الإخوان يراهنون على الطنطاوي لمنافسة السيسي على الرئاسة

القاهرة - يمثل إعلان رئيس المكتب السياسي لجماعة الإخوان حلمي الجزار أخيرا دعم المرشح المحتمل في انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة أحمد الطنطاوي سلاحا ذا حدين؛ فقد يوفر له دعم جيوب الجماعة الكامنة، لكنه يبعد عنه الأصوات التي لفظتها وتؤيد نظاما مدنيا خالصا.
وتبرأت قوى وشخصيات سياسية مصرية من رهان الطنطاوي على التعاون مع الإخوان بالنظر إلى أن الجماعة محظورة ومصنفة كتنظيم إرهابي في البلاد، بينما أيده آخرون يقيمون بالخارج كخيار يمكن الرهان عليه لإحراج النظام المصري، ويعمل هذا الفريق على توفير حشد داعم له.
وأغفل من هاجموا الطنطاوي رؤية الوجه الآخر من الصورة، فمن غير المنطقي أن يُقدم على تصرف صنفه البعض كإعلان وفاة أو انتحار سياسي وهو لا يزال في بدايات مسيرته السياسية الحقيقية من دون أن تكون هناك حسابات عملية قادته إلى هذا الاتجاه.
كما أن قرارًا بحجم التنسيق الانتخابي وعقد ما يُشبه الصفقة مع الإخوان بعد عشر سنوات من حظرها وحل حزبها السياسي (الحرية والعدالة) من المفترض أن يكون مدروسًا ويحظى بوجاهة عملية.
رئيس المكتب السياسي لجماعة الإخوان حلمي الجزار يعلن عن دعم المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة المصرية أحمد الطنطاوي
وقطع المرشح المحتمل شوطًا في محاولة تأسيس تكتل معارض متناقض المصالح والتوجهات مع ليبراليين ويساريين، فما يجمعهم معارضة النظام الحالي وعدم الرغبة في ترشح الرئيس عبدالفتاح السيسي لولاية ثالثة.
ويرغب المعارض الشاب في تكثيف زخم هذا التكتل جماهيريًا لتعظيم حظوظه في انتخابات رئاسية سيحدد موعدها النهائي الاثنين المقبل، ومحاولة الاستفادة من قدرات الإخوان التصويتية وخلاياها الكامنة داخل المجتمع.
ويتشكل المشهد الظاهر على السطح فيما يتعلق بوضعية الجماعة من عدم وجود حضور لها أو فاقدة التأثير على مجريات الأحداث، إذ يقبع الكثير من قادتها في السجون، ولا يملك الفارون إلى الخارج أوراقًا كبيرة للضغط أو توجيه الأفراد نحو التصويت للطنطاوي، ويرفض أغلب المصريين فكرة عودتها بسبب تورطها في العنف والفشل الواضح في إدارة البلاد.
وهناك زاوية أخرى من المشهد تدعم فرضية استعداد الإخوان لخوض معركة الانتخابات الرئاسية عبر دعم الطنطاوي، وهي أن أزمتها الحادة لم تفقدها قدراتها التنظيمية التي تتيح لها التحكم في أعداد كبيرة من أعضائها والموالين لها والمتعاطفين معها بهدف تغيير الوضع لصالحها، أو على الأقل استعادة جزء من حضورها ونفوذها السابق في المشهد المصري.
وثمة مصلحة مشتركة تجمع بين الإخوان والمرشح الرئاسي المحتمل الحريص على عدم تكرار فشل أستاذه وقدوته المعارض الناصري حمدين صباحي الذي أخفق في المرتين اللتين ترشح فيهما للرئاسة المصرية عامي 2012 و2014، بالنظر إلى أن صباحي فعل كل ما بوسعه لكسب النزال ما عدا تطوير تحالفه مع الإخوان في المرة الثانية.
ليس لدى جماعة الإخوان ما تخسره بعد الهزائم المتتالية التي مُنيت بها والضعف الذي تعاني منه نتيجة تراخي الكثير من حلفائها الإقليميين في إنقاذها، وتجد أن دعم أحد معارضي السيسي المدنيين فرصة أخيرة وربما وسيلة وحيدة لتحقيق الهدف الذي انتظرته طويلًا وهو أن تظهر مجددًا في المشهد المصري لتبدأ إعادة تنظيم صفوفها.
ثمة مصلحة مشتركة تجمع بين الإخوان والمرشح الرئاسي المحتمل الحريص على عدم تكرار فشل أستاذه وقدوته المعارض الناصري حمدين صباحي
ويعول البعض على عقد صفقات مع الجماعة، في ظل تغلغلها في نسيج المجتمع وترقب عناصرها الصامتين للحظة تغيير ليشاركوا فيها بقوة، فضلا عن تململ الغالبية غير المنظمة من المصريين من المشاركة في التصويت العقابي للسيسي.
ومن المتوقع أن يُحجم الكثير من المصريين عن التصويت في الانتخابات المقبلة، اعتقادا في أنها محسومة لصالح السيسي، أو من قبيل التصويت السلبي اعتراضًا على الوضع السياسي والاقتصادي الحالي.
واستغل تيار الإسلام السياسي قدرته على الحشد في مواسم الانتخابات السابقة لضمان تصويت أغلبية تواليه ضمن أقلية خرجت للإدلاء بصوتها.
ولن تعتمد جماعة الإخوان على عناصرها ورجالها المعروفين للعامة أو للأجهزة الأمنية لدعم الطنطاوي، بل ستلجأ إلى تنشيط موالين من داخل أوساط ساخطة تبدي رفضًا لغلاء الأسعار وصعوبة الأحوال المعيشية.
واعتادت جماعة الإخوان التعامل مع الأزمات الكبيرة ونجحت أحيانا في امتصاص ضربات عنيفة، ورغم قسوة الضربة التي تعرضت لها في السنوات الماضية إلا أنها بدأت تتلمس الطريق للتعافي عبر تغيير التكتيكات والأدوات، ما يساعدها على محاولة النهوض مجددًا.
وتعافت جماعة الإخوان من هزات عنيفة من قبل وكان البعض يعتقد أنها انتهت أو أوشكت على الانهيار، لكنها سرعان ما عادت أقوى وكأنها لم تغب عن المشهد، كما جرى بعد حادث المنشية حين أطلق أحد عناصرها النار على الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر في أكتوبر 1954، وبصورة أشد وأكثر قسوة بعد قضية تنظيم عام 1965 التي أُعدم فيها سيد قطب، أحد أهم مفكري ومنظري التنظيم.
وعادت الجماعة بعد صدامها مع السلطة في أعوام 1948 و1954 و1965 و1981 متكئة على فترات الكمون ومُراهنة على قدرة عموم المصريين على نسيان جرائمها.
جماعة الإخوان ستلجأ إلى تنشيط موالين من داخل أوساط ساخطة تبدي رفضًا لغلاء الأسعار وصعوبة الأحوال المعيشي لدعم أحمد الطنطاوي
ونسي أغلب المصريين ما فعلته الجماعة على طول تاريخها وما ارتكبته بالتنسيق مع وكلاء من حوادث إرهابية أضرت بالدولة اقتصاديًا واجتماعيًا وعادت بقوة تجتاح انتخابات النقابات المهنية والأندية الرياضية وخاضت الانتخابات البرلمانية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وروج المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة أحمد الطنطاوي لطريقة تعاطي جديدة مع الإخوان إذا نجح في الانتخابات وأصبح رئيسًا، مؤداها السماح للجماعة بالعودة إلى واجهة الأحداث كجمعية دينية، لا تلعب أدوارًا سياسية.
وتشبه خطة جماعة الإخوان التي تنوي تنفيذها بالتعاون مع الطنطاوي أو من خلال توظيفه سياسيا، خطة سابقة نفذتها في عهد الرئيس الراحل أنور السادات الذي تجاوز عن جرائمها السابقة وعدائها لضباط ثورة يوليو 1952 وأخرج قادتها من السجون وسمح لهم بالنشاط عبر جمعية دينية ومن خلال المساجد ومنحهم رخصة إصدار مجلة شهرية.
وآنذاك أخذت الجماعة على نفسها عهدا بألا تتدخل في السياسة وتكتفي بكونها جمعية دعوية، الأمر الذي منحها مساحة من الوقت في المشهد لتغطية توغلها البطيء داخل هيكل الدولة ومؤسساتها ونقاباتها وجامعاتها.
وأثبتت التجارب السابقة براعة الإخوان في المناورة مع سياسيين معروفين بدهائهم، مثل أنور السادات، حيث يجيد قادتها التلون ويحترفون استغلال المؤسسات والأحزاب القائمة ومنابر المساجد والجمعيات الدينية المشهرة وجعلها كمنظومة واحدة تديرها الجماعة لخدمة مصالحها وأهدافها.
وتراهن الجماعة على انتخابات الرئاسة المقبلة وعلى معاناة قطاع من الشعب بسبب الأحوال المعيشية الصعبة لاستعادة نفوذها، معتمدة على بعض القوى السياسية والأحزاب الطامعة في الاستفادة من قاعدة جماهيرية كامنة.