الإعلام العربي يرتبك في تغطية الفتن الطائفية

"إعلام الكراهية.. آليات تغطية نزاعات الهوية" يكشف تغير إستراتيجيات الإعلام في الحديث عن الطائفية.
الخميس 2024/01/04
المطلوب تصميم أدوات جديدة

يكشف المشهد الإعلامي العربي عن مدى الارتباك في تناول الأزمات حين تتصدر الساحة، خاصة التي تقودها مواقع التواصل الاجتماعي، لتقع وسائل الإعلام بين مطرقة انتشار السوشيال ميديا وسندان سياستها التحريرية، لتخرج صورة مشوهة منقوصة الأحداث.

ويؤكد الباحث والصحافي مايكل فارس أن من أهم الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية، التوترات الطائفية والعرقية والإثنية والمناطقية، بينما العقبة الأساسية والمستمرة هي كيفية تناول الحدث، سواء في الإعلام الحكومي أو الخاص، فكلاهما يبتعد جزئيًّا عن الموضوعيَّة في نقله لعدة أسباب، منها أن الوسيلة الإعلامية ترفع شعارات مثل الوحدة الوطنية والسلام المجتمعي فتنقل الحدث بشكل مجزأ منقوص أو دون سياق كاف. وإما بسبب التوجيهات الأمنية لتلك الوسائل.

وتابع "أو لأن القائمين بالاتصال يعانون بشكل أو بآخر من انحياز واع أو لا واع محمل بأفكار مسبقة تجاه أحد الأطراف، ينتج عنه تعصب فكري أو ديني يمنعهم من تحقيق الموضوعيَّة أو حتى المسؤولية الاجتماعية تجاه الجماهير، أو جهل بالأدوات والمعايير الصحيحة التي يجب اتباعها لتناول الأحداث بشكل يعرض الأحداث دون خلل وانحياز، فبعضهم يجهلها، وبعضهم الآخر قد يتجاهلها، إما لانحياز وإما لأيديولوجيا".

لذلك أعدّ كتابه "إعلام الكراهية.. آليات تغطية نزاعات الهوية" ليكون بمثابة "دستور" يضم قواعد وأدوات محددة يستطيع كل معنيّ بتغطية تلك الأحداث السير على دربها. ويشكل الكتاب محاولة علمية وعملية لإنشاء خارطة إدراكية متكاملة لتغطية نزاعات الهُوِيَّة الدينية والعرقية والإثنية، بإدخال علوم المنطق والفلسفة وعلم النفس، كمداخل جديدة لفهم العمل الصحفي، ودمج الممارسات العملية مع المفاهيم والدراسات الأكاديمية، وذلك عبر ثمانية فصول رئيسة يكمل كلٌّ منها الآخر، تم خلالها تصميم أدوات جديدة مبنية على دراسات علمية ونماذج واقعية، يُمكن تطبيقها في فهم وتحليل وتغطية نزعات الهُوِيَّة عطفًا على تطبيقات تفاعلية تُمكن القارئ من التفاعل مباشرة مع تلك الأدوات.

◙ مايكل فارس توقف عند عناوين المواقع والصحف محللا لتناقضاتها وليّها للأخبار ومن ثم عدائيتها
مايكل فارس توقف عند عناوين المواقع والصحف محللا لتناقضاتها وليّها للأخبار ومن ثم عدائيتها

وتسعى فصول الكتاب الصادر عن دار العربي إلى تفهم وإدراك الأخطاء التي نقع فيها خلال تغطية الأزمات عمومًا والنزعات المبنية على الهُوِيَّة خصوصًا، سواء الدينية أو العرقية أو الإثنية في إعلام الدول العربية. ويعاني الإعلام العربي عموما والمصري خصوصا من ارتباك جلل خلال تغطية الفتن الطائفية، وذلك يعود لأربعة أسباب رئيسة هي سياسية تحريرية موجهة، أو جهل بالقواعد المهنية، أو تعصب ديني من القائم على تحرير أو نشر أو إذاعة الحدث، أو تعليمات أمنية.

وتمثل الأخيرة أبرز الضغوط التي تجد الوسيلة الإعلامية نفسها أنها ملتزمة بتنفيذها، حيث يجد القائم بالاتصال نفسه أمام توجيهات وتعليمات معلنة أو مستترة، وبعضها يتصف بالغموض والعمومية، والآخر محدد أو موضوعي، وبعضها الآخر قد يكون مبررا تبريرا مقنعا أو غير مقنع. ففي بعض الدول النامية ترى السلطات أنها الأحق بحماية قيم ومبادئ المجتمع وحماية الجمهور المتلقي للمعلومة.

والأسباب الأربعة قد تكون متداخلة فيما بينها، أو قد يظهر كل سبب بشكل رئيس منفصلا عن الآخر، حتى يصل إلى حارس البوابة الذي يقرر ماذا ينشر؟ وكيفية نشره قبل وصول المعلومات إلى الجمهور. وقد أدت الأسباب الأربعة السابقة إلى تغير إستراتيجيات المواقع والصحف والقنوات الفضائية والتلفزيونية في تناول الأزمات الطائفية، بحيث أصبح الاعتماد على المصادر الرسمية والجهات التنفيذية وما يصدر عنها من تصريحات وبيانات هو أساس النشر لكل ما يتعلق بالحدث، بعدما كانت هناك مساحات لتناولها بشكل معمق كإجراء تحقيقات ميدانية، وعرض تصريحات أطراف النزاع، والاستماع لشهود العيان عن الواقعة.

ويتابع فارس أن نسبة كبيرة من الصحافيين لا يرضون عن آليات تغطية الفتن الطائفية، حسب ما أكدته دراسة جاءت بعنوان "الصحافة المصرية ومعالجة قضايا التنوع الديني من منظور المواطنة.. دراسة لاتجاهات القائمين بالاتصال"، مشيرة إلى أن أسباب رفض الصحافيين – في عينة البحث – للمعالجة الصحفية تعود لسطحية المعالجة، يليها التركيز على جانب وإغفال جوانب أخرى، ثم الاهتمام بمواد مثيرة، ويليها عدم مراعاة الصالح العام، ويعقبها عدم مراعاة قيم وتقاليد المجتمع، وأخيرا إثارة الفتنة الطائفية.

وذكرت فئة أخرى أنها تعجز عن تسمية الجرائم بمسمياتها الحقيقية أو بسبب الانحيازات الدينية والجهل بالمصطلحات والمفاهيم والحساسية المفرطة في قضايا معظمها جنائي، وعدم المهنية والانحياز لجانب دون الآخر. كذلك النزاع حول السلطة والمناصب السياسية، فمثلًا نجد في لبنان صراعا بين طوائف دينية عدّة، ولكن جوهرها هو تقاسم السلطة السياسية، لذا ففهمنا لخارطة الهويات المتداخلة هام لتحديد طرق معالجة التغطية الصحفية. ويضيف "من الأسباب أيضا الاختلاف القيمي أي سوء الفهم أو التفسير بين طرفين، وذلك لاختلاف معايير تقييم الأفكار والسلوك، الناتج عن عدة روافد، منها الدين والتنشئة الاجتماعية والوضع الاقتصادي والقناعات الشخصية والانحيازات وغيرها، مثل الإجهاض والتبني والميراث والحجاب والملابس وغيرها".

ويتوقف فارس عند عناوين المواقع والصحف محللا لتناقضاتها وليّها للأخبار ومن ثم عدائيتها ويضرب الكثير من الأمثلة منها عنوان “شريف الشوباشي: الأعمال الدرامية أحد أسباب غياب الوعي وفساد المجتمع”، ويقول “نرى بوضوح المغالطة، فهل كل الأعمال الدرامية تسبب غيابا للوعي وفسادا للمجتمع؟ فقد تكون هناك بعض الأعمال غير جيدة، ولكن تعميمها بعبارة ‘كل الأعمال الدرامية’ هذا هو مكمن المغالطة، فليس كل ما ينطبق على فرد ينطبق على جماعته أو طائفته، وليس كل ما ينطبق على عمل درامي ينطبق على كل الأعمال الدرامية، وفي الإسلاموفوبيا حين نسمع مصطلح ‘متشددون’، يقولون ‘المسلمون إرهابيون أو متطرفون’، فمَن يقول ذلك وضع صفة الإرهاب أو التطرف في واقعة محددة وأضفاها على كل المسلمين.

◙ "إعلام الكراهية.. آليات تغطية نزاعات الهوية" ليكون بمثابة "دستور" يضم قواعد وأدوات محددة يستطيع كل معنيّ بتغطية تلك الأحداث السير على دربها

في أحد المواقع الخبرية الشهيرة في مصر، جاء عنوان 'الرهبان الأحباش يهاجمون دير السلطان القبطي في القدس بسبب علم مصر'، وقد ذكر المحرر في العنوان ‘الرهبان الأحباش يهاجمون دير السلطان القبطي في القدس’، ويُفهم منه أن 'كل الرهبان'، وفي حال قراءة الخبر كاملا، سنجد في المتن 'عدد من رهبان وأفراد طائفة الأحباش..’، هل تعتقد أن المحرر وقع في مغالطة التعميم المتسرع؟ كذلك الأمر مع عنوان 'اعتبروه مسيئا إلى العقيدة المسيحية: أقباط مصر يطالبون القضاء بوقف فيلم بحب السيما’، هل ترى في هذا العنوان، أن كل أقباط مصر طالبوا القضاء بوقف فيلم 'بحب السيما'؟".

ويشير فارس إلى مثال آخر لإيضاح المغالطة “وافق يوم جمعة يوما خلال انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي 2022 بدار الأوبرا المصرية، فتوجه عدد من الحاضرين لأداء الصلاة على السجادة الحمراء، على الرغم من وجود مسجد في الأوبرا، وانتشرت صور كثيرة على السوشيال ميديا لشكل المصلين على السجادة الحمراء، فانتقد مدير المهرجان أمير رمسيس – وهو مسيحي – هذا السلوك. وكتب رمسيس على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ‘غزوة الريد كاربت’، وعلّق في منشور آخر على أداء الصلاة عليها على الرغم من وجود مسجد، خاصة وأنه حتى لو أرد المصلون افتراش الطريق، لكان بإمكانهم فعل ذلك بجوار المسجد مباشرة.

فجاءت عناوين الصحف تنويعا على صيغة ‘غزوة السجادة الحمراء’، وأغلبها استخدم مصطلح 'سخرية'، هل حقّا كان يسخر من الصلاة أم ينتقد مكان إقامتها؟ كان في الإمكان استخدام مصطلح ‘انتقاد’، فهنا يظهر بهذه العناوين شخص مسيحي يسخر من أداء صلاة الجمعة، في جل العناوين، لم يتم التركيز نهائيًّا على انتقاد موقع الصلاة، على الرغم من وجود مكان مخصص لها، بل تم التركيز على فعل الصلاة ذاته، واستخدام مصطلح 'سخرية'، وهو ما لم يحدث، فقد أوضح رمزي على صفحته ما كان يقصده، وأيده في ذلك الناقد السينمائي طارق الشناوي في أن تعليقه على موقع الصلاة وليس فعل الصلاة، إلا أن الفنانين والناقدين والكُتَّاب والإعلاميين تجاهلوا ذلك تماما، حتى إن الكاتب عمرو سيف عاطف استخدم ذات المصطلح 'سخرية'، وطالب بتخصيص مكان للصلاة بينما يوجد فعلا فيها مسجد".

5