الإذاعة الأكثر قدرة على الصمود في وجه عواصف التحولات

اليوم العالمي للإذاعات مناسبة مهمة لتثمين دور الراديو والتأكيد على وظيفته الإعلامية.
الثلاثاء 2024/02/13
وسيلة تواصل وإعلام منخفضة الكلفة

لندن - تحتفل إذاعات العالم في الثالث عشر من فبراير من كل عام بيومها العالمي الذي تحول مناسبة مهمة لتثمين دور الراديو والتأكيد على وظيفته الإعلامية، وقدرته على الصمود في وجه عواصف التحولات الكبرى في عالم الاتصالات، وتفوقه في أن يحافظ على صوته عندما تنقطع الكهرباء وتختفي بقية وسائل الإعلام الأخرى كالتلفزيون والإنترنت. كما أنه لا يزال الأقل كلفة والأكثر اختراقا للمجتمعات المحلية وتعبيرا عن خصوصياتها الثقافية والاجتماعية والإنسانية.

وجاءت فكرة اليوم العالمي للإذاعة من الأكاديمية الإسبانية للإذاعة، ونقلها الوفد الإسباني الدائم لدى اليونسكو خلال اجتماعات الدورة 187 للمجلس التنفيذي في شهر سبتمبر 2011، وأقرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في الثالث من نوفمبر من نفس العام، وحددت يوم 13 فبراير من كل عام يوما عالميا للإذاعة، ثم أعلن في ديسمبر 2012 عن التصديق النهائي على القرار من قبل الجمعية العامة للأُمم المتحدة.

وتم اختيار يوم 13 فبراير باعتباره الذكرى السنوية لإطلاق إذاعة الأمم المتحدة في العام 1946 بهدف تعزيز “المثل العالمية للأمم المتحدة، بما في ذلك السلام واحترام حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والتسامح والتنمية الاقتصادية والاجتماعية واحترام القانون الدولي”.

الإذاعة شديدة الأهمية خلال حالات الطوارئ إذ تتيح الحصول على معلومات موثوق بها في حال تضرر البنية الأساسية

وكثيرا ما تحولت الإذاعة إلى مكتبات مسموعة تقدم مختلف ألوان الإبداع الفني والأدبي والثقافي، وتسافر بالمستمعين في رحلات تاريخية ممتعة، وفي جولات عبر جغرافيا العالم الممتدة والمتنوعة، وتقترح عليهم ألوانا من التراث الثقافي الإنساني وروائع من المسرح والشعر والقصة والموسيقى والغناء والمقابلات الثرية مع الشخصيات المؤثرة، بالإضافة إلى الدراسات والأبحاث العلمية والمواد المتخصصة في الصحة والقانون والتربية والتعليم والبيئة والمناخ والزراعة والتوعية المرورية وغيرها.

وتشدد اليونسكو على أن الإذاعة تعد وسيلة ناجعة وفعالة تتيح الاحتفاء بالإنسانية جمعاء وبالتنوع الحافل الذي تزخر به، وتوفر محفلا لنشر الخطاب الديمقراطي. ولا تزال أكثر وسائل الإعلام استخداما وانتشارا على الصعيد العالمي حتى اليوم. وهي تتمتع بقدرة فريدة على الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، وهو ما يمكّنها من تعزيز التنوع في المجتمعات، ومن أن تكون ساحة تتيح للجميع إمكانية التعبير عن آرائهم وتمثيلهم والإصغاء إليهم. وهو ما يتطلب من محطات الإذاعة توفير خدماتها لمختلف المجتمعات المحلية، وأن تقدّم مجموعة متنوعة من البرامج ووجهات النظر والمضامين، وأن تجسد تنوع جمهورها في إطار تنظيمها وعملياتها.

وترى اليونسكو أن الإذاعة تعتبر وسيلة تواصل وإعلام منخفضة الكلفة، فهي تلائم المجتمعات المحلية وفئات المجتمع التي يصعب الوصول إليها بوجه خاص، وتتمتع بشعبية جارفة لدى المستمعين في جميع أرجاء العالم، إذ يمكن الاستماع إليها في السيارة والاستعانة بها لمعرفة الطقس والمستجدات الرياضية وقت حدوثها، وهي أيضا وسيلة يتخذها الإنسان رفيقا وخليلا في جوف الليل، ولها مآرب أخرى كثيرة.

وتوفر الإذاعة الفرصة لجميع الأشخاص للمشاركة وإسماع أصواتهم، بغض النظر عن مستواهم التعليمي. وتُعدّ أيضا وسيلة ضرورية إبّان حالات الطوارئ إذ تتيح الحصول على معلومات موثوق بها حتى وقتنا الراهن، فقد تتضرر البنية الأساسية أو تنقطع الكهرباء من جرّاء الكوارث، وهو ما قد يتسبب في قطع سائر نُظم الاتصالات، ومنها شبكة الإنترنت مثلا.

وتطورت الخدمات الإذاعية وشهدت تغيّرات كثيرة، وهي تتحول في وقتنا الراهن من خلال الوسائل التكنولوجية الرقمية، فيمكن أن تصبح مثلاً إذاعة مرئية أو إذاعة متعددة المنصات، من خلال إتاحة البرامج الإذاعية في صيغة مدونات صوتية (البودكاست) أو استحداث مسلسلات إذاعية، وهو ما يمنح المستمعين المزيد من الحرية في اختيار وقت الاستماع إليها والأداة المستخدَمة للاستماع إليها.

وكان الفيزيائي الفرنسي إدوارد برانلي، الذي طور في عام 1890 جهاز كشف موجات الراديو، هو من أطلق عليه بالفرنسية اسم موصل الراديو، ويعود استخدام كلمة “راديو” ككلمة مستقلة إلى 30 ديسمبر 1904 على الأقل.

وفي احتفالات العام الماضي رأت الأمم المتحدة أن الإذاعة لا تزال وسيلة قوية للاحتفال بالإنسانية بكل تنوعها، كما أنها لا تزال منصة للخطاب الديمقراطي. وعلى المستوى العالمي تظل الإذاعة الوسيلة الإعلامية الأوسع انتشارا. وبسبب قدرة الإذاعة الفريدة على الوصول إلى الجمهور الأوسع، فإن بمقدورها تشكيل تجربة المجتمع في التنوع، وإتاحة ساحة عامة لكل الآراء. وتخدم المحطات الإذاعية مجتمعات متنوعة، وتقدم مجموعة متنوعة من البرامج ووجهات النظر والمحتوى الغني، ويجب أن تكون مرآة صادقة لتنوع الجماهير في إطار مؤسساتها وعملياتها.

يوم مهم

وتشير التقارير إلى أنه، وحتى العام 2015، كانت توجد 51 ألف محطة إذاعية في العالم، ودخلت الإذاعة أكثر من 75 في المئة من البيوت في الدول النامية، ووصلت إلى أكثر من 70 في المئة من سكان العالم عبر الهواتف المحمولة، حيث يستمع الناس إلى محطات “أي.أم” و”أف.أم” عبر أجهزة الراديو أو الهواتف المحمولة، أكثر من الاستماع إليها عبر الأقمار الصناعية والإنترنت، وتشير إحصاءات العالم الرقمي إلى أن 6.8 مليار هاتف متنقل في العالم، يمكنه أن يصبح مذياعا رقميا.

وتبحث الإذاعة المهنية في الأسباب الجذرية للنزاعات وحوافزها، منعا لاحتمال اندلاع أعمال العنف، وذلك من خلال البرمجة الإذاعية وخيارات هيئة التحرير المناسبة. فتساعد البرامج التي تطرح قضايا محددة على بساط البحث في تبيان الشوائب المجتمعية، وأوجه الاختلال الهيكلية، والفقر، والنزاعات على الموارد أو الأراضي، والفساد، وسباق التسلح، وغيرها من المسائل، وتقدم أيضا المعلومات عن عناصر التضارب المحتملة مع المعايير الصحفية وتستطلع الخيارات المحتملة في هذا الصدد.

وقد يلفت محتوى التقارير والبرامج الإذاعية النظر أيضاً إلى العوامل التي قد تحفز الأعمال العدائية، مثل سوء التقدير وتنامي الأنشطة الدعائية ونشوء خلافات معينة وتصعيد التوتر في مناطق معينة، وما إلى ذلك. كما تقدم الإذاعة منهجاً بديلاً لمنع نشوب النزاعات من خلال الوقوف على الشعور بالإحباط أو تضارب المصالح، وحل مشكلة سوء الفهم، والوقوف على مشكلات عدم الثقة، وغيرها من المشكلات، علماً بأنه في وسع هذه الأمور المساهمة في التصدي للكراهية أو للرغبة في الانتقام أو الاستعداد لحمل السلاح، وفق بيان الأمم المتحدة.

ولا تزال إذاعات عدد من الدول العربية ودول العالم الثالث تحتاج الى عناية خاصة بوثائقها التاريخية المسموعة والمقروءة التي تحفظ ذاكرة عقود كثيرة من العمل عندما كانت الإذاعة أهم وسيلة إعلام، وكانت جامعة يلتقي في رحابها الأدباء والمفكرون والكتاب والباحثون والشعراء والموسيقيون والأصوات الغنائية والممثلون وغيرهم، عندما كانت تقدم البرامج المسجلة ذات المضامين الفكرية والأدبية والعلمية والتاريخية وغيرها سواء بأصوات معديها أو بأصوات كبار الإذاعيين ممن كان لهم دور مهم في تشكيل الوجدان الوطني لشعوبهم.

5