الأطفال خلف عدسات الهواتف الرقمية يستكشفون العالم بعيون المصورين

التصوير الفوتوغرافي نشاط ممتع ومسلّ للكبار والصغار، والعديد من الخبراء المختصين في هذا المجال، يعتقدون أن الصور التي يلتقطها الأطفال بلهفة شديدة تمثل معينا لا ينضب من الذكريات التي تمنحهم تسلسلا جيدا لمراحل أعمارهم المختلفة عند الكبر، لكن الأهم من هذا كله أنها تساعدهم على اكتساب ذاكرة فوتوغرافية تمكنهم من التركيز الجيد، وتذكر أي مشهد بصري مركب من طرفة عين.
أصبح العديد من الأطفال بفضل تطبيقات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، يقفون خلف الكاميرا في مراحل مبكرة من أعمارهم.
ولم يحظ الأطفال في الماضي، بتجربة مثيلة لتوثيق ذكريات طفولتهم بالصوت والصورة بشكل مكثف بهذه الطريقة التي منحتها التكنولوجيا الحديثة للأجيال العصرية، ما سهل عليهم إمكانية تَعَلُم أشياء جديدة والاحتفاظ بها وبجميع التفاصيل التي تتميز بها تجربة ممارسة التصوير مع أفراد أسرهم.
ويعد التقاط الصور العائلية ولقطات الفيديو تجربة ممتعة للصغار، لكنها تمنحهم أيضا فرصة لاكتشاف العالم من منظار مختلف، كما يمكن أن تساعدهم في تنمية مهاراتهم الحسية والسمعية والبصرية ومواهبهم في فن التصوير، إضافة إلى تمتين علاقتهم بأسرهم وأصدقائهم ومجتمعهم.
وتختلف آراء الخبراء في ما يتعلق بفوائد الأجهزة الرقمية للطفل، لكنهم يجمعون على نصيحة بعينها، وهي ضرورة فتح المجال أمام الأطفال لالتقاط صور بأنفسهم، وقد يكون هناك الكثير من الأطفال الموهوبين في التصوير، الذين يمكنهم أن يبرعوا في هذا الفن إذا وجدوا من يشجعهم على خوض غماره.
وتقوم نسبة كبيرة من الأطفال اليوم، بالتصوير بالهواتف بشكل عشوائي، لكن مع الوقت يمكن أن يساعدهم ذلك على تطوير أسلوبهم في فن التصوير، وجعله ذا فائدة، وتدريجيا قد يتمكنون من اكتشاف أفكار وتصويرها، ما ينمي لديهم الحس الفني ويوجه اهتماماتهم بالتصوير نحو قضايا مجتمعية وإنسانية قيّمة.
ويحث الخبراء الآباء على مساعدة أطفالهم على توثيق اللحظات السعيدة، التي يقضونها في النزهات والرحلات الترفيهية بالصور، نظرا لأن الصور تساعدهم على حفظ جانب مهم من الذكريات في حياتهم، ما يمكنهم من العودة بذاكرتهم إلى الوراء كلما كبروا، فتتاح لهم الفرصة للاستمتاع بتسلسل جيد لمراحل العمر.
وتجري الآن تجارب لاستكشاف الآثار طويلة الأمد لتعامل الطفل مع الكاميرا في مراحل مبكرة من عمره، لكن بعض الأدلة العلمية تشير إلى أن تحفيز الجهاز الحسي والبصري يؤدي إلى تحسين القدرات المعرفية.
وكشفت دراسة أجرتها دينايس بارك بجامعة تكساس، إلى أنه كلما انخرط الشخص خلال تعلم مهارة جديدة في أنشطة تعتمد على الحركة والتفاعل مع الآخرين، أدى ذلك إلى نشاط ذهني فعال، بينما الانخراط في أنشطة لا تتضمن الحركة أو التفاعل مع الآخرين، مثل الاستماع إلى الموسيقى، لا يحدث أي تغيير يذكر في تعزيز قدرات الذاكرة.
والمهم في هذا الإطار اختيار نشاط غير مألوف ومحاولة إتقانه، مثل تعلم التصوير الفوتوغرافي، وأن يكون الانخراط فيه بنشاط وحماسة، ولمدة طويلة، خلال محاولة اكتساب مجموعة جديدة من المهارات والسلوكيات.
وبينت العشرات من الأبحاث أن التمرن على التحكم في الانتباه البصري قد يساعد في تعلم الطفل مهارات جديدة في فترات أقصر.
والعجيب أن الانتباه البصري تزداد أهميته في مراحل متقدمة من العمر وكلما اشتدت الضغوط النفسية، وقد يساعد على الوصول إلى حالة من الاستغراق الذهني الكلي وتحقيق أفضل مستوى في الأداء.
وقال سام فاين من جامعة إيكستر في المملكة المتحدة “توصل الخبراء إلى طريقة أفضل لزيادة فرص انتقال المعلومات من العين إلى الجهاز الحركي، بل وإيجاد قناة للتواصل المباشر والسلس بين العين والجهاز الحركي، حتى تصبح الحركات محسوبة وبالغة الدقة”.
وهذه الدراسات لا تستعرض مزايا التركيز على مشهد معين أثناء التصوير، بقدرما تكشف عن فوائد مهمة لهذه المثيرات البصرية، وهي التحديق لهدف معين ومدته قبل أخذ الصورة الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالإدراك، وهو أيضا الوسيلة التي يتصل بها كل إنسان مع العالم المحيط به.
وبرغم أن عملية التقاط الصور، قد ينظر لها على أنها مجرد مثير بصري فقط، لكنها في الحقيقة تشكل استراتيجية تجلب فوائد كبيرة للأطفال بوجه عام، وتعلمهم العادات والقواعد التي من شأنها أن تجعل من السهل عليهم التركيز أثناء أداء الواجبات المدرسية، ويمكن للتركيز أن يعادل النجاح في بعض الأحيان.
ونظرا لأن انخراط الطفل في التقاط الصور سيجعله يوجه جميع حواسه إلى اللحظة التي يعيشها، وهذا شيء لا يدرس في معظم المدارس، فإن الخبراء يؤكدون على أنه وصفة رائعة لاكتساب الطفل الانتباه اللازم، الذي هو أساس الثقة الكاملة في النفس.
وهناك عدة طرق اليوم لتعليم الأطفال فن التصوير الفوتوغرافي المحترف، مثل الأنشطة المدرسية أو بالاستعانة بالدورات التدريبية الموجودة على الإنترنت، لكن يمكن أيضا للآباء أن يصطحبوا أبناءهم في نزهة أسبوعية مخصصة. لكن يبدو أن استخدام الأطفال للهواتف الذكية قد أثار قلق الآباء، بسبب الجدل الذي أثارته بعض الدراسات حول الطفرة الكبيرة في استخدام الأجهزة، التي تعمل شاشاتها باللمس داخل الأسر.
التقاط الصور يشكل استراتيجية تجلب فوائد كبيرة للأطفال وتعلمهم العادات والقواعد التي تساعدهم على التركيز
وفي هذا الشأن حذر الباحث الرائد في علم نفس الأطفال إريك سيغمان من سوء استخدام الآباء للشاشات الإلكترونية في المنزل، مشيرا إلى أن ذلك من شأنه أن يؤثر على الصحة النفسية للأطفال. ويرى سيغمان أن استخدام الأطفال المفرط للتكنولوجيات يشتت انتباههم ويؤذي أدمغتهم التي لم يكتمل نموها بعد.
وطالب الآباء والأمهات بعدم السماح لهواتفهم المحمولة، بإفساد حواراتهم ولماتهم العائلية. وحذرهم من تفقد هواتفهم الذكية أو بريدهم الإلكتروني أمام صغارهم، قائلا “الأطفال يلتقطون هوس التكنولوجيا من آبائهم”.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد حاليا أي دليل قاطع على تأثير شاشات وسائل الإعلام على أدمغة الصغار، إلا أن قلق العلماء يتزايد في جميع أنحاء العالم ووصلت التوصيات في السنوات الأخيرة حدّ الدعوة إلى منع الأطفال دون سن الثانية من مشاهدة أي شاشات على الإطلاق.
ويرى مايكل ريتش، مدير مركز الإعلام وصحة الطفل بمستشفى بوسطن، أن الحد من الوقت أمام الشاشات يخلق نوعا من الحرمان لدى الطفل، وهذا من شأنه أن يؤثر سلبيا على حياته الاجتماعية، ولذلك أوصى الآباء بضرورة أن يكون مقدار الوقت الذي يقضيه أطفالهم أمام الأجهزة الإلكترونية أقل ما يمكن، في مقابل أن تكون هناك أنشطة حقيقية بديلة تعوضهم عمّا يفعلونه أمام تلك الشاشات. ودعا إلى ضرورة ألا يكون استخدام الأجهزة الرقمية الوسيلة الترفيهية الأساسية في يوم الطفل، بل أن يكون مدمجا جنبا إلى جنب مع مجموعة من الأنشطة
الأخرى.