الإعلام الرياضي يعوّض الإثارة الغائبة في الملاعب بشحن الجمهور بالكراهية

تميل أغلب البرامج الرياضية إلى سياسة الإثارة بكيل الاتهامات لأشخاص ورموز الفريق المنافس، كنوع من تعويض الإثارة الغائبة في الملاعب بسبب عدم حضور الجمهور، بينما يقف مجلس تنظيم الإعلام أمام هذه الفوضى صامتا رغم وجود مدونات السلوك ألزم بها الإعلام الرياضي.
القاهرة – تحولت قنوات الرياضة في مصر إلى ما يشبه ساحات للمعارك الكلامية وتصفية الحسابات بين الأندية، وخرجت الكثير من البرامج الأيام الماضية عن قواعد المهنية والموضوعية في مناقشة الأحداث والقضايا الرياضية وغرقت في دوامة من الفوضى والتحريض ومحاولة إقناع الجماهير بأن هناك محاولات خفية لإضعاف هذا النادي أو ذاك لأسباب معلنة وأخرى غير معروفة.
تقدم ناديا الأهلي والزمالك، وهما الأكثر شعبية في مصر، قبل أيام بشكاوى وبلاغات قضائية ضد بعضهما بسبب تجاوزات قناة وبرامج كل منهما ضد النادي المنافس في محاولة للضغط على مجلس تنظيم الإعلام للتحرك ومساندة هذا الطرف على حساب الآخر، وإظهار إعلامه بأنه بريء مما يحدث وأن منابر ومقدمي برامج الفريق المنافس المحرضة تستدعي وقفة جادة وحاسمة.
وما يلفت الانتباه أن مجلس تنظيم الإعلام كجهة رسمية مسؤولة عن هذه القنوات لم يحرك ساكنا أو يعلن عقد جلسة طارئة لمناقشة فوضى الإعلام الرياضي التي وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة من بث الكراهية والعنصرية وإثارة الجماهير وصارت العلاقة بين المشجعين أقرب إلى العداء بسبب ما يبثه الإعلام الرياضي.
وسبق أن قرر مجلس الإعلام وقف برامج رياضية بعينها لأسابيع كعقوبة لها على التطاول والتهكم والسخرية وبث الكراهية وإثارة الاحتقان وعادت المنابر لتؤدي الدور نفسه، وأصبحت البرامج المثيرة موجودة في أكثر من قناة وباتت خارجة عن السيطرة من دون مساءلة أو توجيه لوم وتحذير لمقدميها الذين مارسوا المهنة لمجرد أنهم نجوم رياضة سابقين يستغلون شهرتهم.
ومعروف لدى أغلب جماهير الرياضة في مصر أن كل برنامج يتبنى وجهة نظر بعينها، أو يتحدث بلسان نادي محدد رغم أن بعض القنوات تقدم نفسها على أنها مستقلة وغير تابعة لأي كيان رياضي، لكنها تعمل وفق سياسة “بيع وتأجير الهواء” ويتحدث المذيع كما يروق له فيقوم مقدم البرنامج بدفع مبالغ مالية مع جلب معلنين ويتحدث في اتجاه بعينه من دون ضوابط أو رقابة إعلامية واضحة.
وباتت قناة “الحدث” تقدم برامج رياضية بعضها يساند الأهلي بقوة ويدافع عنه بشتى السبل وينتقد بشراسة كل منبر إعلامي يتعرض للنادي، وتقدم المحطة برامج تساند الزمالك في كل خطواته ومعاركه ولا تتحدث عن الأهلي بأي إيجابية، بل تتعمد تشويه صورته ورموزه.
وتحول بعض مقدمي البرامج الرياضية على فضائيات أخرى إلى متحدثين باسم أندية بعينها ويحاورون الضيوف على هذا الأساس ويتبنون وجهة نظر تخدم مصلحة النادي الذي يشجعونه، فقد تجد مذيعا على فضائية شهيرة يحاور مدير الكرة بالأهلي وفجأة يقول له “إن شاء الله لن نترك درع الدوري للأهلي”، في إشارة لكونه يشجع الزمالك بشكل يفقده الموضوعية.
وتتطرق شريحة من المذيعين ومقدمي البرامج الجماهيرية غير الرياضية إلى الحديث في كرة القدم، لكن المعضلة في إظهار انتمائهم الواضح لنادي بعينه ويستغلون شعبية برامجهم للدفاع عنه وكيل الاتهامات للفريق المنافس أو السخرية من بعض لاعبيه، مثل أحمد موسى وتامر أمين وقد اعتادا تجميل صورة الأهلي دائما، وتوجيه النقد للآخرين، في المقابل لا ينكر الإعلامي عمرو أديب انتماءه إلى نادي الزمالك.
ويقود ذلك إلى أن معضلة الإعلام الرياضي في مصر تكمن في سيطرة الانتماء الكروي على مقدمي البرامج، سواء العامة أو المتخصصة في شؤون الألعاب المختلفة، وتشجيع أي مذيع لنادي بعينه يحكم إطار برنامجه بشكل يفقده الموضوعية المطلوبة ويجعله محسوبا على طرف بعينه دون اكتراث بالمصداقية في طرح القضايا الرياضية.
وقال حسن عماد مكاوي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة لـ”العرب” إن انتشار ثقافة بيع وتأجير الهواء في القنوات والملكية الاحتكارية للقنوات من جانب الأندية الشعبية وغياب مهنية المذيع الرياضي وسيطرة الانتماء الكروي عليها من الأسباب الرئيسية في وصول الإعلام الرياضي لمرحلة غير مسبوقة من الفوضى وتصفية الحسابات وبث التعصب والكراهية بين الجماهير.
وأضاف مكاوي أن الإعلام الرياضي يهتم بالإثارة والتربص واصطياد الأخطاء أكثر من تركيزه على اللعبة نفسها، وعبارة عن منابر مهمتها إدارة المعارك الكلامية في مشهد عبثي، وتعتمد القنوات على نجومية المذيع ولا تبحث عن المهارات والخبرات والمهنية، فالمهم أنه يلجب المشاهدات بغض النظر عن الحرفية.
ولفت إلى أن “ضعف المجال العام واختفاء الأحزاب السياسية دفع الجمهور لتفريغ جزء من طاقاته الكامنة في الرياضة، فهناك حزب الأهلي وحزب الزمالك وحزب الاتحاد، وهكذا، والمشكلة أن الكيان الرياضي المتحزب لا يمكن السيطرة على إعلامه لأن مشجع كل فريق تستهويه هذه النغمة من التشهير والحط من الطرف الآخر، وتحولت المنصات الرياضية إلى معارك لفظية قد تكون مقدمة لكوارث إعلامية.
وتميل أغلب البرامج إلى سياسة الإثارة من خلال استضافة لاعب من النجوم السابقين لنادي بعينه لكيل الاتهامات لأشخاص ورموز الفريق المنافس، وفي اليوم التالي يتم استضافة نجم آخر من النادي الذي تعرض للهجوم ليرد على ما جاء في الحلقة على لسان الضيف الأول كنوع من تعويض الإثارة الغائبة في الملاعب بسبب عدم حضور الجمهورولتكون مكانها استديوهات البرامج.
ويقف مجلس تنظيم الإعلام أمام هذه الفوضى صامتا حتى الآن، على الرغم من أن لديه الكثير من المعايير والضوابط ومدونات السلوك التي سبق وألزم بها البرامج الرياضية وإلا تعرضت للإيقاف، لكنها غير مفعلة لأسباب ترتبط بحاسبات المجلس لشعور الجمهور بأنه يساند طرف على حساب الآخر أو أنه يتحرك ضد إعلام نادي بعينه مدفوعا بالانتماء الكروي لبعض أعضائه.
ويرى متابعون أن الصمت على الفوضى الإعلامية في برامج الفضائيات الرياضية جعلها تنتقل إلى الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بغزارة، فهناك محررون معروفون يدعمون أندية بعينها في إصداراتهم ومواقعهم الإلكترونية نظير الحصول على مكاسب أو التقرب من صناع القرار في هذه الأندية أو جني امتيازات بعينها، مثل العمل في المنظومة الإعلامية لهذا النادي بمقابل مادي سخي.
واعترف م (ج)، وهو صحافي رياضي، أن الكثير من المحررين الرياضيين أعضاء رابطة النقاد بنقابة الصحافيين يعملون في الأجهزة الإعلامية للأندية، إما في إدارة الإعلام نفسها أو يديرون صفحات تابعة للنادي على منصات التواصل، أو ضمن فرق الإعداد بالبرامج، ما يؤثر على تناولهم للموضوعات المرتبطة بالنادي ومنافسيه.
وأوضح لـ”العرب” أن الصحافي الذي يتلقى أموالا من نادي بعينه مطالب بخدمته متى وُجد، وهذا شرط أساسي في كتاباته بالصحيفة أو موقعه كمعد برنامج، أو حتى عندما تتم استضافته في أي محطة، وإلا خسر المزايا المادية التي تقدم له، وهذا نوع من الولاء للنادي، فالصحافي الأهلاوي لا يتحدث عن سلبيات الفريق مهما كان المنبر الإعلامي، وهكذا بالنسبة إلى الأندية الأخرى.
ويرى خبراء إعلام أن الحكومة تدفع فاتورة باهظة إذا كانت تتصورأن مناوشات الإعلام الرياضي ستمكنها من إلهاء المواطنين عن التركيز على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لأن الأزمة خرجت عن السيطرة بالفعل وتشعبت وتحتاج إلى إرادة إعلامية قوية لعلاجها من جذورها، ما قد يقحم الحكومة في مشكلات أكبر، إذا شعر جمهور هذا النادي أو ذاك بأنها تنتصر لطرف على حساب الآخر.