الإصلاحات العراقية أمام اختبار عسير اسمه أزمة الإسكان

يتفق خبراء على أن أزمة الإسكان وانتشار العشوائيات في العراق لا يزالان يمثلان تحديا كبيرا أمام خطوات التنمية في ظل زيادة في النمو الديموغرافي وضعف في الإجراءات التي تتعلق بتوسعة المدن وإنشاء أخرى في المناطق البعيدة عن الكثافة السكانية، ما يجعل الحكومة أمام أحد الاختبارات العسيرة في طريق الإصلاح.
بغداد - يحاول العراق جاهدا معالجة أزمة الإسكان المزمنة من خلال إطلاق خطط تتلاءم مع النمو السكاني المتزايد في البلاد، إضافة إلى الاعتماد على عدة إجراءات لتسهيل حصول المواطنين على القروض بفوائد مقبولة.
ويؤكد الخبراء أن الحكومة تحتاج إلى بلورة حلول قادرة على التخفيف من وطأة هذه الأزمة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلد النفطي كونها تختزل أحد وجوه التقصير في إدارة الأزمات المتراكمة منذ قرابة العقدين، بسبب تغلغل الفساد وتوجيه الأموال إلى غير محلّها.
ويقر مدير عام دائرة التنمية الإقليمية والمحلية في وزارة التخطيط محمد محسن السيد بأن معضلة السكن في البلاد مشكلة مركبة ونتيجة تراكمات.
ونسبت وكالة الأنباء العراقية الرسمية إلى السيد قوله إن “البعض يعتقد حصولها بسبب عدم توفير المساكن، ولكنها بسبب جذب فرص العمل في المناطق الكبرى مثل بغداد والبصرة وغيرهما من المدن الكبيرة”.
وأضاف “من السهولة حل مشكلة السكن إذا وفرنا فيها فرص العمل للشباب وتكون جاذبة وأسعار الأراضي زهيدة، أما إذا أبقينا فرص العمل متركزة في المدن الكبيرة، فسوف تبقى أزمة السكن قائمة”.

محمد محسن: معضلة السكن في العراق مشكلة مركبة ونتيجة تراكمات
وتابع “ما نسعى له في التنمية الحضرية في وزارة التخطيط هو توفير فرص العمل في المدن الصغيرة والمتوسطة”، موضحا أن “أغلب العراقيين يذهبون إلى مناطق بعيدة من أجل فرص العمل”.
وكانت وزارة التخطيط قد شكلت لجنة قبل أشهر لإعداد مشروع قانون لمعالجة العشوائيات، ولكنه لا يزال على رف البرلمان.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن نحو 30 في المئة من العشوائيات تقع ضمن التصاميم الأساسية للمدن وهذه ممكن معالجتها ولكن البقية المخصصة للاستعمال التجاري والصناعي تحتاج إلى معالجات أخرى بانتظار تشريع القانون للمضي بتنظيم العشوائيات.
ويرى معاون مدير عام التصاميم في أمانة بغداد أحمد ياسين أن قضية السكن بالبلاد تحتاج إلى جهود كبيرة لحل المشكلة وهي ليست وليدة وإنما متعاقبة.
وقال إن “الازدياد الكبير في عدد السكان وعدم وجود مدن أو مجمعات سكنية جديدة أديا إلى تقسيم البيوت والمنازل ولجوء البعض اإى العشوائيات”.
ويعاني العراق من أزمة سكن خانقة، وتقول وزارة الإسكان إن هناك حاجة إلى 3 ملايين وحدة سكنية لحلها، في بلد يتجاوز التعداد السكاني فيه 40 مليون نسمة، كما توضح إحصائيات وزارة التخطيط العراقية التي أعلنت عنها في يناير الماضي.
وجعلت حلول أزمة الإسكان المطروحة مجرد وعود غير قابلة للتطبيق وفقاعات للاستهلاك المحلي وعدم إنجاز المشاريع المخططة وخاصة تلك الرخيصة التكلفة أدت إلى تضخم مشكلة مع زيادة واستمرار معاناة الأسر العراقية التي باتت عاجزة أمام هذا الأمر ولا تستطيع فعل أي شيء للخروج من هذه الورطة.
ومع ذلك تتسلح الحكومة بدراسة تتعلق بالتنمية الشاملة حتى 2030 وضعت عدة حلول لها، ولكنها غير مكتملة لحل أزمة العشوائيات عن طريق الاستثمار أو عن طريق التعويض.
ويؤكد ياسين أن امتداد العشوائيات متوقف حاليا وأن البلديات تقوم بواجبها بمنع أي تجاوز يحدث حاليا حتى لا تمتد بشكل أكبر.

صالح الهماش: الحكومات المتعاقبة لم تضع دراسة حقيقية لمعالجة المشكلة
وتتصدر بغداد المحافظات من حيث انتشار العشوائيات إذ تحتوي العاصمة على ألف مجمع سكني عشوائي، تليها البصرة جنوب البلاد بنحو 700 منطقة عشوائية، في حين تحتل كربلاء المركز الأخير بحوالي 98 مجمعا عشوائيا، وقبلها محافظة النجف بواقع 99 مجمعا عشوائيا.
وتظهر أرقام أمانة بغداد أن هناك نحو 168 منطقة عشوائية كبيرة في العاصمة، إضافة إلى الصغيرة منها، وتلك العشوائيات مناطق متكاملة وفيها مساكن وأسر ولا يمكن رفعها.
ويرى محللون أن أهم أسباب فشل الحكومات المتعاقبة في معالجة المشكلة المستعصية هو عدم وجود خطط استراتيجية بشقيها، قصيرة المدى وطويلة المدى، من أجل تلافي المؤشرات السلبية التي تنتج عنها.
وقال عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية أنس العزاوي إن “هناك معاناة كبيرة للعراقيين وهي أزمة السكن وضمن الحقوق العامة للمواطن، أن يكون له سكن لائق يحفظ له كرامته”.
وتبنت المفوضية في 2019 موضوع العشوائيات وقدمت مقترحات للحكومة لتقديم دعم مالي مباشر للناس أو على شكل قروض تتبناها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ثم وزارة الإسكان ويتم تنفيذها من قبل الدولة.
ولكن الأحداث التي رافقت الحكومة السابقة حالت دون استكمال المشروع وبعدها تم طرح الموضوع مرة أخرى على حكومة مصطفى الكاظمي وكانت هناك استجابة مع أنها تسير ببطء شديد بسبب شح التمويلات.
ويرى الخبير الاقتصادي صالح الهماش أن الحكومات المتعاقبة لم تضع دراسة حقيقية لمعالجة أزمة السكن واعتقدت أن الحل بالأموال وهذا غير صحيح وإنما حل المشكلة من خلال تخصيص قطع أراض أو بناء مدن جديدة ورفد المدن بالطرق والمواصلات.
وأظهرت تقارير دولية على مدى سنوات أن الحكومات المتعاقبة التي تقلّدت الحكم بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003 وخاصة في فترة حكم نوري المالكي تسببت في إهدار الملايين من الدولارات بتعاقدات أبرمتها وزارة الإسكان.
وقال الهماش إن “الكثافات السكانية تمركزت في مدن ومناطق معينة وفي بغداد انحسرت في قلب العاصمة مما أدى إلى التجاوز على المناطق الزراعية”.
وأشار إلى أن أزمة الإسكان سببها الرئيس هو عدم وجود خطة حقيقية لإنشاء مدن جديدة وربطها بطرق مواصلات وعدم وجود تعداد سكاني.
وأكد أن الوضع الاقتصادي والمالي للطبقة الفقيرة لا يمكّنها من شراء بيت ذات مساحة 200 متر على الأقل، ولا يوجد توسع في المدن أو مجمعات رخيصة التكاليف.