الأغاني تطغى على المحتوى الفني لأعمال سينمائية بمصر

تتجه السينما المصرية أكثر نحو اعتماد الأغاني كعنصر أساسي ضمن المحتوى الفني للفيلم، وكأنها تعود بالجمهور إلى بدايات السينما حين كانت الأغاني ضرورية وسببا في نجاح العديد من الأفلام إلى اليوم، لكن النقاد يؤكدون ضرورة ألّا يفوق اعتماد المنتجين على الأغاني اعتمادهم على محتوى الأفلام.
القاهرة- تصدرت أغاني أفلام الصيف اهتمامات الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي وحققت الملايين من المشاهدات على موقع “يوتيوب” منذ أن جرى طرحها مؤخرا، لكن بعض الأفلام أخفقت في تحقيق هذه المعادلة داخل دور العرض.
طرحت هذه المفارقة تساؤلات عديدة حول أبعاد بزوغ الأغاني ودورها في الإنتاج السينمائي بعد أن تحولت إلى جزء رئيسي في خطط صناعة الأفلام، وما إذا كانت تخدم السينما أم تدفع إلى الاعتماد على نجاح الأغنية وتجاهل محتوى العمل ورسالته.
واستطاعت أغنية “اختياراتي” للفنان أحمد سعد ضمن أحداث فيلم “مستر اكس” أن تحصد 15 مليون مشاهدة على “يوتيوب” في غضون ثلاثة أسابيع بعد طرحها، وحققت انتشارا واسعًا جعل البعض يصفها بأنها “أغنية الصيف”، في حين أن الفيلم ذاته لم يحقق عائدا بعد طرحه في دور العرض سوى 50 ألف دولار تقريبا.
واجه الفيلم انتقادات من بعض النقاد بسبب ضعف قصته التي تدور حول “إكس”، وقام بدوره الفنان أحمد فهمي، والذي يعاني عقدة نفسية قادته إلى إنشاء منظمة سرية يسعى من خلالها إلى تحريض الرجال على الطلاق، ثم تنشأ قصة حب بينه ومحامية، قامت بدورها الفنانة هنا الزاهد، تضعها الظروف في طريقه وحاول إبعادها عن المخاطر.
لم يختلف الوضع كثيرا بالنسبة لفيلم “تاج” الذي وظف بطله تامر حسني التسويق له من خلال أغنية “هرمون السعادة” التي حققت نحو 20 مليون مشاهدة على يوتيوب بعد أقل من شهر على طرحها، وجرى الاعتماد عليها بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي للترويج للفيلم الذي بدأ عرضه مع موسم عيد الأضحى.
مزج الفنان تامر حسني بين التسويق للفيلم وأغنيته الجديدة عبر حفلات الصيف التي شارك فيها بعدد من الدول العربية، وبدا أن عوامل الترويج للأغنية تأتي في إطار خطته لجذب الجمهور إلى فيلم تفرد فيه بعملية كتابة قصته وحواره والموسيقى التصويرية له وأداء الأغاني، ما أسهم في تحقيق الفيلم إيرادات وصلت إلى حوالي مليون دولار، وجاء في المرتبة الثالثة بين أربعة أفلام عرضت في توقيت واحد.
حافز تسويقي
واستطاعت أغان كثيرة الفترة الماضية أن تحقق انتشارا واسعًا دون أن يعرف الجمهور القصة التي تأتي في سياقها، وبدا أن خطة اختيار المطربين للغناء ضمن أولويات منتجين يدركون أن سوق السينما في مصر ليس كافيًا لتحقيق العائد المنتظر، والبحث عن أدوات تسويقية وربحية أخرى تساعد على مضاعفة مكاسبها.
◙ توظيف الموسيقى في عملية التسويق للأعمال الفنية يشير إلى أزمة يعاني منها الإنتاج السينمائي في مصر
يتفق البعض من النقاد على أن تراجع جودة الأفلام حوّل الأغاني إلى أداة يمكن من خلالها التغطية على المحتوى الضعيف، وتوظيف الموسيقى في عملية التسويق للأعمال الفنية يشير إلى أزمة يعاني منها الإنتاج السينمائي الذي ليست لديه الثقة الكافية في أن ما يتم تقديمه يستطيع جذب الجمهور بلا اعتماد على مؤثرات خارجية.
باتت الأغنية جزءا رئيسيا من مكونات صناعة السينما والدراما، وهو ما لا يشكل أزمة أو مشكلة في حد ذاته، لكن عندما تطغى الأغنية على المحتوى يدلل ذلك على وجود أخطاء فنية يتم تعويضها بالأغاني الفردية أو ما يطلق عليه “السينجل” مع اختفاء سوق الكاسيت واعتماد بعض المطربين على حضورهم في تترات المسلسلات وأغاني الأفلام.
قصة وليست شعرا
قال الناقد الفني سمير الجمل لـ”العرب” إن الأغنية تحمل عوامل تشويق للجمهور سواء أكانت تحمل قيمة فنية أم لا، وتأديتها خلال فترة قصيرة يجعلها أكثر انتشارا من الأفلام التي تستمر نحو ساعتين، وقد لا تتضمن محتوى قادرا على جذب الجمهور إلى دور العرض السينمائي.
وأوضح أن أغاني الأفلام تتميز بأنه يتم كتابتها بما يتماشى مع موقف درامي داخل الفيلم، وترتبط غالبا بقصة وليست مجرد سرد أو أشعار غنائية، ما يجعلها أقرب للجمهور، وتكرار عرض الأغاني وتقديمها عبر منصات رقمية وقنوات فضائية يجعلها راسخة في أذهان جمهور يبحث عنها وتحقق نجاحا لافتا للمطرب المشارك في بطولة العمل الفني أو بالأغنية فقط.
ولفت الجمل إلى أن المنتجين يتعاملون مع أغاني الأعمال الفنية باعتبارها نقطة الانطلاق الرئيسية نحو التسويق للعمل لإثارة فضول الجمهور لمشاهدة العمل، وهناك جهات محترفة تتولى عملية تسويق الأغاني على المنصات بما يخدم الخطط الإنتاجية للعمل الفني، ولم تعد مجرد فاصل تخفف من حدة قصة الفيلم أو المحتوى المقدم.
وتقود المنافسة القوية على اجتذاب جمهور الصيف الذي لم يعد مرتبطًا بالسينما كما كان الوضع سابقا إلى الاهتمام بتفاصيل العملية التسويقية، وينتج عن ذلك توجيه جزء من ميزانية العمل لاستقطاب مطربين لديهم جماهيرية كبيرة وقادرين على جذب الجمهور بحجة المشاركة في بطولة الفيلم، لكن يظل المطرب صورة يتم تصديرها.
لعل ذلك ما أقدم عليه صناع فيلم “البطة الصفرا” بطولة غادة عادل ومحمد عبدالرحمن المقرر عرضه مطلع الشهر القادم، وقررت الشركة المنتجة للفيلم عرض أغنية “خدت (أخذت) بالك” للمطرب الشعبي عبدالباسط حمودة أخيرا عبر منصات التواصل، أي قبل عرضه بما يقرب من أسبوعين، بما يؤكد أن الأغنية بدأت تحل مكان أفيشات الأفلام التي كانت عنصر الجذب الأول إليها.
تناغم مع الجمهور
أكد الناقد الفني محمد رفعت أن نجاح الأغاني في جذب الجمهور للعمل الفني يجعلها في مقدمة عناصر التسويق، وهو أمر إيجابي إذا تناغم في صالح اتجاهاته والأفلام أيضا، والأفضل أن تأتي الأغنية ضمن سياق فني للعمل وأن لا تكون مقحمة بغرض التسويق، وقد تكون أداة لاختصار قصة العمل عبر مشاهد درامية أثناء الأغنية.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن السينما المصرية كانت مع الأفلام الموسيقية في بداياتها وتأثرت بالسينما الأميركية، ما قاد إلى تقديم أفلام شارك بطولتها عدد من الموسيقيين، مثل محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ومحمد فوزي وغيرهم.
كما أن الكثير من مطربي حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي شاركوا في بطولة أعمال فنية وحققوا نجاحات، ومازالت أغانيهم حاضرة لدى الجمهور حتى الآن، وتحولت إلى جزء من الذاكرة الفنية للسينما المصرية التي يصعب إغفالها.
وكانت بعض الأفلام التي ظهرت في حقبة الثمانينات شاهدة أيضا على الاستعانة بعدد من المطربين بحثا عن الدعاية للأفلام، خاصة ما يطلق عليه “أفلام المقاولات” والتي لم تكن لها قيمة فنية كبيرة، وكان الفنان أحمد عدوية حاضرا في الكثير منها.
واعتمدت أفلام الألفية الجديدة على بعض المطربين الشعبيين بجانب راقصات، وهدف المنتجون إلى تقديم خلطة قائمة على المزج بين الغناء والرقص لجذب الجمهور إلى دور العرض في مواسم الأعياد والصيف، ما حقق نجاحا مؤقتا قبل أن يتراجع، والآن يوجد اتجاه يدعم الأغاني كجزء من خطط المنتجين لتحقيق الأرباح والترويج للعمل.