الأعمال المنزلية مدفوعة الراتب استثمار متغافل عنه

عدم المساواة في المهام داخل البيت يقلل من حظوظ النساء في سوق العمل.
الجمعة 2021/09/17
أعمال تستنزف ساعات طويلة من وقت المرأة

تقضي النساء ساعات طويلة على مدار اليوم في رعاية شؤون المنزل والاهتمام بالأطفال وأحيانا المرضى من كبار السنّ، ما يجعل فرصهن في منافسة الرجل على الإنتاج خارج البيت ضئيلة، ويوسع هوة اللامساواة بين الجنسين في الاهتمام بالعائلة، ويثقل كاهل المرأة بمسؤوليات تقيد وقتها وتحدّ من دخلها المالي.

تونس - تكشف الدراسات المتواترة من فترة إلى أخرى أن الفروقات بين النساء والرجال في ما يتعلق بتوزيع مهمات العناية بالأسرة التي تكون غير مدفوعة الراتب، تتسع عاما تلو الآخر حتى أصبحت أحد المعرقلات الكبرى للمرأة وتطالب جمعيات ومنظمات بجعلها أعمالا مدفوعة الراتب وإن كانت في الأصل خدمات موجهة للعائلة.

وفي تقرير حديث صادر هذا الأسبوع، سلطت رابطة الناخبات التونسيات بالتعاون مع منظمة “هاينريش بول” الألمانية، الضوء على وضعية النساء اللاتي يقمن بأعمال الرعاية مدفوعة الراتب وغير مدفوعة الراتب.

وأوضحت الخبيرة التونسية عفاف القريري أن الوقت الذي تقضيه المرأة في الرعاية غير مدفوعة الراتب، أي العمل المنزلي، يقدر بنحو 17.2 ساعة في الأسبوع ويمثل نحو 8 أضعاف الوقت الذي يقضيه الرجل في المنزل ويقدر بنحو 3.2 ساعة في الأسبوع.

طريقة تفكير الرجل تستوجب حملات توعوية بأهمية المشاركة في الأعمال المنزلية التي تعدّ مشكلة كبيرة بين الزوجين

وكشفت الدراسة أن النساء يخصصن أكثر من 3 ساعات للعناية بالأشخاص في الكفالة كالمرضى أو العجز في الأسبوع، في حين يأخذ هذا العمل من زمن الرجل نحو 20 دقيقة فقط، وتخصّص النساء نحو 5 ساعات و16 دقيقة يوميا في الأعمال المنزلية، بينما يخصص الرجال 29 دقيقة فقط من وقتهم للعائلة ومتطلباتها.

وتسلّط الدراسة الضوء على الموروث الاجتماعي الذي يغيّب ثقافة المشاركة وتقاسم المسؤوليات المنزلية التي يوكلها المجتمع أساسا للنساء، فيما يعفي الرجال من القيام بها، وهو ما يؤدي إلى تقليص حضور المرأة في سوق العمل ويتيح للرجال نسبيا المزيد من الوقت لتكريسه للعمل مدفوع الراتب.

ويتضّح ذلك من خلال الوقت الذي تخصصه النساء للعمل مدفوع الراتب، حيث لا يتعدى 19 في المئة من وقتهن، بينما يخصص الرجل أكثر وقت بنسبة 23 في المئة.

ويتمتع الرجل المتزوج بستّة أضعاف الوقت للعمل أكثر من المرأة التي تقيّدها الالتزامات الزوجية وتجبرها على تقديم وقت أكثر للعائلة على حساب الوقت المخصص لنفسها.

وتشير دراسات سابقة إلى أن الاستثمار في العمل المنزلي قد يكون أحد مصادر الإثراء، فقد أصدر المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) دراسة منذ أكثر من عشر سنوات تبيّن أنه لو تم استثمار العمل المنزلي الذي لا تتقاضى عليه النساء راتبا، لأصبح مصدرا للإثراء يمكنه المساهمة بما يقارب 64 في المئة في الناتج الداخلي الخام.

وبناء على هذه المؤشرات، شدّدت القريري على أن وضعية المرأة تستدعي المطالبة براتب محترم للنساء على أعمالهن المنزلية، واستشهدت القريري بوضعية المرأة في الدول المتقدمة، حيث تعدّ الخدمات المنزلية منتجا خاضعا للعرض والطلب في السوق، ويحظى برواج كبير لما يحققه للعائلة من توازن مادي، وخاصة التوازن في توزيع الوقت والمهام والفرص بين الرجل والمرأة.

ولطالما نددت النساء والمنظمات النسوية على مدى عقود بالعادات والتقاليد البالية التي تربط الأعمال المنزلية في المجتمعات العربية بالفتيات دون الفتيان. ونبّه خبراء العلاقات الأسرية في مناسبات عديدة إلى أن الكثير من العائلات مازالت تشجع على عمل الإناث في المنزل وخدمة الذكور.

الفرق بين المرأة والرجل في الاهتمام بالمنزل:

● 17.2 ساعة تخصصها المرأة أسبوعيا لشؤون المنزل
● 3.2 ساعة فقط يخصصها الرجل أسبوعيا للعمل المنزلي
● 3 ساعات أسبوعيا تخصصها المرأة للعناية بالمرضى أو العجز
● 20 دقيقة فقط يخصصها الرجل للعناية بالمرضى والعجز
● 19 في المئة من وقت المرأة مخصص للعمل مدفوع الراتب
● 23 في المئة من وقت الرجل مخصص للعمل مدفوع الراتب

وأشارت النساء المشاركات في تقرير رابطة الناخبات إلى طريقة تفكير الكثير من الرجال التي تستوجب حملات توعوية بأهمية المشاركة في الأعمال المنزلية، التي تعتبر مشكلة كبيرة بين الزوجين.

وتساعد مشاركة الزوج في الأعمال المنزلية في تحقيق أداء أفضل لكل من الزوجين في العمل لشعورهما بالمساواة والحب، كما أن الرجال والنساء الذين يقدمون الرعاية والدعم العاطفي لشركائهم أطول عمرا ويتمتعون بصحة جيدة ويبدون أداء أكثر حيوية وحماسة في العمل.

وحذّرت المشاركات من تمرير العادات السلبية إلى الأطفال، مما يخلق جيلا يختزل العمل المنزلي ضمن مشمولات المرأة، إذ قد تخلف مشكلة عدم المساواة بين الأبناء الذكور والإناث، التي يقع فيها الكثير من الآباء والأمهات، سواء بشكل متعمد أو غير متعمّد، أضرارا نفسية للإناث فيما تخلق جيلا من الذكور سيكون حتما اتكاليا ويعتمد على الأنثى للقيام بشؤونه المنزلية، سواء كانت أمه أو زوجته أو حتى ابنته.

وسبق أن كشف تقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” في 2016 أن الفتيات ما بين عمر 5 و14 عاما يقضين 40 في المئة من الوقت الإضافي في اليوم في القيام بأعمال منزلية دون مقابل، مقارنة بالصبيان من نفس العمر، وتنذر هذه الإحصاءات بأنه لا بدّ من تغيير نظرة المجتمع إلى الأعمال المنزلية الموكلة للنساء، بدء من إتاحة المجال للفتيان للمشاركة في كافة أشغال البيت.

ومن أجل تغيير هذه العادات السائدة وجعل المهام المنزلية ذات قيمة أكبر لدى المجتمع، دعت محاسن سبني، مديرة برامج الديمقراطية في منظمة “هاينريش بول” الألمانية، إلى ضرورة الاعتراف أوليا بأن الأعمال المنزلية تعدّ مهمة شاقة ومرهقة، وتغيير تصنيف مهنة المرأة التي تؤدي ليل نهار الأعمال الشاقة غير مدفوعة الراتب في البيت بـ”لا شيء” في بطاقة الهوية الوطنية.

وبإمكان جميع أفراد العائلة أيضا استغلال فترات الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا التي غيّرت ملامح العالم ومازالت منذ أكثر من عام، حيث لم يعد هناك أيّ عذر للذكور لعدم المشاركة في الأعمال المنزلية والتنظيف. ويمكن للجميع المشاركة دون استثناء سواء الزوجين أوالأبناء، للحصول على منزل نظيف وسعيد، ولتخفيف العبء على ربة البيت وتعلّم قيم المشاركة والاعتماد على النفس.

21