الإعلام العراقي يخذل المرأة في قضايا العنف الأسري

التغطية الإخبارية المتعلقة بالنساء تناسب سياسة الجهة المالكة للقناة التلفزيونية.
الثلاثاء 2021/08/31
العراقيات ينتظرن إنصافهن في الصحافة

فشل الإعلام العراقي في تقديم معالجة منصفة للمرأة في قضايا العنف الأسري وبقي هامشيا يكتفي بالبرامج التي ترضي مالكي القنوات الفضائية وتلائم الأفكار الرجعية التي ألفها المجتمع في التعامل مع هذه القضية، لتتفوق هذه المرة مواقع التواصل الاجتماعي على منصات الإعلام التقليدية في جرأة الطرح والتوعية بحقوق النساء.

بغداد - تجدد النقاش بشأن تناول وسائل الإعلام العراقية لقضايا العنف الأسري وضعف تغطيته الإعلامية لها مع تصدَّر قضية مقتل الشابة العراقية نورزان الشمري وسائل الإعلام المحلية والعربية، وتنظيم حملات على مواقع التواصل الاجتماعي لمحاسبة مرتكبي العنف الأسري وتغيير القوانين المجحفة بحق المرأة.

ويجمع صحافيون وناشطون على أن التغطيات الإعلامية المحلية لقضايا العنف الأسري غير منصفة، لأسباب مرتبطة بتوجهات وسائل الإعلام الحزبية، ويقولون إن أغلب وسائل الإعلام تتناول هذه القضايا بطريقة ضعيفة ولا مهنية، بينما مواقع التواصل الاجتماعي استطاعت أن تكون أكثر إنصافا وجرأة في طرح ظاهرة العنف الأسري والمشكلات الاجتماعية المرتبطة بها.

وتخصص مختلف وسائل الإعلام العراقية برامج للمرأة وحياتها وممارساتها في المجتمع، وتعمل على تسليط الضوء على بعض الجوانب والاهتمامات والأخبار المتعلقة بالمرأة، لكن تلك التغطيات لا ترقى إلى مستوى الطموح للنهوض بالمرأة فكريا، ولا إلى طرح قضايا جوهرية تمس معاناة النساء وتتوجه للرأي العام لمحاولة تغيير الأفكار الرجعية والنظرة المجتمعية والأهم المطالبة بتغيير القوانين.

رحيل العالم: بقعة الضوء قد تتحول إلى العتمة في معالجة قضايا المرأة

وقالت صبا عودة، وهي ناشطة مدنية ومهتمة بقضايا المرأة “هناك تقصير كبير جدا من قبل وسائل الإعلام في تغطية المواضيع التي تخص المرأة، وأرى أن التركيز على المواضيع الثانوية، لا أقول إنها مواضيع غير مهمة، لكنها ليست ذات أهمية كبيرة، كمواضيع التجميل والأزياء وغيرها”.

وانتقدت عودة، في تقرير نشره بيت الإعلام العراقي بعض القنوات الفضائية لتركيزها “على برامج تحط من شأن المرأة كثيرا، عبر طرح مواضيع تستفزها بخصوص مكانتها في المجتمع، وعلاقتها مع زوجها وأولادها”، مبينة أن “هذا الشيء أصبح يؤثر على واقع المرأة”.

وأشارت إلى عدم وجود برامج تركز على زيادة الوعي لدى النساء، كتعريفهن بحقوقهن.

ويلاحظ متابعون للإعلام العراقي المحلي ضعف الطرح النسوي، فما يزال الخطاب الإعلامي يعاني محدودية في مراعاة مكانة المرأة وقيمتها وحصرها بصور نمطية سلبية لا تعكس دورها ولا تراعي إمكانياتها.

وتلعب تبعية وسائل الإعلام دورا مهما في تحديد نوعية التغطية الإخبارية، فأغلبية القنوات التلفزيونية هي مؤسسات تابعة لجهات سياسية أو أحزاب أو رجال أعمال أو متنفذين، لذلك فإن نقلها للأخبار يفتقر للحيادية والموضوعية بالمجمل، بينما الطروحات في قضايا المرأة تكون بما يناسب سياسة هذه الجهة والحزب وتوجه رجل الأعمال المسؤول عن هذه القناة.

ويحتاج إقرار قانون العنف الأسري مثلا، إلى تغطية إعلامية متوازنة لخلق رأي عام موحّد إزاءه بعيدا عن الحسابات السياسية.

في المقابل فإن مواقع التواصل الاجتماعي هي الأكثر خدمة لقضايا المرأة مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية. لأن من خلالها يمكن الترويج للأفكار والقوانين التي تهم المرأة بعيدا عن مقص الرقيب الإداري أو الاجتماعي.

وتعتمد الناشطات النسويات على مواقع التواصل بشكل كبير لمتابعة الأخبار، ويعتبرن أنها وسيلة فعالة لا تتبع إلى جهة معينة أو حزب رغم وجود الجيوش الإلكترونية التي تتبع نظاما خاصا في شن حملات تسقيط باتجاه قضايا بعينها.

وباتت الشبكات الاجتماعية فضاء واقعيا جدا في هذا المجال، فعبر منصاتها ومواقعها يتم تشكيل الرأي العام وإماطة اللثام عن المحظورات المسكوت عنها في وسائل الإعلام التقليدية، فكل شيء في عصر الإعلام الرقمي مكشوف، وتحفيز النقاش والجدل حول معالجة الظواهر السلبية الخطيرة في المجتمع والعمل على القضاء عليها.

وقالت الإعلامية العراقية رحيل العالم إن “مواقع التواصل الاجتماعي بكل مواقعها، سلطت الضوء على جميع القضايا وللمرأة نصيب كبير منها”، ولفتت إلى أن “التعاطي مع حيثياتها أبلغ وأكثر تأثيرا، لكن بقعة الضوء قد تتحول إلى العتمة اعتمادا على طريقة الطرح والتعاطي مع قضايا المرأة”.

وهناك الكثير من الصفحات على الشبكات الاجتماعية تديرها نساء مهتمات بهذا الشأن يحاولن توعية النساء بالقوانين الخاصة بهن، والضغط على السلطات التشريعية كي تسن القوانين التي تحفظ حقوق المرأة، وحمايتها من العنف الذي يمارس ضدها.

لكن لا يمكن إغفال أهمية الإعلام ودوره الأساسي للتوعية بظاهرة العنف الأسري والجرائم ضد النساء، والتوعية بحقوق المرأة إذ أن شريحة كبيرة من الجيل الأكبر سنا لا يتابعون مواقع التواصل الاجتماعي أو يهتمون بالحملات التي تنشط عليها.

المرأة العراقية تناضل من أجل حقوقها
المرأة العراقية تناضل من أجل حقوقها

وبالتالي من المهم وجود خطط حكومية متكاملة يكون الإعلام جزءا منها، وإعادة النظر في المدة البرامجية التوعوية المقدمة في هذا المجال، بحيث تكون قادرة على الوصول إلى جميع المواطنين وبأقصى درجات الجودة، فجودة ما يقدم هي المعيار الأساسي، لأن الرداءة والمحتوى الضعيف يسيئان إلى كل القيم والمعايير، كذلك يجب الاعتماد على المادة البرامجية التفاعلية التي تتيح للناس التواصل والسؤال، والتعبير عن الرأي واكتساب المعرفة الحقوقية والقانونية.

ومن الأمور الأساسية الحديث صراحة ودون مواربة عن هذه الظاهرة، مع تقديم الحقائق المدعمة بالأرقام والوقائع والشهادات حول طبيعة وحجم ظاهرة العنف الأسري والظروف المحيطة بها، وبيان تأثيراتها السلبية على أفراد الأسرة كافة كما على المجتمع.

ويدخل ضمن هذه الاستراتيجية تنظيم حملات إعلامية لتحديد مدى الضرر أو الآثار السلبية، ويجب أن تركز في مضامينها وتوجهاتها على العناصر الاجتماعية والثقافية والنفسية التي تميز الفئات الاجتماعية.

ثم لا بد من العمل مع كتاب وصانعي الدراما التلفزيونية، للتحفيز على المشاركة في الرصد والكشف والتوعية، من خلال ورشات العمل والدورات واللقاءات، كذلك مع الشخصيات العامة والمعروفة والمؤثرة في حياة المجتمع والناس من قادة وصناع الرأي.

ويلقي خبراء إعلام المسؤولية على بعض وسائل الإعلام في تغذية العنف الأسري، ويقول الدكتور حسن سعد عبدالحميد الأستاذ بجامعة النهرين العراقية، “إن المشاهد العنيفة التي تتناولها وسائل الإعلام بأنواعها المتعددة تساهم في نشر العنف والتطرف لدى المشاهدين، وتجاوبهم معها كرد فعل طبيعي إما تفكيرا وإما فعلا وإما عملا”.

وأضاف “لم يعد خافيا على أحد خطورة وأهمية الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام في شتى مجالات الحياة، والحاصل اليوم أن جيل الشباب لم يعد يتأثر بما تمليه عليه الأسرة المتمثلة بالأب والأم، ولم تعد الأسرة عنده المصدر الوحيد للتربية وتقويم السلوك، بل زاحمها في ذلك الإعلام بأنواعه المتعددة، وهنا تكمن الخطورة”.

ويطالب أصحاب هذه النظرية برقابة مشددة على المحتويات الإعلامية العنيفة كالإساءة للمرأة أو الطفل أو كبير السن أو أي فرد من أفراد الأسرة، كما أنهم يرون أن التخطيط البرامجي الهادف مع الرقابة قادران على تحويل وسائل الاتصال إلى أدوات فعالة لمواجهة العنف الأسري ومعالجته.

18