الإدارة الجزائرية ليست بوابة مثالية لربح ثقة المستثمر

السلطة المروجة لمشروع الجزائر الجديدة مطالبة بالتفرغ للمشروعات الاقتصادية الموفرة للقيمة المضافة والعزل بين ما هو خدماتي يقع على عاتق الحكومة وبين ما هو اقتصادي يقع على عاتق رجال الأعمال.
الأربعاء 2024/04/17
هل يمكن القطع مع ممارسات الحقبة الماضية؟

عكست إشادة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، خلال رسالة التهنئة التي وجهها للجزائريين في مناسبة عيد الفطر المبارك، بوفرة المواد الاستهلاكية وتحكم الحكومة في الأسواق، وتضامن التجار مع خطاب التضامن، مدى الصداع الذي تشكله وضعية القطاع التجاري، ومن خلفه الوضع الاقتصادي بشكل عام، حيث كان الرجل الأول في الدولة، قد نصب لجنة طعون لاستقبال شكاوى المستثمرين، ووضع على رأسها رجل ثقته الأول، وهو مدير ديوانه بوعلام بوعلام.

وبين تطمينات الرئيس تبون، في آخر ظهور إعلامي له مع وسائل إعلام حول التطور الاقتصادي، وبين البيانات الإيجابية لصندوق النقد الدولي في المدى القريب والمتوسط، تأتي إجراءات إدارية وتصريحات رسمية مناقضة، الأمر الذي يثير الشكوك، فتنصيب لجنة إدارية على أعلى مستوى لدراسة طعون المستثمرين، وغضب وزير التجارة من اشتعال أسعار الموز، يؤشران على أن بقاء يد الحكومة في النشاط الاقتصادي بقدر ما هو مسعى لضبط ونيل ثقة رؤوس الأموال، بقدر ما يعزز التردد في وجهة الآلة الاقتصادية في البلاد.

سلطة الرئيس تبون ورثت تركة ثقيلة من تراكمات الفساد وتبديد المال العام، وهي أمام تحد كبير لاستعادة ثقة الرأسمال المحلي والأجنبي، لكن الإفراط في الحلول والتدابير الإدارية خلق وضعية أخرى لا تقل تأثيرا في شل الآلة الاقتصادية وتوسيع مخاوف المجازفة لدى الناشطين في القطاع، وهو ما تجلى في التذبذب الذي تعيشه السوق المحلية من حين إلى آخر، إلى درجة أدت إلى انزعاج الحكومة وقلق الشارع.

◄ الجزائر أنفقت في العقدين الماضيين أموالا ضخمة في استثمارات خدماتية وبنى تحتية تلبية للحاجيات المتصاعدة للمجتمع، وعاثت الإدارة فسادا في المال العام، وانتشر الحديث عن تبديد 1200 مليار دولار

ومنذ تجربة مجمع الخليفة الخاص في مطلع الألفية الثالثة، صار الانفتاح الحكومي على الرأسمال الخاص مثيرا للمخاوف ورهينا بالتردد، تلافيا لتكرار التجربة، الأمر الذي عطل ظهور بنوك ومصارف جديدة، وهو عينة مصغرة لوضعية الاستثمارات الحكومية والخاصة في البلاد، فعلاوة على الفساد المستشري، تحولت الإدارة التي تزعم الحفاظ على المصالح الوطنية إلى آلة لتنفير المستثمرين من السوق المحلية.

ومنذ انتخابه رئيسا للبلاد، ألقى الرئيس تبون بإصلاح القطاع على عاتق مؤسسة وساطة الجمهورية، التي تدخلت في مئات الحالات من أجل رفع العراقيل الإدارية عن مشروعات استثمارية محلية، وتحدثت بيانات رسمية عن زهاء ألف ملف، لكن تنصيب اللجنة المذكورة ووضعها تحت إدارة رجل الثقة الأول لرئيس الجمهورية، يوحي بأن جهود وساطة الجمهورية غير كافية، وثقة السلطة في هيئاتها غير مكتملة.

السلطة المدعومة بإشارات إيجابية من صندوق النقد الدولي حول وضعية الاقتصاد، عادة ما تستغل ذلك في خطبها السياسية لإقناع الرأي العام بوجاهة خياراتها المختلفة، رغم أن الإشارات لم تغفل المدى المتوسط والبعيد، نتيجة الاستمرار في الاعتماد على الطاقة كمورد وحيد لدخل الخزينة العمومية، فضلا عن تواصل مخاطر التضخم والبطالة، وهو ما لم يتبين أنه مأخوذ بعين الاعتبار.

لجنة الطعون تضع القطاع قريبا من عيون الرجل الأول في الدولة، وتترجم مدى اهتمامه برفع الحواجز السفلى في طريق رجال المال والأعمال، وهو ما مهد له بقانون استثمار تضمن حوافز ومزايا غير مسبوقة للمستثمرين، لكن ذلك يبقى غير مستقيم مع التسيير الإداري لدواليب الاقتصاد، لأن رأس المال جبان، وفي حاجة إلى مناخ مشروط بالاستقرار السياسي والاجتماعي والتشريعي، وما تردد في وقت سابق حول لجنة إعادة تقويم مداخيل رجال المال والأعمال، واحتكار التجارة الخارجية وحظر الاستيراد، لا يحفز هؤلاء على المجازفة.

◄ سلطة الرئيس تبون أمام تحد كبير لاستعادة ثقة الرأسمال المحلي والأجنبي، لكن الإفراط في الحلول والتدابير الإدارية خلق وضعية أخرى لا تقل تأثيرا في شل الآلة الاقتصادية

ويكون رئيس حزب “جيل جديد” سفيان جيلالي، قد اقترب من تضارب الرؤية الاقتصادية، عندما انتقد توظيف المكاسب المحققة في التسويق السياسي للسلطة، والزج بالإدارة في دواليبه، إلى درجة أن صار استيراد مادة استهلاكية يحتاج إلى ترخيص من الحكومة، الأمر الذي يتنافى مع مساعي رئيس الدولة لرفع العراقيل عن المستثمرين واستعادة ثقتهم في السوق المحلية.

تحدثت تقارير جزائرية عن برمجة نحو ستة آلاف مشروع استثماري لرجال أعمال محليين، وعن 50 مشروعا لمستثمرين أجانب، وهي أرقام إيجابية إذا توفرت لها الشروط الملائمة، وتم كف يد الحكومة عن التسيير الإداري، ولو أن المعطيات المتوفرة غير كافية بشأن القطع مع ممارسات الحقبة الماضية، عندما كان رجال أعمال محليون وأجانب يستحوذون على الاستثمارات الحكومية، ويديرون أعمالهم بقروض البنوك المحلية، بينما مساهماتهم الذاتية محدودة ولا تساهم في تغذية الخزينة العمومية.

لقد أنفقت الجزائر في العقدين الماضيين أموالا ضخمة في استثمارات خدماتية وبنى تحتية تلبية للحاجيات المتصاعدة للمجتمع، وعاثت الإدارة فسادا في المال العام، وانتشر الحديث عن تبديد 1200 مليار دولار، والآن السلطة المروجة لمشروع الجزائر الجديدة مطالبة بالقطع مع تلك التوجهات، بما فيها تغلغل الإدارة، والتفرغ للمشروعات الاقتصادية الموفرة للقيمة المضافة واليد العاملة والإنتاج المحلي، والعزل بين ما هو خدماتي يقع على عاتق الحكومة وبين ما هو اقتصادي يقع على عاتق رجال المال والأعمال.

8