الإصلاحات السعودية أمام اختبار عسير بشأن أزمة السكن

مفتاح معالجة أزمة الإسكان يقوم على تحفيز التمويل من القطاع الخاص وقطع الاعتماد على الدعم الحكومي.
الخميس 2019/08/08
انفراجة متوقعة لأزمة السكن في السعودية

تكثّف السعودية جهودها لمعالجة أزمة السكن من خلال إطلاق مشاريع سكانية جديدة، تتلاءم مع النمو السكاني المتزايد في المملكة إضافة إلى الاعتماد على سياسة الاقتراض لتوفير سكن بأسعار مناسبة لجميع مواطنيها. ورغم التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي، يعتقد خبراء أن قطاع السكن بدأ يقطف ثمار “رؤية 2030″، وهي خطة تؤمّن مستقبل المملكة في مرحلة ما بعد النفط، ويثق هؤلاء في قدرة وزارة الإسكان، ومعها الصندوق العقاري السعودي على بلورة حلول قادرة على التخفيف من وطأة هذه الأزمة.

الرياض – تبني السعودية منطقة عصرية ضخمة، وتعد بأن تشمل سيارات أجرة طائرة وأناسا آليين، لكن بالنسبة إلى كثير من المواطنين، يبقى امتلاك منزل صعب المنال، رغم الجهود الحثيثة للمملكة لإنهاء أزمة السكن وتوفيره بأسعار معقولة لجميع السعوديين.

وتؤرق أزمة السكن شريحة هامة من السعوديين في بلد لا تزال فيه المساكن حتى تلك منخفضة الأسعار، أغلى ثمنا من قدرة كثيرين، ما يمثّل تحديا رئيسيا لولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يعمل على ترميم الاقتصاد المرتهن للنفط، من خلال إصلاحات اقتصادية جدية تقود المملكة إلى مستقبل واعد وآمن.

وفي نظرة استشرافية لمستقبل المملكة في مرحلة “ما بعد النفط ” وضع الأمير محمد بن سلمان خطة إصلاح شاملة هي “رؤية المملكة 2030” لتقليل الاعتماد على النفط وتحديث الاقتصاد وإجراء إصلاحات اجتماعية. وبالإضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية تشهد المملكة حملة إصلاحات قانونية وتغيرات ثقافية هي الأكبر في تاريخها المعاصر، وكان من ضمن الإصلاحات الأخيرة السماح للمرأة السعودية بالسفر دون اشتراط موافقة “ولي الأمر”، سبقه القرار بالسماح للمرأة بتولي وظائف كانت في السابق حكرا على الرجال.

يحاول ولي العهد السعودي عبر هذه الخطوات الجريئة في مجتمع محافظ أن يقدّم صورة جديدة للسعودية، تقطع مع صورة المملكة المرتبطة بالإسلام المتشدد، وليوجه رسالة للعالم أن المملكة ملتزمة بروح الإسلام المعتدل والمتسامح. أما على صعيد اقتصادي فهو يسعى إلى الحفاظ على مكانة المملكة في هذا المجال باعتبار صاحبة الاقتصاد الأقوى في المنطقة.

ومع ذلك تصطدم بعض الإصلاحات وبصفة خاصة الاقتصادية منها بصعوبات وتحديات، ويفرض شكوى المواطن المتواصلة من أزمة السكن، فرض حلول سريعة لإنهاء هذه الأزمة.

سياسة زيادة نسبة امتلاك المنازل أحد أركان "رؤية 2030" الإصلاحية التي طرحها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمواجهة أزمة السكن

وسبق أن أشارت دراسات محلية أن أعدادا كبيرة من المواطنين لا يستطيعون شراء منازل خاصة، وأن المملكة ستحتاج إلى أكثر من 4 ملايين وحدة سكنية عام 2025، ينبغي توفيرها للشباب وأن هناك نحو 28 مدينة منها يزيد عدد سكانها عن 100 ألف نسمة، إضافة إلى المدن المليونية مثل الرياض ومكة والمدينة.

ولمواجهة الأزمة، قدّمت المملكة التي لم تكن تفرض أي ضرائب على مواطنيها حتى قبل سنوات قليلة ماضية، قروضا سكنية من دون فائدة طوال عقود. لكنّها أصبحت الآن تدفع باتجاه تعزيز الإقراض في تغيير في سياستها، في وقت تنتقل فيه من مرحلة الرفاهية، إلى فترة التعايش مع أسعار النفط المنخفضة.

وبالنسبة إلى كثيرين من أمثال الأكاديمي عبدالله (39 عاما)، الأب لثلاثة أبناء والذي يسكن مع عائلته في شقّة مستأجرة في الرياض، فقد تسبّب هذا الأمر في تأخير حلم بناء منزله الخاص عند أطراف المدينة.

وبعد نحو عقد من وضع اسمه على لائحة انتظار للحصول على قرض بلا فائدة من صندوق التنمية العقاري، وهو مؤسسة حكومية، قال عبدالله إنّه تم تحويله إلى مصرف تجاري للحصول على قرض بقيمة 445 ألف ريال (119 ألف دولار).

واستخدم الأموال للمباشرة ببناء منزل فوق قطعة أرض تبلغ قيمتها 350 ألف ريال، وقد حصل على قرض آخر لشرائها. لكنّه اضطر لأن يوقف البناء في مايو الماضي بعدما نفذ منه المال.

وتأسّس الصندوق سنة 1974، وهو يتبع وزارة الإسكان. ويقوم الصندوق حاليا بتغطية جزء من الفائدة المفروضة على قرض عبدالله، فيدفع ألف ريال شهريا من أربعة آلاف هي قيمة القسط الشهرية. ويقول عبدالله إنّ هذا الأمر يجعله يعاني لتسديد القروض من راتبه الشهري البالغ 20 ألف ريال (5300 دولار)، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة..

أسباب القلق

مشاريع للتخفيف من حدة أزمة السكن
مشاريع للتخفيف من حدة أزمة السكن

بحسب إحصاءات رسمية، هناك نحو 500 ألف شخص على لائحة الانتظار للحصول على قرض بلا فائدة. وتقول المحلّلة السعودية نجاح العتيبي إنّ “مفتاح معالجة أزمة الإسكان السعودية لا ينحصر ببناء منازل إضافية فقط، لكنه يقوم على تحفيز تمويل من القطاع الخاص وقطع الاعتماد على الدعم الحكومي”. وتتابع “هذا الأمر يحمل بالطبع خطر التسبب باستياء عام”.

وتُبرز هذه المسألة التحدي الذي تواجهه السلطة في سعيها إلى فصل المواطنين عن السخاء الحكومي، في وقت يُتوقع أن يبلغ عجز الموازنة العامة 35 مليار دولار في 2019، أي 4.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ومع بداية فرض سياسات اقتصادية جديدة بدا من الصعب على مواطني دول الخليج العربي تغيير نمطهم الاقتصادي بعد أن اعتادوا على مساعدات ضخمة وامتيازات توظيف في القطاع العام. ولذلك فإن برنامج إعادة الهيكلة الاقتصادية في دول الخليج من ذلك السعودية مهمة ليست سهلة.

ويشير المراقبون أن المواطن الخليجي يحتاج إلى وقت ليستوعب أن الدولة شرعت في تحميله جزءا من أعباء الإنفاق بعد أن كانت تتحمّل لوحدها هذه الأعباء لعقود. وهو أمر سيخرجه من حالة الاسترخاء إلى عالم جديد يتحمّل فيه مسؤولية نسبية أو تضامنية مع أعباء الإنفاق في الدولة.

وتراهن السعودية على تحفيز طاقة شبابها على الإنتاج والتعويل على قدراتهم العلمية والمعرفية، دون الاكتفاء بالعائدات النفطية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وللبقاء في صدارة المنافسة العالمية.

وتلفت المحلّلة في معهد “أميركان انتربرايز” كارين يونغ “في السعودية مصدران للتوتر: الأول يكمن في توفير مساكن بأسعار معقولة للأجيال الشابة التي تشعر بتداعيات تكاليف المعيشة المتزايدة وبانخفاض الدعم الحكومي لمصادر الطاقة وتناقص عدد الوظائف، أما المصدر الثاني فيتمثّل في توسيع الخدمات المالية بهدف زيادة المنتجات الائتمانية، مع الأمل بأن يؤدي ذلك إلى تحفيز النمو الاستهلاكي”. وفي السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، تبقى نسبة الرهون العقارية بين الأقلّ في دول مجموعة العشرين، بحسب صحيفة آراب نيوز. وتؤكد الرياض إنّها تسعى إلى شراكة مع القطاع الخاص لتوفير مليارات الدولارات لبناء نحو 1.5 مليون منزل بتكلفة منخفضة في السنوات المقبلة.

حلول لتخفيف الأزمة

حلم امتلاك منزل
حلم امتلاك منزل

تعتبر سياسة زيادة نسبة امتلاك المنازل أحد أركان خطة “رؤية 2030” الاقتصادية الإصلاحية التي طرحها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمواجهة أزمة السكن. ففي 2017، بلغت نسبة امتلاك المنازل نحو 50 بالمئة بين السعوديين البالغ عددهم 20.7 مليون شخص، على أمل أن تصل نسبة المواطنين الذي يمتلكون المنازل إلى 70 بالمئة في 2030.

وتعمل المملكة أيضا على خفض تكلفة بناء المنزل بحلول عام 2020، لتصبح نحو خمسة أضعاف الدخل السنوي، بعدما كانت تبلغ عشرة أضعاف في 2015. ويبلغ معدل الرواتب حاليا نحو 14820 ريالا (3950 دولارا)، بحسب الهيئة العامة للإحصاء.

وتقول وزارة الإسكان التي أطلقت عدة مشاريع للتخفيف من حدة الأزمة، إنّها تسعى إلى زيادة مجموع القروض إلى 502 مليار ريال (134 مليار دولار) بحلول 2020، من 290 مليار ريال (77 مليار دولار) في 2017.

ويقدّم صندوق التنمية العقارية للسعوديين قروضا حسنة لشراء منازل مدعومة من الدولة يبلغ سعر الواحد منها نحو 650 ألف ريال (173 ألف دولار). ويمكن تسديد هذا المبلغ على فترة طويلة بأقساط شهرية تصل إلى 2500 ريال. ومع ذلك يبقى حلم امتلاك منزل صعب المنال على مواطنين من أصحاب الدخل الضعيف.

ورغم الصعوبات يتوقع خبراء انفراجة قريبة في أزمة السكن بعد إدخال موارد إضافية لخزينة الدولة، تم توجيهها لبرامج والمشاريع الإسكانية الجديدة، إضافة إلى الجهود المتواصلة لوزارة الإسكان، ومعها الصندوق العقاري لتخفيف من وطأة الأزمة. ويتوقع الخبراء أن تأتي الإصلاحات الاقتصادية بثمارها في المستقبل القريب، وان تُلقي بظلالها إيجابا على أزمة السكن.

7