الأفلام الاستقصائية تدعم الصحافة لوقف طوفان الأخبار الزائفة

يحاول الصحافيان يوسف الحسيني ومحمد فهمي، استغلال التحقيق الاستقصائي لكشف محاولة قطر اختراق حسابات أكثر من 1200 شخصية عربية ودولية بغرض التهديد والابتزاز، لا سيما أن فهمي كان قد عمل لفترة طويلة مراسلا لشبكة الجزيرة من القاهرة، واستقال منها بعد اكتشافه تزييف الكثير من المعلومات.
القاهرة - تجد الكثير من وسائل الإعلام العربية نفسها أمام مأزق يتعلق بكيفية احتواء الطوفان المعلوماتي الهائل، ويتراوح بين أخبار حقيقية وأخرى تستخدم للحشد تجاه قضية بعينها، ويبدأ جدل بلا نهاية، تغذيه نظريات المؤامرة، ما يجعل التعامل مع التطورات من خلال أدوات الإعلام التقليدية مسألة تجاوزها الزمن.
وتمثل الخطوة التي أقدم عليها الإعلاميان المصريان يوسف الحسيني ومحمد فهمي، عبر تدشين مؤسسة “إنسان فيلمز” لإنتاج التحقيقات الاستقصائية المصورة والأفلام الوثائقية، أحد الحلول التي يمكن التعويل عليها مستقبلا، بفعل تركيزها على القضايا السياسية والاجتماعية في المنطقة، والبحث عن الجوانب الخفية الداعمة لاستمرار الفوضى.
وعقدت المؤسسة الإعلامية التي خرجت إلى النور من كندا العام الماضي، مؤتمرا صحافيا بالقاهرة، نهاية الأسبوع الماضي، وأعلنت عن نفسها من خلال إنتاج فيلمين استقصائيين، أحدهما عن أكبر قضية تجسس إلكتروني في قطر، والآخر عن إعادة التأهيل الفكري لقيادات وعناصر التنظيمات التكفيرية والإرهابية في باكستان، ومقرر بثهما في النصف الأول من العام الجاري بالشراكة مع مؤسسات إعلامية كندية باللغتين العربية والإنكليزية.
وقال الإعلامي محمد فهمي، إن التفكير في إنشاء “إنسان فيلمز” جاء بعد أن وجدوا أن الساحة العربية بحاجة إلى المزيد من الشركات المتخصصة في الأفلام الوثائقية، التي تركز على الإنسان وحقوقه في وقت تعاني فيه المنطقة من ملايين المشردين وضحايا الإرهاب.
وعمل محمد فهمي لفترة طويلة مراسلا لشبكة الجزيرة من القاهرة، واستقال منها بعد اكتشافه تزييف الكثير من المعلومات التي تقدمها للمشاهدين، وخضع للحبس في مصر بتهمة إذاعة أخبار مغلوطة، ثم أفرج عنه بعد ثبوت براءته، وكرس جهده لفضح تجاوزات الجزيرة.
وأضاف لـ”العرب”، أن الشركة تستهدف تقديم خدمة من الممكن أن تساهم في بناء وعي المواطن العربي بصورة سليمة، وتطوير مهارات العديد من الصحافيين في المجال الاستقصائي وتبنيهم والمساهمة في إنتاج أعمالهم، والتعاقد مع مؤسسات إعلامية دولية تثقل المحتويات التي تقدمها وتزيد من تأثيرها الدولي.
وذلك ما دفع الشركة إلى رفع شعار “إرهاب قطر الإلكتروني”، خلال الندوة التي عقدتها بالقاهرة للتركيز على الأساليب الحديثة التي تنتهجها الدوحة لتشويه الحقائق وخداع الرأي العام، وكشف مخططاتها لدعم الإرهابيين والتنكيل بالمعارضين عبر أذرعها الداخلية والخارجية.
وأطلقت الشركة عريضة إلكترونية لجمع توقيعات من ملايين المتضررين من سياسات الدوحة بعنوان “عام محاسبة قطر”، للضغط على المجتمع الدولي لمحاسبتها بتهمة الإرهاب الإلكتروني.
فريق البحث كشف جوانب مهمة في المخطط القطري بعد أن وقع القراصنة الإلكترونيون في خطأ فني كشف مكان تواجدهم
ويحاول الصحافيان الحسيني وفهمي استغلال التحقيق الاستقصائي الذي يكشف محاولة قطر اختراق حسابات أكثر من 1200 شخصية عربية ودولية بغرض التهديد والابتزاز، كنقطة انطلاق لكشف زيف التصريحات التي أدلى بها الأمير تميم بن حمد خلال حضوره الدورة الـ72 من اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، وطالب فيها المجتمع الدولي بالتحرك لإيقاف عمليات القرصنة الإلكترونية باعتبارها جريمة إرهابية.
وأشار فهمي إلى أن المؤسسة استطاعت أن تصل إلى كافة المصادر الخاصة بفيلم “إرهاب قطر” بعد بحث واستقصاء دام أكثر من خمسة أشهر، والفريق البحثي التقى بعض المتضررين من هذه الاختراقات، بالإضافة إلى المسؤولين الأمنيين في ثلاث دول، هي مصر والولايات المتحدة وكندا.
وتكمن خطورة المؤامرة القطرية في تنوع الشخصيات التي حاولت اختراق حساباتها، وتتراوح بين شخصيات سياسية ورجال أعمال ورياضيين وغيرهم من الشخصيات العامة في العالم العربي وأميركا.
وتمكن الفريق البحثي من كشف جوانب مهمة في المخطط القطري بعد أن وقع القراصنة الإلكترونيون في خطأ فني كشف مكان تواجدهم الحقيقي عقب تنقلهم بين مسارات مختلفة، بين روسيا وقبرص وإنكلترا، ما دفع رجل الأعمال الأميركي إليوت برودي إلى رفع دعوى قضائية ضد الحكومة القطرية اتهمها فيها باختراق حسابه.
وأوضح فهمي لـ”العرب” أن الفريق البحثي يعمل بالتعاون مع المحامي الأميركي الشهير لي ولوسكي، الذي يترافع عن برودي، بعد أن اضطرت إحدى الشركات التي تستخدم في ضغط العناوين الإلكترونية المرسلة إلى الشخصيات المخترقة للإفصاح عن المتعاملين معها، بأمر القضاء الأميركي.
وبعدها حصل الفريق البحثي عن المعلومات الواردة إلى القضاء الأميركي، وتأكد من وصول رسائل غامضة إلى هذه الشخصيات بنفس التواريخ والعناوين التي حصلت عليها.
ويؤمن القائمون على العمل الإعلامي “إنسان فيلمز” بأنه حال عدم تمكنهم من عقاب المتهمين في الجرائم التي يكشفون عنها، فإن إحباطها وكسر جمود سير الأنباء في اتجاه واحد ومساعدة المواطنين على النظر إلى القضايا التي تواجههم يوميا تعد هدفا بالنسبة لعملهم الاستقصائي، خاصة في البلدان التي ما زالت تعاني من آثار الدمار مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا.
ويتوقع فهمي أن تفضي الجرائم التي سيتم الكشف عنها من خلال الأفلام الوثائقية المنتجة إلى ردود فعل عنيفة من قبل الجهات المتورطة فيها، سواء ارتبط الأمر بقطر أو بغيرها من الدول والهيئات والمنظمات الأخرى.
ولفت في حديثه مع “العرب” إلى أن الشركة لديها قسم متخصص في الرد على حملات التشويه المتوقعة ضدها بشكل علمي لإثبات صحة موقفها، على أن يكون ذلك من خلال الوسائل نفسها التي تبث من خلالها الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي.
يرى مراقبون أن انتشار هذا النوع من الصحافة يقلص تأثير جيوش “السوشيال ميديا” التي تساهم في نشر ما يسمى بـالأخبار المزيفة، على نطاق واسع من دون أن تكون هناك أسس متطورة للتعامل معها.
وقال مروان يونس، خبير الإعلام السياسي في مصر، إن وجود شركة متخصصة للأفلام الاستقصائية يعد تطورا نوعيا في طرق تفكير مواجهة الأخبار الزائفة، بعيدا عن الطرق التقليدية التي يتركز أغلبها على نفي الشائعات، وسيكون تقييم عمل المؤسسة مطلوبا استباقا للتوسع في الارتكاز على هذا النوع من الصحافة التي تحتاج إلى مهارات فائقة وتمويل كبير كي تكون مؤثرة في الرأي العام.
وأوضح لـ”العرب” أن الشراكات الإعلامية بين مؤسسة “إنسان فيلمز”، ومؤسسات كندية تضفي على الأفلام التي تنتجها مصداقية دولية ربما تؤثر في بعض مراكز صنع القرار، وحال نجاحها سوف تصبح المحتويات حائط صد للدول والمؤسسات التي تستهدفها الشائعات، وهو ما يتطلب التعاون مع الجهات الحكومية على الجانب المعلوماتي وتسهيل مهمتها.