الأطعمة الصحية في الصغر تجنب الأطفال السلوكيات الانحرافية عند الكبر

نقص الزنك والحديد وفيتامين "ب" خلال الأعوام الثلاثة الأولى من عمر الطفل يؤدي إلى سوء سلوكه في مرحلة عمرية لاحقة.
السبت 2020/09/26
الطعام الصحي يساعد على تحقيق التوازن في الجسم والعقل

لندن - تلعب نوعية الأغذية التي يتناولها الإنسان دورا مهما في تعزيز صحته الجسدية، ويتحدد ذلك غالبا في السنوات الأولى من العمر، غير أن أبحاثا جديدة كشفت وجود صلة بين نظام التغذية وسلوكيات الأفراد، وهذا يدل على أن الطعام ليس مجرد ضرورة للجسم، بل يؤثر أيضا على العلاقات الاجتماعية للملايين من البشر يوميا، لأن أعضاء الجسم لا تعمل بمعزل عن بعضها بعضا، بل تتداخل الكثير من العمليات الفسيولوجية مع بعضها.

ومن المعروف أن الجينات مصحوبة بعوامل بيئية أخرى، وما يتبع ذلك من حالة اقتصادية ومشاكل العائلة الاجتماعية تساهم في تشكيل شخصية الإنسان، ويكتسب وفقها عادات وسلوكيات وأنماط حياة تؤثر بشكل أو بآخر على صحته وبنيته وأفكاره وتوجهاته.

لكن باحثين من جامعة جنوب كاليفورنيا أكدوا أيضا أن الأطفال الذين لا يتناولون طعاما صحيا يمكن أن يصبحوا ميّالين للعنف والسلوك غير الاجتماعي.

ورغم أنّ الدراسة تعتبر غير كافية لإثبات وجود علاقة مباشرة بين النظام الغذائي والسلوكيات الاجتماعية، إلا أنّ الباحثين لديهم اعتقاد قوي بأن نقص الزنك والحديد وفيتامين بي خلال أول ثلاثة أعوام من عمر الطفل يؤدي إلى سوء سلوكه في مرحلة عمرية لاحقة.

وأشار الباحثون إلى أن الأطفال الذين لا يتلقون غذاء غنيا بالفيتامينات والمعادن، من غير المستبعد أن يكونوا عندما يبلغون الثامنة من العمر متشنّجين ويتسببون في الشجارات أكثر من أولئك الذين يتمتعون بغذاء صحي.

أما في عمر الحادية عشرة، فإنهم عادة ما يتلفظون بالكلام البذيء ويغشون ويشتبكون في شجارات. وعندما يبلغون السابعة عشرة فهم يسببون إرعابا للآخرين ويدمنون على تناول المخدرات.

وتوصل الباحثون لهذه النتائج بعد أن قاموا بتحليل ومتابعة حياة أكثر من 1000 طفل بموريشيوس، (الجزيرة التي تقع بالمحيط الهندي على الساحل الأفريقي) طيلة أربعة عشر عاما.

وشدد الباحثون على أن الطفل الذي لا يتناول الأغذية الصحية في الصغر يسوء سلوكه الاجتماعي في مرحلة لاحقة من حياته.

سوء التغذية يؤدي إلى انخفاض نسبة الذكاء، الذي يؤدي بدوره إلى السلوك غير الاجتماعي في ما بعد

وذكرت مجلة الطب النفسي الأميركية “أميركان جورنال أوف سايكاتري” أن الفريق وضع في حسبانه عوامل مثل الخلفية الاجتماعية والصحية والتعليمية.

وقال أدريان راين الباحث المشارك في الدراسة، إن الآباء بإمكانهم حماية أطفالهم من تبني سلوكيات غير اجتماعية وبالتأكد إذا منحوهم طعاما عالي القيمة الغذائية.

وأضاف “سوء التغذية يؤدي إلى انخفاض نسبة الذكاء، الذي يؤدي بدوره إلى السلوك غير الاجتماعي في ما بعد”.

وتابع موضحا “هناك الكثير من المسببات التي تدفع لتبني السلوك غير الاجتماعي عدا عن سوء التغذية، ولكننا نقول بأنها رابطة هامة مفقودة”.

ويتفق الباحث جيان جهونغ ليو، من معهد بحوث العلوم الاجتماعية بنفس الجامعة مع الرأي السابق بقوله “التركيب الحيوي ليس حتميا، فبإمكاننا تغيير التحوّلات الحيوية إلى سلوكيات غير اجتماعية وميّالة للعنف”.

وأضاف ليو مستدركا “لكن التعرف على العوامل المهددة بخطر تبني مثل هذه السلوكيات في مراحل الطفولة والشباب هو الخطوة الهامة الأولى لوضع برامج حماية ناجعة لمكافحة العنف في مراحل عمرية لاحقة”.

وتأتي هذه النتائج في وقت تتزايد التحذيرات من سوء التغذية في مرحلة الطفولة وتأثيراتها السلبية طويلة الأجل على نمو أدمغة الأطفال ووظائف المخ.

غير أن الدكتورة آن هاجيل، مستشارة تطوير البحوث في مؤسسة نفيلد الخيرية التي تموّل البحوث الاجتماعية والتربوية طرحت بعض الشكوك حول علاقة الأنظمة الغذائية بالسلوكيات الاجتماعية.

وقالت هاجيل في هذا الشأن “لن أقول إن ما توصلت إليه الدراسة خاطئة ولكنني أشك في أن النظام الغذائي يمكنه أن يلعب دورا بهذه الأهمية. فمن خلال تجربتي لا أجد أن النظام الغذائي شديد العلاقة بتبرير السلوك.

وأضافت “من شأن النظام الغذائي أن يتسبب في أمراض النشاط الزائد، غير أن السلوكيات غير الاجتماعية تتعلق بشكل أكبر بالوالدين والعوامل الوراثية وتأثيرات الرفاق في مجموعات الشباب”.

إلا أن الدراسات التي أجريت في السنوات القليلة الماضية تؤكد أن ما يتناوله الإنسان من أغذية ومشروبات يؤثر بشكل كبير على بيئة الأمعاء.

وتشير دراسات، أجري أغلبها على الحيوان، إلى أن ميكروبات بعينها بالأمعاء قد تؤثر في كيمياء المخ وتنعكس على السلوك لتجعل الحيوان يتصرف بشكل اجتماعي أكثر.

21