الإسراع في إصلاح الضرائب أولوية المغرب لتهدئة مخاوف التضخم

انتقلت الحكومة المغربية إلى المرحلة التالية في معركتها الرامية إلى كبح التضخم من بوابة الإسراع في استكمال برنامج إصلاح نظام الضرائب، الذي سيكون إحدى أولوياتها أثناء إعداد موازنة العام المقبل، في سياق مساعيها الدؤوبة لإنعاش النشاط الاقتصادي.
الرباط - أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش ضمن المذكرة التوجيهية المتعلقة بمشروع قانون المالية لسنة 2024، التي تم الكشف عنها مؤخرا، أن الحكومة ستواصل التنفيذ الفعلي للقانون الإطاري المتعلق بالإصلاح الضريبي.
ويتضمن القانون اعتماد تدابير ملموسة لتحقيق العدالة الضريبية ووضع نظام ضريبي مستقر مبسط وشفاف يوفر الرؤية للمستثمرين، ولكل الفاعلين، والحد من ارتفاع التضخم وحصره في نسبة 3.4 في المئة سنة 2024، واثنين في المئة خلال العام التالي.
وأشارت المذكرة إلى سعي الحكومة لتعزيز استدامة المالية العمومية عبر اتخاذ حزمة من الإصلاحات المفيدة التي ستسهم في إزالة التحديات.
وذكرت أيضا أنه "تنفيذا للتوجيهات الملكية اتخذت الحكومة مجموعة من القرارات الاستباقية للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين ودعم القطاعات المتضررة جراء توالي الأزمات".
وقال أخنوش "بالنظر إلى الجهود الكبيرة التي تكلفها مواجهة التأثيرات الحالية وإرساء أسس الدولة الاجتماعية مع مواصلة الإصلاحات الهيكلية، فإن الحكومة ملتزمة باتخاذ كافة التدابير اللازمة للحفاظ على توازنات المالية العمومية واستدامتها".
وأوضح أن ذلك سيتم عبر اعتماد مجموعة من الإصلاحات الضرورية التي من شأنها تحقيق هوامش مالية لمواجهة هذه التحديات، ولتمويل مختلف البرامج الإصلاحية والتنموية.
وبالنظر إلى أن تشديد السياسة النقدية هو إحدى الآليات التقليدية لجعل الأسعار تنخفض فقد رأى خبراء أن بعض الضرائب، رغم أنها لا ترضي المستهلكين أو الشركات، لها دور فعال في معالجة هذه المشكلة.
وعادة ما تكون الضرائب المباشرة أحد العلاجات التي تعتمدها الحكومات لزيادة الطلب على العرض من خلال التأثير على ظاهرة التضخم.
وتتم تلك العملية بالضغط على الطلب بفرض ضرائب متصاعدة على المداخيل ذات الوجهة الاستهلاكية مقابل خفضها على أرباح المؤسسات حتى تتمكن من زيادة الاستثمار.
ويؤكد المحللون أنه نتيجة لذلك المسار يمكن تحقيق هدفين أساسيين، الأول مالي عبر زيادة الحصيلة الجبائية، والثاني اقتصادي من خلال التأثير على المداخيل (الطلب الكلي).
ولا شك أن هذه العملية لها حدود يجب ألا تتجاوزها، وتتمثل في حدود الضغط الضريبي حتى لا تزيد حدة التضخم، خاصة بالنسبة إلى الشركات، فارتفاع نفقات إنتاجها قد يتسبب في إقصاء البعض منها، مما لا يسمح لباقي الشركات بالتحكم في الأسعار.
وبلغ معدل التضخم في المغرب ذروته في فبراير الماضي، حيث وصل إلى 10.1 في المئة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات، قبل أن يتباطأ في مارس وأبريل إلى 8.2 في المئة و7.8 في المئة تواليا، في ظل سياسة نقدية متشددة من البنك المركزي.
وترى أوساط اقتصادية أن الإصلاح الضريبي مهم لتحقيق العدالة الجبائية وتقوية روح الشركات ومسؤولياتها الاجتماعية خاصة مع حصر التضخم في 6.6 في المئة سنة 2022 بينما وصلت الأسعار إلى مستويات قياسية في العديد من الدول.
وتم رفع نسبة الضريبة إلى 40 في المئة بالنسبة إلى المؤسسات الائتمانية وشركات التأمين، وإلى 35 في المئة بالنسبة إلى الشركات الكبرى، في حين يتم التخفيض التدريجي لتوحيد نسبة الضريبة على الشركات الصغيرة والمتوسطة لتصل إلى 20 في المئة.
وبالإضافة إلى ذلك عملت الحكومة على تخفيف العبء الضريبي عن شرائح مختلفة من العمال والموظفين وكذلك المتقاعدين.
وأكد الخبير الاقتصادي إدريس الفينة أن المتسبب الأول في ارتفاع التضخم الذي تعمل الحكومة على معالجته هو المواد الغذائية التي تشكل السلة الاستهلاكية الأساسية للمغاربة.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الإصلاحات الضريبية يصعب تحديد توجهها الإستراتيجي رغم أن قوانين المالية تؤكد أنها تحفيزية للشركات، وهو الأمر الذي يصعب تأكيده من خلال الأرقام والإجراءات الضريبية التي يتم إقحامها من سنة إلى أخرى.
وأوضح أن المجهود المستمر لرفع قيمة الاستثمار العمومي يجعل الدولة مضطرة كل سنة إلى رفع الضغط الضريبي لتلبية حاجياتها المستمرة وتغطية تكاليف التنمية.
وبلغ التضخم في أبريل الماضي 7.8 في المئة مدفوعا خاصة بارتفاع أسعار السلع الغذائية، التي زادت بأكثر من 16 المئة، بحسب المندوبية السامية للتخطيط.
وأعلنت المديرية العامة للضرائب في تقرير حول أنشطتها لسنة 2022 أن صافي الإيرادات بلغ نحو 178.1 مليار درهم (18.3 مليار دولار)، بزيادة نسبتها 16 في المئة بمقارنة سنوية.
ويتوقع المغرب تحقيق إيرادات في موازنة هذا العام بنحو 48.8 مليار دولار مقابل نحو 42 مليار دولار خلال العام الماضي، مما يساعد على تقليص العجز إلى 4.5 في المئة.
وأوضحت المديرية أن موازنة العام الحالي تجاوزت تحقيق أهدافها الضريبية على الشركات والدخل والقيمة المضافة وباقي الرسوم الأخرى بنحو 109 في المئة.
◙ 3.4 في المئة معدل أسعار الاستهلاك المستهدفة في 2024، على أن يبلغ اثنين في المئة خلال 2025
وفي سياق الإعداد لموازنة العام المقبل تطالب النقابات العمالية بالمشاركة في اقتراحات الإصلاحات الضريبية بما يمكّن من دعم القدرة الشرائية للموظفين والعاملين في القطاع الخاص.
كما ترى هذه النقابات أنه من الضروري إعفاء بعض السلع الأساسية من ضريبة القيمة المضافة بهدف خفض الأسعار، غير أنه لم يجرِ التوصل إلى اتفاق، حيث ينتظر أن يعاد فتح ملف الضريبة في سبتمبر المقبل بمناسبة الحوار الاجتماعي.
ويعتقد الفينة أنه بالعودة إلى الموازنات السابقة يلاحظ أنه كل سنة يتم إدراج إجراءات ضريبية جديدة بحثا عن تغطية أعباء إدارة مكلفة واستثمارات عمومية في تزايد مستمر.
وقال إن "تشجيع الاستثمار يتطلب حوافز تشمل خفض الضرائب على غرار العديد من الدول التي تحاول الدفع بالتنمية بمبادرات جديدة للتمويل وهندسة خارج الضرائب وهي الهندسة التمويلية التي تعود بالنفع في آخر المطاف على القاعدة الضريبية نفسها".
ويمكن في إطار إصلاح الضريبة على الدخل رفع قيمة مبلغ الأجر المعفى ورفع الضريبة على الأجور العليا، مع إتاحة إمكانية خصم ما تنفقه الأسر على تعليم أبنائها من الوعاء الجبائي قبل احتساب الضريبة.
وأكد البرلماني سعيد شاكر على ضرورة المضي في الإصلاحات الجبائية التي يمكن أن تفضي إلى توفير هوامش مالية، تساعد على دعم القدرة الشرائية.
وشدد في هذا الإطار على إصلاح الضريبة على القيمة المضافة وخفض الضريبة على الدخل والزيادة في الأجور بما يساير الزيادة التي تشهدها الأسعار.