الأسر التونسية تتهافت على دروس التدارك لإصلاح ما أفسده كورونا

الدروس الخصوصية خارج إطار المدرسة تساهم في التفرقة بين فئات المجتمع.
الاثنين 2020/06/22
محاولة لتدارك ما فات

لا يقتصر تهافت أولياء الأمور في تونس على دروس التدارك بالنسبة للتلاميذ المقبلين على اجتياز الامتحانات فقط بل إن أغلب الأسر ترى أيضا أنه من الضروري إعطاء الأبناء دروسا خصوصية خلال عطلة الصيف لتدارك تأثيرات الإجازة المطولة التي فرضها تفشي فايروس كورونا على الأبناء.

تونس – تملكت الأسر التونسية مخاوف جديدة بعد انتهاء المرحلة الثالثة من الحجر الصحي الموجه وبداية عودة الحياة شيئا فشيئا إلى سالف عهدها بخصوص أبنائهم الذين لم يتمكنوا من إكمال البرنامج الدراسي بالنسبة للثلاثي الثالث للسنة الدراسية 2019 – 2020 بسبب جائحة كورونا، فطفت على السطح مجددا مسألة دروس الدعم والمراجعة لتدارك ما لم يتمكنوا من تحصيله بمقاعد الدراسة بين مؤيد ورافض لها.

وكشف استطلاع حديث أجرته وكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات) أن العديد من الأسر التي استطلعت آراؤها عبرت عن قلقها وتخوفها من عدم تمكن أبنائها من برامج السنة القادمة لاسيما وأن محتويات سنوات الابتدائي والأساسي والثانوي كلها مرتبطة وفي تسلسل ببعضها البعض والحال أن أبناءهم لم يتمكنوا من إكمال محاور برنامج الثلاثي الثالث، وهو ما من شأنه أن يلقي بظلاله على قدرتهم في الفهم والتمكن من المستوى الدراسي الجديد.

وبالفعل بدأ الكثير من المدرسين في فتح أبواب منازلهم أو المحلات التي يعدونها لإعطاء دروس خصوصية للأبناء في وقت مبكرا، ووجدوا إقبالا كبيرا من قبل أولياء الأمور الذين يلهثون وراء هذه الدروس لتدارك أبنائهم النقائص التي أحدثها بقاؤهم لشهور دون تعليم.

وأجمع المشاركون في الاستطلاع على أن دروس الدعم هي المسار الوحيد الذي من شأنه أن يساعد التلاميذ في تحصيل ما لم يتمكنوا من تحصيله من محاور في برامجهم التعليمية بمختلف المستويات وحتى يمروا إلى المستوى الموالي وهم متمكنون من المستوى الحالي، معربين عن ضبابية الحالة الراهنة حيث أن الوزارة تشدد على أن دروس الدعم خارج إطار المدرسة غير قانونية في حين أنها لم تضع خارطة طريق واضحة لسد الفراغ الموجود في تحصيل إبنائهم العلمي.

الدروس الخصوصية خارج المؤسسات العمومية شر لا بد منه وكارثة من كوارث المجتمع التونسي والمنظومة التربوية

وأضافوا أنه رغم تأكيد وزير التربية محمد الحامدي أنه سيقع استكمال برنامج الثلاثي الثالث بالنسبة لكافة المستويات الدراسية بداية من العودة المدرسية المقبلة 2020 – 2021 وأن لجانا فنية وتقنية بصدد الاشتغال على تدارك الأسابيع المتبقية من السنة الدراسية والتي لم يتمكن التلاميذ من الاستنفاع بها إلا أن هذه الفترة التي برمجتها الوزارة للتدارك لا يمكن أن تفي بالغرض حسب تقديرهم كما يمكن أن تخلق نوعا من الإرباك لدى التلاميذ.

وقال رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني في تصريح لـ“وات” إن “الدروس الخصوصية خارج المؤسسات التربوية العمومية شر لا بد منه وكارثة من كوارث المجتمع التونسي والمنظومة التربوية”، معتبرا أن المدرسة العمومية من خلال منظومتها وأدائها غير قادرة على إيصال حاجيات التلميذ من المعارف، خاصة في الوضعية الحالية التي سببتها إجراءات الغلق التي فرضها تفشي فايروس كورونا القاتل وأدت إلى عدم إتمام الثلاثية الثالثة من السنة الدراسية، مضيفا أن عدم اللجوء إلى الدروس الخصوصية سيسهم في تخفيض معدل نسب النجاح بصفة عامة، حسب تقديره.

وأشار الزهروني إلى أن دروس التدارك خارج إطار المدرسة تساهم في التفرقة بين فئات المجتمع وعدم تكافؤ الفرص بين مختلف الشرائح المجتمعية، موضحا أن العائلات محدودة الدخل تبقى غير قادرة على تلبية حاجيات أبنائها من دروس الدعم التي من شأنها أن تساعدهم على تدارك ما لم يتمكنوا من تحصيله خلال الثلاثي الثالث وكذلك تقوية المستوى الدراسي لأبنائهم وتحسين فرص النجاح.

واقترح أن يعاضد الأساتذة والمعلمون مجهودات المجتمع المدني في إرساء البعد التضامني من أجل توفير دروس دعم مجانية لتلاميذ الأسر محدودة الدخل ومساعدتهم من أجل سد الفراغ الحاصل من عدم تمكنهم من إتمام الثلاثي الثالث من السنة الدراسية 2019 – 2020.

دروس الدعم حلّ لتجاوز مشكلة التأخير في المناهج
دروس الدعم حلّ لتجاوز مشكلة التأخير في المناهج

من جهته اعتبر رئيس الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية  محمد بن فاطمة أن اللجوء إلى الدروس الخصوصية هو دليل على حرص الأولياء على تأمين مستوى مناسب من التكوين البيداغوجي لدى أبنائهم ومسعى منهم ليكون أبناؤهم في مستوى علمي متميز يمكنهم من التفوق والنجاح، وهو أمر مشروع حسب تقديره.

ونبه إلى تفاوت الحظوظ بين مختلف التلاميذ المنتمين إلى فئات أسرية مختلفة عند العودة المدرسية القادمة 2020 – 2021 من خلال إمكانية ولوجهم إلى دروس الدعم لتدارك ما فاتهم من تحصيل وتحسين فرص النجاح.

وأكد بن فاطمة أن التخلي عن دروس الدعم من شأنه أن يجعل مستوى التعليم متدنيا ويساهم في تخفيض المكتسبات البيداغوجية، وتظهر نتائجه على المدى الطويل خلال سنوات التعليم القادمة، مشددا على أن إصلاح المنظومة التربوية بالاعتماد على منهجية علمية ووضع استراتيجية مناسبة لذلك يعد ضروريا ومن الأولويات التي تستوجب تكاتف جميع الأطراف.

وشدد مدير عام بوزارة التربية أحمد السبري على أن الدروس الخصوصية منظمة بأوامر وقوانين ويجب تقديمها داخل المدرسة العمومية فقط، وهو مبدأ جار به العمل منذ سنوات، معتبرا أن دروس الدعم المقدمة خارج إطار المدرسة غير قانونية.

وأكد السبري أن عدم إتمام الثلاثية الثالثة سوف يتم تداركه في العام المقبل وفق تصورات تعمل الوزارة على بلورتها بالاستعانة مع أهل الخبرة والاختصاص والشريك النقابي، وسيتم الإعلان عن ذلك قبل بداية السنة الدراسية 2020 – 2021، وطمأن السبري الأولياء بأنه بعد فترة العطلة المطولة التي فرضتها جائحة كورونا والوضع الصحي العام بالبلاد سيتم حسب تقديره تلافي النقص المسجل في البرنامج البيداغوجي خلال العودة المدرسية القادمة. وطمأنت أستاذة تعليم ثانوي تدرس المادة الفرنسية (م ع) الأولياء بأنه سيتم تدارك الثلاثية الثالثة وستتم مراجعة ما نقص منها خلال العودة المدرسية القادمة، مؤكدة عدم وجود إشكاليات في تلافي النقص وبيّنت أن التأخير الحاصل في المناهج التعليمية هو مسؤولية وزارة التربية.

وأشارت إلى أن الدروس الخصوصية هي مرض نتيجة العلة التي انبثقت عن هنات المنظومة التربوية ويعتمد عليها الأولياء بهدف تقوية المستوى الدراسي لأبنائهم، مشددة في هذا الصدد على ضرورة إصلاح النظام التعليمي حتى يكون مجديا للتلميذ وإعادة البرامج وتهيأتها وفق تطورات العصر والتطور العلمي، وبذلك تكون دروس الدعم غير ضرورية ويصبح المستوى البيداغوجي للتلميذ عاليا وذا مردودية هامة حسب تقديرها.

21