الأسكتلندي دوغلاس ستيوارت يفوز بجائزة بوكر

الروايات التي تنافست على جائزة البوكر البريطانية تستكشف مواضيع مختلفة من التغير المناخي إلى العنصرية مرورا بالأواصر العائلية.
السبت 2020/11/21
رواية تكشف الوجه الخفي من تاريخ منسي

أعلنت أخيرا جائزة البوكر البريطانية عن الرواية الفائزة في دورتها لهذا العام وهي باكورة روايات الأسكتلندي دوغلاس ستيوارت، والتي لم تخل من الجدل في الأوساط الأدبية، حيث أن أغلب الأعمال التي وصلت إلى القائمة القصيرة كانت هي الأولى لكتابها، وهو ما ينفي من جهة أخرى ضرورة تحقيق التراكم لنيل الاعتراف والتتويج.

لندن- مُنحت جائزة بوكر الأدبية البريطانية العريقة مساء الخميس إلى الأسكتلندي دوغلاس ستيوارت عن روايته الأولى “شاغي بين” التي تدور أحداثها في مدينة غلاسكو حيث أمضى طفولته.

ووصفت رئيسة اللجنة مارغريت بازبي الرواية بأنها “جريئة ومخيفة ومؤثرة”، خلال حفلة أقيمت في قاعة راوندهاوس في شمال لندن.

الرواية الأولى

قالت رئيسة لجنة التحكيم إن قرار اللجنة كان بالإجماع وإنهم “استغرقوا ساعة فقط لاتخاذ القرار”. وأضافت أن الكتاب المتوج “يمثل تحديا فهو حميمي وجذاب، كل شخص يقرأه لن يشعر أبدًا بنفس الشيء”.

كما جاء في تقرير لجنة الجائزة “لقد طغت علينا هذه الرواية الأولى لكاتبها، حيث تخلق صورا حميمية وعاطفية آسرة ومدهشة للإدمان والشجاعة والحب. يقدم الكتاب لمحة حية عن مجتمع مهمش وفقير في حقبة ماضية من التاريخ البريطاني. إنه فحص حزين يائس وفي نفس الوقت يكاد يكون مفعماً بالأمل لحياة العائلة والقوى والرغبات المدمرة”.

"شاغي بين" رواية جريئة ومؤثرة عن الإدمان والشجاعة والحب
"شاغي بين" رواية جريئة ومؤثرة عن الإدمان والشجاعة والحب

تدور قصة “شاغي بين” في ثمانينات القرن الماضي حول عائلة تنتمي إلى الطبقة العمالية في غلاسكو، وترافق أحداثها الفتى الوحيد شاغي في رحلة بحثه عن الهوية. ويكنّ هذا الأخير محبة فائقة لوالدته المدمنة على الكحول، ويحاول دعمها بينما تكافح هي الإدمان والفقر، وتنحدر إلى اليأس بعد انهيار زواجها وإبعاد جميع أطفالها عنها باستثناء شاغي الذي يتشبث بمساعدتها بينما يعاني بدوره من مشاكل شخصية كبيرة.

يبقى شاغي بجانب والدته في محنتها في المدينة الأسكتلندية، في تلك الفترة الحرجة إبان حكم رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر وما رافقه من فقر وأزمة اقتصادية وتهميش للطبقات الشعبية وتنامي الطائفية.

لم تتوقف الرواية عند حدود حالة البؤس والكآبة والفوضى التي يخلقها الإدمان وتبعاته، كما لم تتوقف عند حدود الاستلهام من قصة حقيقية وبناء عمل خيالي يستدر عواطف القراء، بل تذهب أبعد من ذلك إلى فضح فترة تاريخية مسكوت عنها، بكل ما تحمله من تفاصيل مغيبة من التاريخ الاسكتلندي لكنها حاضرة بقوة في ذاكرة من عاشوها.

وتصوّر الرواية بواقعية لافتة حياة البؤس لأناس عاديين، بأسلوب مشوّق وموجع يمزج بين مشاعر الحب والكبت والإدمان والأذى الذاتي، لكنه أيضا يسعى إلى تعرية ما خفي من حياة المهمشين. .

وقال دوغلاس ستيوارت في كلمة عبر الفيديو “لقد كبرت في غلاسكو في الثمانينات، في فترة بالغة الصعوبة”، مؤكدا أن “تأليف هذا الكتاب كان بمثابة علاج” بالنسبة إليه.

ويصف الكاتب علاقته بالبيئة التي نشأ فيها في تلك المرحلة الصعبة من التاريخ الاسكتلندي الحديث بأن دراسة اللغة الانجليزية كانت تعني “أنك من الطبقة الوسطى ولست من الطبقة العاملة المسحوقة. هذا يجعلك أشبه بمحتال وسط كل أولائك المحبطين”.

ويضيف “أساسا كلمة ‘إنجليزي’ أو ‘إنجليزية’ تعني شيئا مختلفا وعدوانيا”، في إشارة إلى حساسية الاسكتلنديين من قرارات لندن التي يعتبرها الكثير منهم سلطة إنجليزية تفرض عليهم واقعا لا يريدونه.

ولم يخف ستيوارت ذهوله بتتويجه بالجائزة، وأهدى كتابه وجائزته لوالدته التي توفيت بسبب إدمان الكحول عندما كان عمره 16 عامًا. قائلا “أمي ستكون سعيدة (…) وأظن أنّها فخورة”. وأضاف الكاتب إنه يود أن يمنح زملاءه المرشحين “عناقًا” وأن “أعظم هدية” كانت القدرة على “التأثير في حياة القراء”.

ويعيش الكاتب البالغ 44 عاما في نيويورك حيث يعمل في مجال الموضة. وحتى قبل الإعلان عن النتيجة، كان ستيوارت يتصدر قائمة الكتّاب الأوفر حظاً لنيل هذه الجائزة العريقة لدى المراهنين البريطانيين. وينال الفائز مكافأة مالية قدرها 50 ألف جنيه استرليني (66 ألف دولار) مع فتح أبواب الشهرة العالمية على مصراعيها أمامه.

إعطاء "معنى" للعالم

البوكر

ونُظّمت الحفلة في لندن غير أن المتنافسين الستة في المرحلة النهائية من السباق على الجائزة التي تكافئ سنوياً “أفضل رواية مكتوبة بالإنجليزية”، تابعوا الحدث عن بُعد في إطار تدابير مكافحة جائحة كوفيد – 19.

وفي رسالة مصورة عُرضت خلال الأمسية، شددت دوقة كورنوال كاميلا زوجة الأمير تشارلز على أهمية المطالعة في هذه الفترة العصيبة لكونها تتيح للقراء “السفر والهروب والاستكشاف”. كذلك أكّد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما على قوة الكلمة، موضحاً في تسجيل مصوّر أنه “لطالما لجأ إلى الكتابة لإعطاء معنى لعالمنا”.

وبين المتنافسين الستة في المرحلة النهائية، أربعة شاركوا بروايات هي الأولى لهم، هم الأميركيون دايان كوك وأفني دوشي وبراندن تيلور، إضافة إلى الفائز الأسكتلندي دوغلاس ستيورات الذي يحمل أيضا الجنسية الأميركية. وتستكشف الروايات مواضيع مختلفة، من التغير المناخي إلى العنصرية مرورا بالأواصر العائلية.

وتدور الرواية الخيالية “ذي نيو وايلدرنس” (الوحشية الجديدة) لدايان كوك حول مدينة تعاني آثار الأزمة المناخية. وتعكف الكاتبة راهناً على اقتباس سيناريو من كتابها بعدما اشترت “وورنر براذرز” حقوق إنتاج مسلسل مستوحى منه.

وتروي “ريل لايف” (الحياة الحقيقية) للأميركي براندن تيلور، قصة والاس، وهو شاب منطوٍ على نفسه يواجه العنصرية ما إن يلتحق بالجامعة، بعيداً من مسقط رأسه ألاباما.

أما كتاب “بورنت شوغار” (السكّر المحروق) للأميركية أفني دوشي فيستكشف العلاقة المعقدة بين أمّ وابنتها في الهند المعاصرة. وكان أيضا من بين المتنافسين الستة الكاتبة تسيتسي دانغاريمبغا من زيمبابوي، مع كتاب “ذيس مورنبل بادي” (هذا الجسد المحزن) وهو الجزء الثالث من ثلاثية تتناول قصة شابة من زيمبابوي تعاني الفقر.

كذلك شاركت في المنافسة مازا منغيستي، وهي أول كاتبة إثيوبية تصل إلى نهائيات “بوكر”. وقد استوحت قصة عائلتها لتأليف “ذي شادو كينغ” (ملك الظل) الذي يتناول انتفاضة المواطنين العاديين على الاجتياح الإيطالي لإثيوبيا في ثلاثينات القرن الفائت.

 رواية "شاغي بين" هي الأولى لكاتبها، وتصور بواقعية لافتة حياة البؤس لأناس عاديين، بأسلوب مشوّق وموجع

وقرأت لجنة التحكيم ما مجموعه 162 رواية نشرت في بريطانيا أو في أيرلندا بين الأول من أكتوبر 2019 و30 سبتمبر 2020 واختارت منها هذه الأعمال الستّة للمرحلة النهائية.

وأثارت جائزة بوكر الجدل في مناسبات عدة منذ إنشائها في العام 1969. والعام الماضي، تجاهلت اللجنة القواعد بمنحها الجائزة مناصفة للمؤلفة الكندية مارغريت أتوود والكاتبة الإنجليزية – النيجيرية برناردين إيفاريستو.

ومن بين الفائزين السابقين، عدد من الكتاب البارزين، من إيان ماكإيوان وجوليان بارنز إلى كازوو إيشيغورو ورودي دويل. وكان بول بيتي أول فائز أميركي بالجائزة بعدما أذعنت “بوكر” للضغوط وبدأت ضم مؤلفين من خارج دول الكومنولث وأيرلندا وزيمبابوي في العام 2013.

13