الإفراج عن المعتقلين السياسيين في مصر يتم بالتنقيط

القاهرة- يتساءل المتابعون في مصر لملف الإفراج عن المعتقلين والمحتجزين والمحبوسين في قضايا سياسية وحريات وتعبير عن الرأي، لماذا تقوم لجنة العفو الرئاسي بالإفراج عنهم تدريجيا، وتتبع آلية تقوم على التنقيط حسب وصف الناشطة السياسية والحقوقية ماهينور المصري، ولماذا لا تقوم بالإفراج عنهم دفعة واحدة طالما أن نواياها حسنة وتسعى لغلق هذا الملف الحيوي؟
ويثير السؤال وروافده المتعددة علامات استفهام أخرى حول أسباب البطء ودوافعه، وهل لها علاقة بتنقيح القوائم وفرز من يستحقون إدراجهم عليها للإفراج عنهم أم هو حرص للاحتفاظ بأعداد من هؤلاء كي يفهم الأمر بعيدا عن التغير الجذري في التعامل مع النشطاء وليس رضوخا لضغوط تمارسها بعض القوى في الداخل والخارج.
ويقول المتابعون إن سير العجلة ببطء خير من توقفها تماما، لأنه في النهاية هناك العشرات من الشباب والشيوخ نالوا حريتهم ويمكن الإفراج عن آخرين في الفترة المقبلة، وهو مكسب يصب في صالح الدولة والمجتمع والنشطاء والأحزاب والحياة السياسية برمتها، ويؤكد أن هناك إمكانية حقيقية للتغيير والإصلاح بعد فترة من الانسداد في المجال العام وإصابته بالترهل.
وتحرص لجنة العفو الرئاسي التي جرى إعادة تشكيلها في أبريل الماضي واستأنفت عملها بنشاط على سد الثغرات وتضييق الفجوات لتأكيد جدية الدولة في حل أحد الملفات شديدة الحساسية، والتي يثار حولها لغط كبير بسبب أعداد المحبوسين وظروف الحبس التي يعيشونها والتحديات التي تواجه من تم الإفراج عنهم للاندماج في المجتمع والعودة إلى وظائفهم وجامعاتهم عقب شهور أو سنوات من الانقطاع.
الإفراج عن بقية المعتقلين يتوقف على مقدار التطور في الحوار الوطني وما يمكن أن يتمخض عنه من مخرجات
ويظل ملف الإفراجات من القضايا التي تحظى باهتمام في مصر، وربما يتوقف عليه مقدار التطور في الحوار الوطني وما يمكن أن يتمخض عنه من مخرجات إيجابية، خاصة في المحور السياسي الذي تعتبره قوى معارضة الاختبار الذي يثبت مدى جدية الحكومة في إحداث التغيير المطلوب، وهو ما يجعله دائما محل أخذ ورد بين الطرفين.
وتفسر دوائر معارضة اللجوء إلى الإفراج بالتنقيط بأنه يعكس حالة من عدم اليقين لدى الحكومة بحسم موقفها من مسألة الإصلاحات ووضعها على الرف بعد فترة أو جعلها معلقة ومرهونة بحجم التطورات السياسية خلال الفترة المقبلة.
فإذا مضت الأمور بهدوء وسلام لن تغير من تصوراتها بصورة جذرية، وإذا حدث المزيد من الاحتقان وتعرضت الحكومة إلى ضغوط سياسية مضاعفة لا تستطيع تحملها يمكنها أن تفعّل ملف المعتقلين وتسرّع خطواتها وتتخلى عن البطء الشديد الذي يكتنفه.
ودخلت الحكومة ملف الإفراجات وضخت فيه دماء جديدة عقب إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي بصورة مغايرة لما بدت عليه في تشكيلها الأول قبل حوالي خمسة أعوام بإشراف أسامة الغزالي حرب.
وفي المرة الأولى أصيبت سريعا بالسكتة الدماغية وبعد وقت قصير تأكد النظام المصري أن الظروف غير موائمة للعمل في هذا المجال، واختفت اللجنة من الأضواء ولم يتم الحديث عن دورها، وجرفت الاعتقالات الجديدة جميع الفرص التي كان يمكن أن تهيئها اللجنة في تشكيلها الأول.
ويبدو الوضع هذه المرة مختلفا، حيث ظهرت نتائج لجنة العفو (الثانية) وأقدمت على خطوات ملموسة وأفرج عن شخصيات سياسية لم يكن الكثيرون يتوقعون خروجها، مثل يحيى حسين عبدالهادي، وهو ما منح الأمل في الجدية الظاهرة على تصرفات الكثير من أعضاء اللجنة، بينهم نشطاء وحقوقيون يقفون على يسار الحكومة.
ويقدم القبول، ولو على مضض، بالتنقيط في عملية الإفراجات الراهنة، رسالة إلى الحكومة أن المعارضة تتحلى بدرجة عالية من الواقعية، ولا تريد أن تتشدد في مطالبها وتصل إلى حد تعجيز الحكومة عن التفاهم معها، لأن الصدام يحمل نتائج وخيمة للطرفين.
ويؤيد التفاهم النسبي الجاري بين الحكومة والمعارضة في ملف المعتقلين إلى تغيير الصورة النمطية المأخوذة عن العلاقة بينهما، ويخلق مساحة من القواسم المشتركة لإمكانية التعاون في ملفات أخرى، لأن العناد وتشبث كل طرف بمطالبه يقودان إلى خسارة عامة، يحصد منها المعتقلون الكثير من المتاعب وتتأخر فرص الإفراج عنهم.
الحكومة تضخ دماء جديدة بلجنة الإفراجات عقب إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي بصورة مغايرة لما بدت عليه في تشكيلها الأول
ويأخذ معارضون على الحكومة عدم إدراجها لأسماء لامعة من المعتقلين، مثل علاء عبدالفتاح وأحمد دومة وزياد العليمي ومحمد القصاص، ومعهم المرشح الرئاسي السابق والقيادي الإخواني عبدالمنعم أبوالفتوح، وإعادة اعتقال الناشط شريف الروبي بعد الإفراج عنه.
وتفسّر هذه الممانعة ورفض إدراج هؤلاء على قوائم العفو أن الحكومة لا تريد التجرد من كل الأوراق في ملف المعتقلين السياسيين بسهولة كي لا تغري المعارضة على رفع سقف مطالبها، وتتخذ من الملف وسيلة لزيادة ضغوطها في اجتماعات الحوار.
وقد تضع على جدول الحوار الوطني ملفات أكثر حساسية، كأن تطالب بإزالة تعديلات مهمة أدخلت على الدستور منذ ثلاثة أعوام، ومنحت رئيس الدولة فرصة لإعادة ترشيحه مرة أخرى وزادت مدة الرئاسة إلى ست سنوات بدلا من أربع، وحصل بموجب التعديلات على المزيد من الصلاحيات.
كما أن التمهل أو البطء أو التنقيط في عملية الإفراج مرده عدم تصوير المسألة على أن هناك الآلاف من المعتقلين السياسيين، كما ذهبت وكالات أنباء عالمية ومنظمات حقوقية دولية، فالسرعة والكثافة كفيلتان بتأكيد جدية الأرقام التي أعلنت من قبلهما.
بينما الطريقة التي تتبعها الحكومة كفيلة أن تخفي هذا المعلم، لأن لجنة العفو الرئاسي لا تقدم قوائم المفرج عنهم للسياسيين فقط، حيث أدخلتها ضمن الغارمين والغارمات وحالات أخرى رمادية، ما يؤدي إلى التشابك بين الملفات وضياع معالم الحدود الفاصلة بين السياسي والمجتمعي.
وفرض هذا المنهج التريث والحذر فيما تتخذه الحكومة من خطوات إيجابية في ملف الإفراجات، وجعل سياسة التنقيط مقبولة إذا جرت المحافظة عليها بالوتيرة التي تسير عليها، حيث يخرج العشرات كل أسبوعين، ما يعطي الأمل في أن المستقبل قد يحمل معه نسائم حرية للكثير من المحبوسين في قضايا رأي وحريات وحقوق إنسان.