الأمير هاينريش الثالث عشر الانقلابي المرتبك الذي أراد أن يحكم ألمانيا

هل نجح "مواطنو الرايخ" في أولى ضرباتهم؟
الثلاثاء 2022/12/13
مجرّد رجل أعمال يبدأ طريقه للتو

يعود الألمان إلى ما قبل ثلاثين سنة مضت، حين يريدون التعرّف أكثر على الأمير هاينريش الثالث عشر الذي تم إلقاء القبض عليه مؤخرا بتهمة التخطيط لانقلاب يطيح بالجمهورية ويعيد الإمبراطورية الألمانية إلى الحياة من جديد.

في تلك الفترة كان الأمير هاينريش مجرّد رجل أعمال يبدأ طريقه للتو، لكنه اعتبر أن صدمة أصابت حياته وقعت آنذاك، جعلت منه بعد عقود زعيما لمؤامرة يخضع الآن للتحقيقات حول الجرائم التي بلغ تعدادها 1000 جريمة والتي وجّهت إلى مجموعة يقال إن الأمير هاينريش قائدها السياسي.

ألقى الأمير هاينريش خطابا في العام 2019 في زيورخ، استغرق ربع ساعة فقط، واختار له العنوان التالي “لماذا أصبح أبناء الدم الأزرق خدمًا؟”، وعلى الرغم من أن المناسبة كانت مؤتمرا لرجال الأعمال والثورة الرقمية، إلا أن الأمير هاينريش طرح أفكارا أبعد من ذلك. حيث قدّم رؤيته التي اعتبرها “نبيلة” للعالم وفقا لما يراه عليه.

ديمقراطية كافكا

الدولة الألمانية لم تعد موجودة، وفقاً للأمير هاينريش، لناحية كونها دولة ذات سيادة، حسب القانون الدولي، وذلك منذ العام 1918. ولا يوجد في هذه الدولة الحالية (الفيدرالية) أي مبدأ لفصل السلطات، كما يقول، وكل ما هو قائم مجرّد وهم.

أما السياسات الحالية فهي مشهد جعل دوائر القوة المالية التي اعتبرها “مشؤومة” تحوّل ألمانيا إلى آلة لطباعة النقود بعد الهزيمة التي منيت بها الإمبراطورية الألمانية في الحرب العالمية الأولى.

بوكس

يقول الأمير هاينريش إن عائلة روتشيلد والماسونيين موّلوا الحروب والثورات للقضاء على الملكيات حول العالم، في الماضي. وهو مقتنع تماما بأن الحرب العالمية الأولى كانت قد نُفِّذت فقط من أجل “زيادة انتشار السكان اليهود”.

هاينريش رويس الذي ولد في العام 1951 في بودينغن، مهندس يعمل في مجالات العقارات، وهو سليل أسرة كانت تحكم في الماضي، كان يعيش في فرانكفورت ويدير فندقا للصيد من موروثات أسرته يدعى قصر “ويدمن شيل” قريبا من بلدة باد لوبنشتاين في تورينغن.

اشتكى الأمير هاينريش من المصير الذي لحق بعائلته، وقال إنها “سلالة مطاردة بعد 1000 عام من الحكم”. وهي أسرة من اللوردات الإقطاعيين تعود إلى العام 1100 وكانت مقرّبة من الإمبراطور الروماني الألماني هنري الرابع.

كان حكم أسرة رويس يشمل ولايات عديدة في ألمانيا، مثل بافاريا وتورينغن وساكسونيا بالإضافة إلى أراضي جمهورية التشيك الحالية.

وتم منح جدّه لقب أمير في العام 1329. وقد اشتغل أحفاده على الدوام في الجيش والسلك الدبلوماسي في مراحل عديدة من التاريخ الألماني.

وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، تم نزع السلطة من بين يدي أسرة رويس، وكان آخرهم هو الأمير هنري السابع والعشرون، جدّ الأمير هاينريش الذي تنازل عن العرش.

بعد ذلك انكفأت الأسرة وتقلّص حكمها، حتى كتب المؤرخون أن “دولة رويس الشعبية” في منطقة تورينغن في عشرينات القرن الماضي، وفي العام 1945 صادرت القيادة الشيوعية في منطقة الاحتلال السوفييتي التي غزت ألمانيا ممتلكات الأسرة في الجغرافيا التي سوف يصبح اسمها “ألمانيا الشرقية”.

ترك ذلك الإرث لدى الأمير هاينريش بالغ الأثر، وظل يروي للناس كيف كان المواطنون يعيشون تحت حكم أسرته بسعادة، وكيف كان حكمها منظما، بينما تحوّلت تلك السعادة بعد ذلك إلى تعاسة، على حد تعبيره. حتى أنه استعمل تعبيرا مشتقاً من الأدب حين قال إن الألمان يعيشون تحت رحمة “شروط كافكا للديمقراطية”.

جزء من المشهد

● مسيرة الأمير هاينريش التي توّجت بالاعتقال، تعود إلى أفكار طرحها تحت عنوان {لماذا أصبح أبناء الدم الأزرق خدما؟}
● مسيرة الأمير هاينريش التي توّجت بالاعتقال، تعود إلى أفكار طرحها تحت عنوان "لماذا أصبح أبناء الدم الأزرق خدما؟"

سعى الرجل طيلة حياته لاسترداد ممتلكات أسرته المصادرة عبر الطرق القانونية، لكنه أيضا عبّر عن يأسه من القوانين التي لم تنصفه ولم تنصف أسرته وتاريخها العريق. وقد تمكّن من استرداد بعض أملاك أسرته، مثل مسرح رويس في جيرا الذي استعاده من ملكية الدولة. وكذلك قلعة في ولاية سكسونيا لا تزال مهجورة حتى اليوم، وجعله هوسه بالماضي ينظّم حملة لترميم قبو يضم توابيت أسرة رويس، مع مركز معلومات في الموقع التاريخي.

وحتى قبل يوم السابع من ديسمبر الجاري، كان الأمير هاينريش قد أتاح لمجموعة “مواطني الرايخ” مكانا مناسبا للتدريب في ملكيته بويدمن شيل التي تمت مداهمتها من قبل السلطات الأمنية الألمانية.

ما الذي نجحت في تحقيقه مجموعة “مواطنو الرايخ” التي تزعمها الأمير هاينريش الثالث عشر حتى الآن؟ لقد جعلت من نفسها حقيقة واقعية بعد أن كانت مجرّد ثرثرة متحسرة على ماض بائد. وباتت جزءا من اللحظة السياسية والأمنية والاجتماعية الألمانية، وسوف تفتتح نقاشات وجدالات لها أول وليس لها آخر حولها وحول شرعيتها.

أفكار “مواطني الرايخ” تقوم على رفض الدولة الألمانية الحالية، واعتبار كل ما تم وضعه من قوانين بعد الحقبة النازية أمرا باطلا لا أساس له. ويقوم جوهر فكرهم على أن ألمانيا لا تزال حتى هذه اللحظة مستعمرة أميركية. وفي أحسن الأحوال “منطقة إدارية” تتبع لقوى الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.

أما حدود ألمانيا الشرعية، وفقا لما يؤمن به الأمير هاينريش وأتباعه، فهي تلك التي تعود إلى العام 1871 وأن الوضع الحالي هو أن البلاد خاضعة لاحتلال غربي.

مجموعة "مواطنو الرايخ" جعلت من نفسها جزءا من اللحظة السياسية والأمنية والاجتماعية الألمانية، وسوف تفتتح نقاشات وجدالات لها أول وليس لها آخر حولها وحول شرعيتها

ومن خلال كل تلك المنطلقات النظرية، يبدأ مواطنو الرايخ في رفض التعامل مع القوانين المطبقة في الوقت الحالي، والامتناع عن دفع الضرائب.

ويعلن أتباع الأمير هاينريش نواياهم صراحة بأنهم يواصلون نضالهم ومعركتهم ضد الجمهورية، مستخدمين جوازات سفر وشهادات قيادة سيارات خاصة بهم، ممهورة بشعار “الرايخ الألماني” يقومون بطباعته بأنفسهم.

وسبق للحركة أن شكّلت “حكومة الرايخ الألماني في المنفى”، قبل أعوام، وأقامت حفلاً كبيرا لتنصيب ملك. وتقدّر الاستخبارات الداخلية في ألمانيا أن عدد أعضاء الحركة وصل إلى 21 ألف عضو، منهم 5 في المئة من اليمينيين المتطرفين. بينما كان تعدادهم في العام 2016 لا يتجاوز 10 آلاف. من بين هؤلاء، كما قالت السلطات الألمانية، جنود سابقون في القوات الخاصة الألمانية.

من جهة أخرى تبدو إشكالية “مواطني الرايخ” أكثر تعقيدا حين تصل إلى التفاعل مع الآخر، غير الألماني، فهم لا يعترفون بوقوع المحرقة النازية، ولديهم مواقف معادية للسامية واليهود الذين يرددون أنهم هم الذين يسيطرون على العالم حاليا، في تطابق تام مع الأفكار التي كانت تطرحها النازية في زمنها.

كل تلك الأفكار تعتبر في ألمانيا مخالفة تماما للدستور الحالي، ولذلك أعلن مكتب حماية الدستور أنه يراقب نشاط “مواطني الرايخ” منذ سنوات، وأن هناك اشتباها في انضمام أعضاء من حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني إلى هذه المجموعة التي يعرفها الألمان منذ ثمانينات القرن الماضي، ولم يتم التعامل معها باكتراث.

نزوع نحو العنف

● دوائر القوة العالمية يرى الأمير هاينريش أنها حوّلت ألمانيا إلى آلة لطباعة النقود
● دوائر القوة العالمية يرى الأمير هاينريش أنها حوّلت ألمانيا إلى آلة لطباعة النقود

شهدت الأعوام القليلة الماضية نوعا من التحوّل في أداء “مواطني الرايخ” من مجرّد الحديث عن تصوّرات حول الماضي والحاضر إلى شكل أكثر عنفا، انطلاقا من هجمات نفذها أعضاؤها ضد الشرطة الألمانية أثناء مداهمة مقارهم.

وقد أطلق عضو من أعضاء “مواطني الرايخ” في العام 2016 النار على ضباط شرطة، فقتل أحدهم وأصاب 3 آخرين بجراح، وتم العثور حينها على 30 قطعة سلاح غير مرخصة في منزله.

وصدم المجتمع الألماني عندما قام ملك جمال ألمانيا السابق، أدريان أورساخي، وهو عضو في “مواطني الرايخ” أيضا، بفتح النار على الشرطة.

الحرب العالمية الأولى، حسب تصورات الأمير هاينريش، كانت قد نُفِّذت فقط من أجل “زيادة انتشار اليهود” بدعم من عائلة روتشيلد والماسونيين

ومنذ أن تم الإعلان عن قيود كوفيد – 19 لوحظ وجود أعضاء في الحركة بين المتظاهرين الرافضين لها، حتى أنهم حاولوا اقتحام البوندستاغ الألماني (البرلمان).

اليوم تقول السلطات إن مجموعة “مواطني الرايخ” تجمّع الأسلحة والذخائر وتخطط لقلب نظام الحكم، وقد تم ضبط كميات منها خلال المداهمات الأخيرة، ما يجعلها مجموعة خطيرة على أمن البلاد. خاصة وأن المجموعة خططت لبناء جناح عسكري مهمته تفكيك الهيئات الديمقراطية الحالية في ألمانيا.

“مواطنو الرايخ” بزعامة الأمير هاينريش كانوا ينوون، أيضا، تشكيل حكومة انتقالية يعهد إليها مهمة التفاوض بشأن نظام جديد للدولة الألمانية، مع قوات التحالف المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وفي  مقدمتها روسيا، من أجل استقلال جديد وحقيقي لألمانيا. ولعل هذا ما يفسّر القبض على مواطن روسي بين العشرات الذين تم اعتقالهم، يرجّح أنه كان هو الشخص المكلف بالتنسيق ما بين الأمير هاينريش والسفارة الروسية في برلين.

الأمير هاينريش هو أيضا قريب لملكة هولندا السابقة بياتريكس، فجدهما الأكبر هو الدوق فريدريش فرانز الثاني من مكلنبورغ. أما والدته فهي حفيدة الأمير البروسي الأخير هنري السابع والعشرين. تزوّج أواخر الثمانينات من سيدة إيرانية الأصل، وخاصم أسرته التي رفضت هذا الزواج، ففصلته الأسرة من جمعيتها لمخالفتها للقوانين الداخلية لها. ومنذ تلك اللحظة بات الأمير هاينريش يعرف بين مقرّبيه، وخاصة الأمير هاينريش الرابع عشر، بالرجل المرتبك العالق في نظرية المؤامرة. وحتى لا تضيع بين الأسماء فإن الأمير هاينريش الرابع عشر، هو المتحدث الرسمي باسم أسرة رويس، ومن اللافت للنظر أنه نأى بنفسه وبأسرته عن أنشطة الأمير هاينريش الثالث عشر في وقت مبكر من نهاية أغسطس هذا العام، أي قبل فترة قصيرة من الآن.

● ألمانيا من وجهة نظر "مواطني الرايخ" مجرّد مستعمرة أميركية
● ألمانيا من وجهة نظر "مواطني الرايخ" مجرّد مستعمرة أميركية

12