الإخفاقات الديمقراطية لأنقرة تبعدها عن عضوية الاتحاد الأوروبي

البرلمان الأوروبي يحذر تركيا من إمكانية تعليق مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد في حال لم تغير سلوكها المعادي للقيم الأوروبية ومواصلة هجماتها على مبادئ سيادة القانون.
الخميس 2021/10/21
خيبة جديدة لأردوغان

بروكسل- فشلت تركيا مجددا في مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي و”وصلت إلى طريق مسدود”، بسبب إخفاقات شديدة على صعيد الديمقراطية، وفق ما أكد تقرير المفوضية الأوروبية السنوي الذي يعتبر الأشد انتقادا لتركيا منذ أن بدأت أنقرة محادثات الانضمام للتكتل قبل 16 عاما.

وقالت المفوضية إن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تشرف على تضييق مستمر لمساحة الديمقراطية وسيادة القانون، وإنها تجاهلت توصيات الاتحاد الأوروبي العام الماضي.

وصادق البرلمان الأوروبي في التاسع عشر من مايو الماضي على التقرير الذي يحمل صفة توصية والمتعلق بتركيا لعام 2019 ـ 2020، في الجمعية العامة للبرلمان الأوروبي.

وأرسل أعضاء البرلمان الأوروبي تحذيرا إلى أنقرة، ملوّحين في الوقت نفسه بالعمل على تبني توصية توجه للمفوضية الأوروبية، ترمي إلى تعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في حال لم تغير أنقرة سلوكها “المعادي” للقيم والمعايير الأوروبية ومواصلة “هجماتها” على مبادئ سيادة القانون.

وأشار التقرير لأول مرة أيضا إلى أن أنقرة لم تعد جادة في القيام بالإصلاحات التي يدعمها الاتحاد الأوروبي، حتى على الرغم من إعادة التزام أردوغان في أبريل بهدف الحصول على عضوية التكتل كاملة، في وقت حاول فيه الجانبان تحسين العلاقات المتوترة.

وقالت المفوضية “لم تعالج مخاوف الاتحاد الأوروبي الجدية من استمرار تدهور الديمقراطية وسيادة القانون والحقوق الأساسية واستقلال القضاء”. وأضافت “في ظل الظروف الراهنة، وصلت مفاوضات انضمام تركيا (للاتحاد) إلى طريق مسدود فعليا”.

لكن وزارة الخارجية التركية، ردت بأن التقرير يكشف “ازدواجية في المعايير” من جانب الاتحاد الأوروبي، وإن أنقرة ترفض “الانتقادات الجائرة والادعاءات التي لا أساس لها”. واتهمت الاتحاد الأوروبي بعدم الوفاء بوعوده لتركيا وبعدم القيام بمسؤولياته.

وذكرت الوزارة في بيان “تعبّر تركيا بأقوى العبارات عن تمسكها بالخيار الاستراتيجي المتمثل في الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي”. وأضافت “سيكون في صالح الجميع لو نظر الاتحاد الأوروبي إلى تركيا باعتبارها دولة مرشحة في مرحلة المفاوضات، مع الأخذ في الاعتبار مصالحنا العامة المشتركة، وليس النظر إليها كشريك تقيَّم معه علاقات يومية على أساس المواءمات”.

وتتفاوض تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي منذ عام 2005، بعد إصلاحات اقتصادية وسياسية جعلتها شريكا تجاريا واقتصادا هاما في الأسواق الناشئة.

لكن بعد رد الفعل المتشدد من جانب أردوغان إثر محاولة انقلاب فاشلة في يوليو 2016، تباعدت الخطوات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، رغم تحسن العلاقات الدبلوماسية منذ بداية 2021.

وتعثرت مساعي إمكانية انضمام تركيا إلى الاتحاد لأسباب عديدة منها أسباب دينية وديموغرافية، إذ تعتبر ثاني أكبر عضو في الاتحاد من حيث عدد السكان بعد ألمانيا، وهذا يعني أنه يحق لتركيا عدد أكبر من المقاعد داخل البرلمان الأوروبي ويجعلها من الأعضاء الفاعلين فيه.

كما أن انضمام تركيا إلى الاتحاد سيدفع بأعداد هائلة من المهاجرين الأتراك من أصحاب الدخل المحدود إلى بعض دول الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا وغيرها لتحسين مستوى معيشتهم، بالإضافة إلى إمكانية انتشار السلع التركية الرخيصة في دول الاتحاد ومنافستها للصناعات المحلية.

وأحد الأسباب أيضا هو الخلاف التاريخي بين تركيا واليونان وسيطرة تركيا على قبرص عام 1974، والنزاع بين البلدين، وعدم إقرار تركيا بما بات يعرف بالمجازر الأرمنية خلال الحرب العالمية الأولى.

وهناك خلاف آخر بين تركيا واليونان، وكل منهما عضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، منذ عقود بشأن المياه الإقليمية في بحر إيجه.

تباعد الخطوات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا رغم تحسن العلاقات الدبلوماسية منذ بداية 2021

وحثت المفوضية الأوروبية تركيا على الالتزام بوقف التصعيد في شرق البحر المتوسط الغني بالطاقة، وتعهدت في الوقت نفسه بالدفاع عن مصالح الدولتين العضوين اليونان وقبرص إذا لم تقم تركيا بذلك.

ويعتبر ملف حقوق الإنسان الأكثر جدلا وخلافا بين الطرفين، حيث أعرب النواب الأوروبيون مرارا عن قلقهم إزاء “تدهور سيادة القانون وحقوق الإنسان وحرية الإعلام ومكافحة الفساد”، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا.

وزاد اعتقال الآلاف من معارضي رجب طيب أردوغان من أنصار حركة فتح الله غولن أو من الساسة والنشطاء الكرد، من الفجوة بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

وينتقد الاتحاد استخدام أنقرة القوانين لمعاقبة النشطاء والمعارضين وانتهاك حرية التعبير، وآخر هذه الانتقادات صدر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الثلاثاء، بشأن القانون التركي الذي يعاقب المساس بـ”صورة” رئيس الدولة، معتبرة أن “حماية معززة بقانون خاص في مجال الإهانة لا يتماشى مع روح الاتفاقية الأوروبية” لحقوق الإنسان.

وكانت المحكمة ومقرها ستراسبورغ، تلقت شكوى من شاب تركي حُكم عليه في عام 2017 بالسجن 11 شهرا و20 يوما مع وقف التنفيذ، لنشره قبل عامين على فيسبوك رسمين كاريكاتوريين للرئيس رجب طيب أردوغان، أحدهما يمثله بلباس امرأة تقبل باراك أوباما الذي كان في حينها رئيسا للولايات المتحدة. وأودع الشاب السجن لأكثر من شهرين.

وشددت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في حكمها الذي يدين تركيا على هذا الاعتقال والعقوبة “غير المتناسبة”، على أن “لا شيء في هذه الحالة كان يبررهما”. وأضافت أن “مثل هذه العقوبة تؤدي حتما إلى تأثير رادع على رغبة الشخص المعني في التعبير عن رأيه في مواضيع تتعلق بالمصلحة العامة”.

ونتجت الإجراءات الجنائية من تطبيق المادة 299 من قانون العقوبات التركي، وهو نص يعاقب كل من “يمس بصورة” رئيس الدولة. ووفقا للمحكمة، فإن “حماية مشددة بموجب قانون خاص في مسائل الإهانة لا تتماشى من حيث المبدأ مع روح الاتفاقية الأوروبية” لحقوق الإنسان.

وأوضحت أن “مصلحة الدولة في حماية سمعة رئيس الدولة لا يمكن أن تبرر منح الأخير امتيازا أو حماية خاصة حيال الحق في التعبير عن الرأي بشأنه”. ودعت أنقرة إلى أن يصبح قانونها “متماشيا” مع المادة 10 من الاتفاقية التي تنظم حرية التعبير، والتي انتهكتها تركيا في هذه القضية.

5