"الإجراءات الجنائية" تنهي الهدنة بين البرلمان ونقابة الصحافيين المصريين

تلوح في الأفق ملامح عودة التوتر الحاد بين البرلمان ونقابة الصحافيين المصريين بسبب اعتراض الأخيرة على قانون الإجراءات الجنائية، وحالة من الغضب في صفوف الصحافيين الذين يدافعون عن موقف نقيبهم بعد هجوم البرلمان عليه بلغة تصعيدية.
القاهرة - قطع البرلمان المصري حالة الهدوء الحذر بين الحكومة ونقابة الصحافيين بعد أن وجه اتهامات لنقيبها خالد البلشي “بتشويه الحقائق ونشر ادعاءات تهدف إلى إرباك الرأي العام”، على خلفية الاعتراض على قانون الإجراءات الجنائية الذي أقرته اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب، ما يفتح الباب للتصعيد المتبادل.
وأصبح البرلمان المصري محاطا بالعديد من الانتقادات، حيث أعلن نادي القضاة الخميس اعتراضه على المقترحات التي أقرتها اللجنة التشريعية والدستورية، وأنه توافق على ذلك مع مجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة ووزارة العدل، واعتبر أن موقفه يأتي لضمان الحفاظ على البيئة والمناخ التشريعي اللازم لتمكين القاضي من أداء رسالته بتجرد وعدل بما يحفظ للمواطنين حقهم في العدالة.
وعقدت نقابة الصحافيين بالتزامن مع التصويت على مواد مشروع القانون الأربعاء مؤتمرا صحفيا أعلنت فيه رفضها له واعتبرت أنه “لا يلبّي العديد من المعايير لوجود نصوص تخالف الدستور”، إلى جانب نيله من مواده الخاصة بالتقاضي ونظام العدالة، وهو ما ردت عليه اللجنة التشريعية بالقول “إن حرية الرأي لا تعني تشويه الحقائق”.
واستهدفت اللجنة نقيب الصحافيين المحسوب على المعارضة بتأكيدها أن كلمته في المؤتمر “تفتقر إلى الدقة وتعتمد على مغالطات فجة”، حيث جرى اتهام مجلس النواب بـ”التعجل والعصف بالحقوق والحريات، وهو اتهام ينحدر إلى حد الزيف المتعمد”. وأحدث البيان الذي جاء بلغة تصعيدية مفاجئة حالة من الغضب في صفوف الصحافيين الذين دافعوا عن موقف نقيبهم، وعدّ هجوم البرلمان مؤشرا على إمكانية استهداف النقابة من قبل جهات حكومية والعودة إلى فترة شهدت فيها العلاقة بين الطرفين توترا.
وتثير لغة التصعيد بين النقابة والبرلمان مزيدا من الجدل حول مواد قانون الإجراءات الجنائية، وتفتح المجال للصدام مع معارضة تسعى الحكومة لتلطيف الأجواء معها في وقت تهتم فيه بقضايا خارجية حيوية، وتمرير حزمة قرارات اقتصادية لها تأثيرات مجتمعية صعبة. وعبرت حالة التفاهم بين النقيب المعارض خالد البلشي وجهات حكومية عدة منذ انتخابه قبل حوالي عام ونصف العام، عن أن الطرفين يدركان عدم جدوى الخلاف بينهما.
وقال خالد البلشي لـ”العرب” إنه يرفض تحويل بيان البرلمان إلى مشكلة شخصية، وأن النقابة طرحت رؤيتها للقانون واستعانت بقامات قانونية كبيرة، وما خرجت به يعبّر عن رؤيتها للقانون، وسوف ترفعها إلى جميع الأطراف المعنية حفاظا على حق المجتمع في خروج دستور العدالة بشكل إيجابي، وأن مطالب النقابة تتمثل في الاستماع لجميع الآراء وإجراء حوار موسع، أسوة بما جرى عند وضع الدستور.
وأكد أن النقابة تستكمل ما بدأته حينما قدمت رؤيتها للقانون وتعمل على إيصال صوتها إلى جميع فئات المجتمع، دفاعا عن الحريات العامة، وبينها حرية الصحافة دون ترك المجال لأيّ مسار شخصي، ويؤمن بحق النقد وتلك قاعدة يجب أن تنطق على الجميع.
وعوّلت اللجنة التشريعية على إحداث هدوء عقب استجابتها لبعض مطالب نقابة المحاميين بتعديل المادة (242) من مسودّة القانون والخاصة بتعامل رئيس المحكمة مع المحامي حال حدوث ما يُعدُّ “تشويشاً مُخِلاّ بالنظام”، وهي واحدة من أهم المواد التي طلبت النقابة تعديلها بمشروع القانون ضمن أكثر من 20 مادة أخرى.
واستجابت لمطلب نقابة الصحافيين الخاص بحذف المادة (267) من مشروع القانون الخاص بحظر نشر أخبار أو معلومات عن وقائع الجلسات على نحو غير أمين ويؤثر على حسن سير العدالة، وهو ما اعتبره نقيب الصحافيين إشارة جيدة، لكنه أكد على ضرورة أن “تتعامل اللجنة مع باقي الاعتراضات المثارة حول القانون بنفس الطريقة، كي لا يتحوّل الأمر إلى استثناء يفتح الباب لتقديرات سلبية”.
أوضح الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) محمد سامي أن القانون به العديد من التفاصيل الفنية التي واجهت اعتراضات من القانونيين وليس فقط نقابة الصحافيين التي اعترضت على مجمل المواد، ما يشير إلى أن الهدف من توجيه رئيس الجمهورية لإقرار القانون وهو إحداث حالة من الهدوء السياسي في الشارع، خاصة في ما يتعلق بمواد الحبس الاحتياطي لم تتحقق على أرض الواقع، وأن الانفراجة المنتظرة في التعامل مع القضايا القانونية المرتبطة بالحبس غابت أيضا.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن اللجنة التشريعية لم تتعامل بالروح السياسية المطلوبة وأن القصد من إقرار القانون التخفيف وليس إثارة الجدل، ما يجعل السجالات الحالية ليست في صالح الأجواء العامة، وغير معروف إلى أيّ مدى يمكن أن تصل. وتشي الوضعية الراهنة بأن تمرير القانون الذي من المقرر عرضه على الجلسة العامة للبرلمان عقب عودته للانعقاد أكتوبر المقبل سيواجه صعوبات قد تقود إلى تقديم قانون غير متوافق عليه، ما يترك تأثيرات سياسية سلبية.
وذكر عضو اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب المصري عاطف مغاوري أن مواد القانون الجديد هي نتاج فعل بشري يصعب الإجماع عليه، وإقرار قانون للإجراءات الجنائية يأتي بعد 74 عاما من آخر قانون تم وضعه في خمسينات القرن الماضي، وأن النقاشات حوله شهدت مشاركات من كافة الهيئات ذات الصلة بمنظومة العدالة لما يمثّله من أهمية باعتباره دستور مصر الثاني وأساس منظومة العدالة.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن الاعتراضات التي جاءت من نقابة الصحافيين ترتبط بمسودة القانون الأولى التي جرى إدخال تعديلات عليها استجابة للعديد من القانونيين والنقابات المهنية، بالتالي فالاعتراض على كلمته جاء كرد فعل، خاصة أن الوقت ما زال مبكرا لإعداد مشروع القانون في شكله النهائي والتقدم به إلى الجلسة العامة في البرلمان التي قد تشهد نقاشات أخرى حوله قبل الموافقة عليه بشكل نهائي.
وأكد أن الادعاء بوجود مواد غير دستورية من اختصاص المحكمة الدستورية العليا التي يمكن الطعن أمامها بعدم دستورية القانون، دون أن يكون الأمر مجرد سجال يؤثر على الصورة النهائية للقانون، ومع أن النقاش حول القانون أحدث حالة إيجابية بشأن الاهتمام بتفاصيله لتكون جزءاً من الثقافة العامة، لكن يجب أن تظل هذه الثقافة قائمة على أسس حقيقية لتبين الضعف والقوة في القانون.