الأوروبيون يعدون موريتانيا بمكافآت مجزية مقابل سد طريق العبور أمام المهاجرين

تراهن أوروبا على أهمية جهود موريتانيا في الحدّ من تدفق المهاجرين الأفارقة القادمين من دول الساحل والصحراء نحو السواحل الإسبانية، وتسعى للتصدي للظاهرة عبر تقديم المكافآت المالية والتشجيع على الاستثمارات الاقتصادية.
نواكشوط - يتجه الأوروبيون إلى تعميق اهتمامهم بالدور الذي يمكن أن تلعبه موريتانيا في تكريس قيم الأمن والاستقرار بمنطقة غرب أفريقيا، وقطع طريق العبور أمام المهاجرين غير النظاميين المنطلقين من دول الساحل والصحراء والراغبين في الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي انطلاقا من إسبانيا، ويسعون إلى تمكينها من مكافآت مجزية نظير جهودها في هذا المجال، حيث تم الإعلان عن تقديم مساعدات بقيمة 522 مليون يورو للجانب الموريتاني من أجل تعزيز تنميتها الاقتصادية والتصدي للهجرة غير النظامية.
وقال بيان موريتاني أوروبي مشترك، صدر في ختام زيارة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لنواكشوط، واجتماعهما بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، الخميس، أن حركة تدفق المهاجرين الأفارقة نحو موريتانيا لا تتوقف “ما يشكل ضغطا على الموارد والسكان المحليين”، مشددا على الحاجة الملحة لدعم من المجتمع الدولي، يناسب حجم التحديات الناشئة عن هذه الوضعية على مستوى رعاية اللاجئين ومساعدة المجتمعات المستضيفة.
وبحسب البيان، أعلنت فون دير لاين، عن تعزيز الدعم للاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم بما يلبي تطلعات الجانب الموريتاني، فيما أعلن رئيس الحكومة الإسبانية عن نيته مضاعفة المساعدات الإنسانية للاجئين في عام 2024.
وأعرب القادة الثلاثة عن قلقهم إزاء “زيادة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، وما ينجر عنها من معاناة وانتهاكات وخسائر في الأرواح”، وتعهدوا بتعزيز تعاونهم من أجل “تفكيك شبكات الاتجار بالبشر ومكافحة الهجرة غير النظامية مع ضمان حماية واحترام الحقوق الأساسية للمهاجرين وملتمسي اللجوء واللاجئين”، حيث “تعمل إسبانيا وموريتانيا بالفعل على برامج الهجرة الدائرية، عبر تطوير برامج رائدة. كما شدد القادة الثلاثة على أهمية مساعدة قوات الأمن الموريتانية في مكافحتها لتهريب المهاجرين”.
وأشار البيان إلى أن رئيسة المفوضية “التزمت بتعزيز هذا التعاون في إطار شراكة منظمة في مجال الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا، لمساعدة الأخيرة على مواجهة التحديات في مجالات إدارة الهجرة والتهجير القسري وكذلك الأمن والتنمية”.
وأوضح الرئيس ولد الشيخ الغزواني أن بلاده “تدفع ثمنا باهظا لتولي مسؤولية تدفقات الهجرة الناجمة عن الحالة الأمنية الحساسة في المنطقة، وبمواجهة الهجرة غير النظامية التي التزمت بها بحزم بالشراكة مع مملكة إسبانيا والاتحاد الأوروبي”، وجدد خلال مؤتمر صحفي مشترك مع سانشيز، و دير لاين، التزام موريتانيا بالقيام بدورها بشكل كامل، فيما يتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتابع أن “بلاده غالبا ما تعتبر بلد عبور، لكنها أصبحت بلد مقصد”، مشيرا إلى أنها “تستضيف اليوم مئات الآلاف من المهاجرين من جنسيات مختلفة، مع عشرات الآلاف من اللاجئين في المخيمات وتوفر لهم التأمين والاستقرار”، معتبرا أن “هناك جهودا ضخمة في مراقبة الحدود وتعبئة قوات الأمن وتعزيز الخدمات الأساسية”.
وأبرز ولد الغزواني، أنه ناقش مع الضيفين الحالة الحرجة لانعدام الأمن وعدم الاستقرار السائدة في منطقة الساحل، وتم الاتفاق على مواصلة تعبئة جميع الشركاء من أجل مكافحة الإرهاب ودعم التنمية في هذا المجال، معبرا عن اقتناع بلدان الساحل بأنها لن تتمكن من ضمان استقرارها وأمنها وتنميتها المستدامة إلا بصورة جماعية، سواء مع مجموعة الـ 5 أو بدونها.
ومن جانبه، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، أن بلاده ستدعم حكومة موريتانيا بمبلغ 200 مليون يورو من الاستثمارات لتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر، وقال خلال اجتماع مع كبار المسؤولين الموريتانيين خصص لمناقشة مشاريع الهيدروجين الأخضر، إن بلاده بحاجة إلى “شركاء مثل موريتانيا التي ستمنحها 200 مليون يورو من الاستثمارات، من أجل تطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر”، مبرزا أن الشركات الإسبانية “ذات الريادة العالمية في مجال الطاقة المتجددة”، ستساهم في تطوير هذه المشاريع.
رئيسة المفوضية الأوروبية تعلن عن تعزيز الدعم للاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم بما يلبي تطلعات الجانب الموريتاني
وخلص رئيس الحكومة الإسبانية في ختام كلمته، إلى تأكيد دعم بلاده لموريتانيا في مشوارها نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر “لخلق منظومة تنموية جديدة عادلة ومستدامة”، وفق تعبيره.
وكانت موريتانيا التي تسعى لأن تكون من أكبر منتجي الهيدروجين الأخضر في العالم، خلال العقود المقبلة، مستفيدة من مقدراتها من الطاقة المتجددة (الرياح والشمس)، بالإضافة إلى توفرها على الغاز الطبيعي ومناطق صحراوية شاسعة على شواطئ المحيط الأطلسي. وأعلنت الحكومة الموريتانية، بالتعاون مع مستثمرين من ألمانيا أن الإنتاج التجريبي للشحنات الأولى من الهيدروجين الأخضر سيكون عام 2028.
وفي ذات السياق، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين رصد الاتحاد الأوروبي 210 ملايين يورو لدعم موريتانيا، بموجب اتفاقية مشتركة وقعت الخميس، وقالت إن هذا الدعم سيوجه لعدة مجالات، بينها مكافحة الهجرة غير النظامية، والمساعدة الإنسانية للاجئين، إضافة لتطوير المقاولات والتشغيل وتعزيز المهارات.
كما أقرت أن “الاتحاد الأوروبي سيضاعف من دعمه للأمن الموريتاني ليصل إلى 40 مليون يورو، خلال العام الجاري”، وقالت عقب مباحثات مع الرئيس ولد الشيخ الغزواني :”إننا نعملُ على تعزيز شراكتنا في مجال الأمن، الوضعية في منطقة الساحل شديدة الهشاشة، وموريتانيا تلعب دورا أساسيًا في استقرار المنطقة ، لهذا نحن نزيد من دعمنا للأمن بأكثر من 20 مليون يورو إضافية، ما يرفع الدعم الإجمالي إلى 40 مليون يورو هذه السنة”.
وأكدت وزارة الداخلية في إسبانيا، أنه خلال الفترة الممتدة من 1 إلى 31 يناير 2024، وصل إلى جزر الكناري الإسباني ما يزيد على 7250 مهاجرا، غامروا بحياتهم في رحلة خطيرة بالمحيط الأطلسي، وقالت إن زيادة تدفق المهاجرين تعود أساسا إلى زيادة رحلات مغادرة الزوارق السرية من موريتانيا، فيما يواجه مطار مدريد هو الآخر، حاليا تدفقا غير مسبوق للمهاجرين الأفارقة حيث بلغ الاكتظاظ والظروف غير الصحية مستويات حرجة.
رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن نيته مضاعفة المساعدات الإنسانية للاجئين في عام 2024
وبينت السلطات الإسبانية أن أغلب المهاجرين الذين يصلون عبر الجو إلى مطارات البلاد، يعبرون من موريتانيا والمغرب ومالى وكينيا بحجة أنهم مسافرون إلى دول أميركا اللاتينية التي لا تحتاج إلى تأشيرات وخلال توقفهم فى مطار مدريد يتخلصون من أوراقهم ويطلبون اللجوء بدعوى أن حياتهم معرضة للخطر فى بلدانهم الأصلية.
وعلق رئيس حكومة جزر الكناري فرناندو كلافيجو، على منح مبلغ 200 مليون يورو لموريتانيا “من جيب دافعي الضرائب الأوروبيين” بالقول إن الزيارة يمكن أن تساعد على تعزيز التنمية الاقتصادية في البلاد عبر تثبيط الهجرة السرية.
لكنه اعترف، في رده، الثلاثاء، على سؤال من حزب “فوكس” خلال الجلسة الرقابية للبرلمان، أن الهجرة ظاهرة بنيوية ومتأصلة للبشر، وستستمر مع مرور الوقت طالما كان هناك مثل هذا الفارق الاقتصادي الكبير بين أفريقيا وأوروبا، وهناك أيضا حالات جفاف وحروب وصراعات سياسية، وفق تعبيره، مشيرا إلى التحدي الذي تواجهه حكومة جزر الكناري، مطالبا الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بتحمل مسؤوليتهما.
وفي نوفمبر الماضي، صادقت الجمعية الوطنية الموريتانية (البرلمان) على مشروع القانون رقم 23 – 021 الذي يتضمن المصادقة على معاهدة صداقة وحسن جوار وتعاون موقعة بين حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية وحكومة المملكة الإسبانية في مدريد بتاريخ 24 يوليو 2008.
وقال وزير الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج محمد سالم ولد مرزوك إن المعاهدة تنص على تشجيع وتفعيل التعاون الاقتصادي والمالي بين الطرفين وكذلك التعاون في مجال الدفاع، وذلك بالاستناد إلى اتفاق التعاون في هذا المجال الموقع سنة 1989، كما تشجع المعاهدة على التعاون من أجل التنمية عبر اللجنة المشتركة في مجالات الحوكمة الديمقراطية والتنمية المؤسساتية وبناء السلم وتلبية الاحتياجات الاجتماعية كالأمن الغذائي، ومكافحة المجاعة والتعليم والثقافة والصحة، إضافة إلى التعاون في المجال القانوني، والشؤون القنصلية، والهجرة، وتنقل الأشخاص ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ومكافحة تهريب المخدرات،ملاحظا أن “هاجس الهجرة غير النظامية من أفريقيا جنوب الصحراء نحو إسبانيا، وتهديد الجماعات الإرهابية في الساحل، يجعلان من موريتانيا خط الدفاع الأول عن الأراضي الإسبانية”، محذرا من “التساهل مع المهاجرين غير النظاميين الذين لا يحترمون القوانين، لأنها وجدت لكي تنظم شؤونهم بالطرق الملائمة والمناسبة وترجع من تسول له نفسه انتهاكها وعدم الخضوع لها”.
ويشير مراقبون إقليميون، إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى من وراء الدور الإسباني إلى توطيد العلاقة مع موريتانيا، والاعتماد عليها في مواجهة الآثار السلبية للتحولات التي تشهدها منطقة الساحل ودول غرب أفريقيا، وخاصة من ناحية الأمن والهجرة غير الشرعية التي باتت تؤرق الطرفين.