الأكراد يستثمرون في ارتباك الدولة العراقية

أربيل (العراق) - يبدو إقليم كردستان العراق بصدد الاستفادة من التقلّبات السياسية والأمنية العاصفة وحالة الارتباك الشديد التي تعيشها الدولة العراقية، لتكريس وضعه الخاص الأقرب إلى وضع الدولة المستقلّة.
ويشهد الإقليم خلال الفترة الراهنة حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني قياسا بالدولة المركزية التي تواجه موجة من الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي تهزّ مدن وسط وجنوب البلاد منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وأجبرت رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي على الاستقالة وسط عجز الطبقة السياسية على التوافق على خليفة له يسدّ الفراغ ويكون مقبولا من المحتجّين.
وتكرّست حالة الارتباك في السياسة العراقية وتعمّقت معها الهوّة الفاصلة بين أربيل وبغداد بفعل الصراع الدائر على الأرض العراقية بين إيران والولايات المتّحدة وما أفرزه من انحياز صريح من قبل بغداد إلى صفّ طهران وهو ما تجلّى في قرار البرلمان العراقي إخراج القوات الأميركية من البلاد رغم اعتراض الكتل العربية السنيّة والكردية عليه.
وطلبت الحكومة العراقية، الأسبوع الماضي، من الإدارة الأميركية إرسال مندوبين إلى بغداد لوضع آلية لانسحاب آمن لقواتها من البلاد، وذلك بعد أن صوّت البرلمان العراقي على قرار يطالب بموجبه الحكومة بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، لكنّ الخارجية الأميركية رفضت ذلك. وقالت إن أي وفد أميركي لن يناقش الانسحاب من العراق.
ومن جهتها رفضت قيادات كردية عراقية القرار بشكل صريح، كما رفضت إلغاء أو تقليص دور التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ تنظيم داعش. وقال رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان البارزاني في حوار مع جريدة بيلد الألمانية إنّ “الحرب ضد الإرهاب لم تنته. فإقليم كردستان وكل العراق، وكما كانت الحال في ما مضى، بحاجة إلى مساعدة قوات التحالف الدولي”، مؤكّدا “نرى أن الوقت ليس هو التوقيت الصحيح لانسحاب قوات التحالف من العراق. فالتهديدات ما زالت قائمة، وهي تهديدات جدية. لا يستطيع العراق التغلب عليها بمفرده”.
وكانت الولايات المتحدة قد وقفت في السابق وراء الدفع بإقليم كردستان العراق نحو الوضع الذي أصبح معه أقرب إلى كيان مستقلّ عن الدولة العراقية، بعد أن تعاون أكراد العراق معها بفعالية في إسقاط نظام الرئيس السابق صدّام حسين.
ومع صدور قرار إخراج القوات الأميركية من العراق، لاحت للأكراد فرصة سانحة لتجديد العلاقة المتينة مع الولايات المتّحدة ولتأكيد أهمية دورهم بالنسبة إليها، حيث يتوّقع مراقبون أن يكون كردستان العراق نقطة ارتكاز أساسية للوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية والذي يُستبعد أن تتخلّى عنه واشنطن تحت أي ظرف لارتباطه بهدف استراتيجي يتمثّل في عدم إفساح المجال لإيران للسيطرة عسكريا على العراق عبر الميليشيات التابعة لها، وعدم السماح لها باستكمال مدّ الطريق الوهمي الرابط بين طهران وضفّة المتوسّط عبر الأراضي العراقية والسورية واللبنانية.
وقال ماجد شنكالي عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، إنّ الولايات المتّحدة لن تسلّم العراق بسهولة على طبق من ذهب إلى إيران وأذرعها في العراق، مشدّدا على أنّ الجيش الأميركي كان يمثّل عامل توازن وانسحابه سيترك الساحة مفتوحة للفصائل المسلحة المدعومة والممولة من إيران.
كما وصف قرار مجلس النواب العراقي بإخراج القوات الأجنبية بأنّه كان “انفعاليا ومستعجلا ولم تتم دراسة عواقبه على العراق بشكل معمّق”.