الإنتاج الأجنبي للأفلام المغربية لا يجعلها عالمية

تحقق الأفلام السينمائية المغربية حضورا كبيرا ونجاحات في المحافل الدولية، لكن أغلبها يكون مدعوما من جهات أجنبية أشرفت على تمويله وإنتاجه، ما يجعل الحديث عن تحقيق هذه النجاحات منقوصا، ويدفعنا إلى التساؤل عن التأثيرات التي قد تخلفها الهجرة نحو التمويل الخارجي على خصوصية الإنتاج المحلي والهوية المغربية.
في ظل التحولات الفنية والإنتاجية في عالم السينما المغربية، تنبثق تساؤلات حول مدى تأثير الإنتاج الأجنبي على هوية هذا القطاع الفني الحيوي وتطويره، إذ يعتبر الفرار الزائد لرواد السينما المغربية إلى شركات الإنتاج الأجنبية، ولاسيما الفرنسية، قضية تثير الكثير من التفكير والجدل. يعتبر البعض أن هذا الانتقال يضعف من مكانة الإنتاج السينمائي المغربي، بينما يروج له آخرون كفرصة لتحقيق العالمية.
من المتفق عليه أن الفرار الزائد لرواد السينما المغربية إلى شركات الإنتاج الأجنبية، ولاسيما الشركات الفرنسية، لا يليق بمنزلة الإنتاج السينمائي المغربي، ورغم ذلك فكم منا يستطيع أن يقاوم تلك الإشاعة التي تقول “الفيلم العالمي المغربي” أو المخرج العالمي، وهل أن إدراج اسم شركة أجنبية في فيلم مغربي يجعله عالميا؟ هذا مجرد وهم نعيشه، ولن يخرج عن الفشل الشائع الذي نعلمه، وستجد نفسك تسأل “عن أي عالمية؟”، حقيقة يطبل لها الإعلام ويصدقها الرواد.
هذه العبارات لا تليق إلا إذا لم يحصل صانع الفيلم على الدعم في بلده الأم، فهو من الطبيعي أن يبحث عن مصدر قوته في جهة أخرى، فهؤلاء يعيشون من السينما. وهذه هي السينما المغربية كما نأمل، جادة وحية ومستقلة بطرق الباب نحو الإنتاج الأجنبي طبعا، ونحن مدفوعون لأن نسأل: هل يعد الفيلم المغربي ذو الإنتاج الأجنبي عالميا؟ وهل ستدخل هذه الأفلام ضمن المنتوج المغربي؟
الفرار الزائد لرواد السينما المغربية إلى شركات الإنتاج الأجنبية، ولاسيما الشركات الفرنسية، لا يليق بمنزلة الإنتاج السينمائي المغربي
إنه من الخطأ أن نعتقد أنه ما دام الفيلم من إنتاج أجنبي فهو عالمي، لا يمكن أن يؤثر هذا على رواد السينما الذين كوَّنوا علاقات مع شركات أجنبية تدعم أفلامهم والتي تكون غالبًا بالتيمة التي تروِّج لها الشركة الأجنبية المنتجة، ولكن يمكن أن يؤثر في ما يُسمى الإنتاج السينمائي المغربي، على نحو غير مباشر.
ومن الجلي اعتبار الإعلام الأعمال السينمائية المغربية عالمية، فقط لأن شركة الإنتاج أجنبية، فهذه تضرب عمق المجهودات التي تقوم بها الدولة في هذا القطاع. وإن لم تكن مجهودات كافية، ستتأثر.
وهناك مقترحات معقولة يطرحها أهل الاختصاص، فعندما تستمع لآراء المخرجين الذين تنتج لهم شركات أجنبية، سيخبرونك غالبا أنهم لا يحصلون على الدعم من المركز السينمائي، وبالتالي ماذا سيكون مصيرهم دون هذا الدعم الأجنبي. ستجدهم إما ينتظرون إعانات أو يشحذون، وهذا لا يليق بهم.
وعلى الرغم من أن إدارة الدعم السينمائي المغربية لا تستطيع أن تفيد وترضي كل صانعي السينما في المغرب، فإنها ما زالت قادرة على تجنب الكثير من هذه الالتباسات. نأخذ على سبيل المثال: مقترحات يطرحها الفنانون من وقت إلى آخر، وهي شركات الإنتاج الخاصة. إنها السبيل الوحيد لتحول المغرب إلى صناعة سينمائية ضخمة. الخير الوحيد الذي يمكن للشركات الخاصة أن تقدمه للسينما المغربية هو أن تلتفت إلى روادها بدلا من الهروب المتتالي.
بإمكان الأفراد ذوي النفوذ تأسيس شركات إنتاج خاصة في مجال السينما وتحريرها من دعم المركز السينمائي
هذا هو الشيء الذي يمكن أن يفعله هؤلاء النفر، ذوو النفوذ والشأن، الذين يؤكدون دائما في مداخلاتهم، داخل الندوات التي تقام في المهرجانات، أنهم يودون أن يقدموا للسينما المغربية أي شيء. وأين هو هذا الشيء؟ إذا كان الفيلم الذي فاز بجائزة النجمة الذهبية في مراكش من إنتاج أجنبي بماذا نفتخر؟ وغيرها من الأفلام التي قدمتها نساء المغرب مثل صوفيا علوي ومريم بن مبارك وياسمين بن كيران وأسماء المدير وغيرهن هي أيضا من إنتاج اجنبي. وهناك العديد من الأفلام التي شاركت في المهرجانات على أنها مغربية لكن من أنتجها أجانب. هل يمكننا تصنيفها بأنها أفلام عالمية يا ترى؟
بإمكان الأفراد ذوي النفوذ أن يبدؤوا عملية الرعاية بتأسيس شركات إنتاج خاصة في مجال السينما وتحريرها من دعم المركز السينمائي. إن قضية الإنتاج الأجنبي للأفلام المغربية هي قضية عاجلة. إن هذه الشركات لا تقوم إلا بالدور الإعلاني عن طريق الترويج لتصوراتها، وذلك من حقها، فهي تدفع أموالها من أجل الترويج لأفكارها. إن السينما فن عالمي على كل حال، ولكن بمحليته، أي أنه ينطلق بمنتج أصلي خام، ويتطور إلى أن يصل بأصالته وثقافته وهويته، وليس مدفوعا بأموال دول أجنبية.
لكن على كل حال، يظل رواد السينما أحرارا في اختياراتهم، إذ لا بديل لهم، وكل ما بوسع المخرج أن يفعله هو إخراج فيلمه. ومنظومة الدعم يتحتم فيها أن يوجد معيار لما يسمى مغربيا.
لكننا نكرر أن الاستعراض الذي يقوم به رؤساء الجهات داخل الندوات السينمائية، نريده واقعا ملموسا بعيدا عن مزامير الإعلام والصور. فالسيناريست والمخرج والممثل المغربي، إذا لم يجد دعما من بلده، فمن حقه أن يبحث عنه خارج بلده، غير أن هذا ربما لا يفضي إلى شيء سوى الأذى.
تسليط الضوء نحو دعم الإنتاج المحلي والتشجيع على إحداث شركات الإنتاج السينمائية المغربية الخاصة، يعدان خطوة حاسمة نحو تحقيق استقلال وازدهار القطاع
فمن غير المتخيل أن تكون على أي حكومة كانت أن ترضى بفيلم مغربي وإنتاج من تنزانيا الشقيقة. السؤال هنا هو إلى أي مدى ستصل السينما المغربية بدون شركات إنتاج خاصة؟
هو سؤال لا يستحق نقاشا طويلا. فرغم احتمال أن ينضم أو يبحث باقي رواد السينما المغربية عن شركات أجنبية تنتج أفلامهم وهذا لأنهم بكل بساطة من حقهم، ولكن أن تدعهم شركات خاصة مغربية تدعمهم هو أيضا من حقهم.
ومن بين الأفلام التي حظيت بإنتاج أجنبي نذكر: فيلم “عصابات” لكمال لزرق، وهو من إنتاج المغرب وفرنسا وبلجيكا وقطر والسعودية، وكذلك فيلم “كذب أبيض” لأسماء المدير، الذي اشترك في إنتاجه المغرب ومصر والسعودية وقطر، وفيلم “شيوع” لليلى كيلاني، وهو من إنتاج فرنسا، وفيلم “سوق الخميس دلكارة” لإيزة إيديري – جنيني، إنتاج فرنسا، وفيلم “على الهامش” لجيهان البحار، من إنتاج المغرب وفرنسا، وفيلم “أنيماليا” لصوفيا علوي، من إنتاج فرنسا والمغرب وقطر، وفيلم “ملكات” لياسمين بن كيران وهو من إنتاج فرنسي، وفيلم “قفطان أزرق” لمريم التوزاني، إنتاج بلجيكا والدنمارك وفرنسا، وفيلم “على صوتك” لنبيل عيوش، من إنتاج فرنسا والمغرب. وهناك العديد من الأفلام الأخرى والعدد في تزايد.
ويمكن القول من خلال هذا الرأي الصريح حول مستقبل السينما المغربية إن هناك تحديات كبيرة تواجهها هذه المهنة، وإن تسليط الضوء نحو دعم الإنتاج المحلي والتشجيع على إحداث شركات الإنتاج السينمائية المغربية الخاصة، يعدان خطوة حاسمة نحو تحقيق استقلال وازدهار هذا القطاع.
والأمثلة التي قدمت على الأفلام ذات الإنتاج الأجنبي، مهمة لتسليط الضوء على التحديات التي تواجهها السينما المغربية في هذا السياق. ومن المهم أن نتساءل عن جوانب الهوية والتمثيل المغربي في هذه الأفلام، وكيف يمكن تعزيز التواصل مع الجمهور المحلي والتخلي عن بهرجة الحديث عن فيلم مغربي عالمي والاحتفاء به.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يمكن أن تكون الخطوات الإيجابية نحو دعم المواهب المحلية وتشجيع إقامة شراكات محلية قوية هي المفتاح لتحقيق توازن بين الابتكار الفني والوصول إلى العالمية. ويبدو أن الدعوة إلى إطلاق مبادرة لدعم شركات الإنتاج السينمائية المحلية الخاصة، تعكس إدراكا لهذه الضرورة، ويمكن أن تمثل خطوة هامة نحو تحقيق تنوع وازدهار حقيقيين في المشهد السينمائي المغربي.