من القضايا المثارة في المجتمع، وينتج عن ذلك عدم القدرة على تقديم محتويات فنية تضاهي الإمكانيات الفنية والمادية التي يتمتع بها الإنتاج المشترك.

ويواجه الإنتاج الدرامي والفني المشترك جملة من الأزمات في مقدمتها الخلافات بين الجهات الممولة وصناع العمل، وتطغى الجوانب التي تتعلق بالعادات والتقاليد على قصص الأعمال المقدمة ما يتسبب في فشل بعض الأعمال الدرامية التي جرت بالتعاون بين شركات من دول عدة، كما أن مشكلات مثل التطرف أوالتحرش الذي تعاني منه بعض الدول قد لا تكون سائدة في بلدان أخرى أو لا ترغب في تسليط الضوء عليها، بالتالي ينصب التركيز على القضايا الإنسانية التي لا تجد جمهورا واسعًا يمكن أن يتابعها.

ويعاني بعض الفنانين الذين يشاركون في أعمال عربية يتم عرضها في دول أخرى غير بلدهم الأصلي من الاتهام بالخيانة، إذا كان العمل مختلفا عن السائد أو يتضمن نقدا للمجتمع أو يحتوي على ما يعتبره البعض تشويها لسمعة الوطن، وهي اتهامات تتردد بين حين وآخر، لكن الغريب أن الفنان ماجد المصري الذي لعب دور زوج لديه علاقات متعددة لم توجه له انتقادات في مصر، بينما ما قدمه في المسلسل الذي تم تصويره في الكويت جرى اعتباره إساءة إلى المجتمع هناك.

14