الأسد يفاوض من موقع قوة في محادثات اللجنة الدستورية "التاريخية"

دمشق- جلس ممثلو الحكومة السورية ومعارضوها للمرة الأولى الأربعاء وجها لوجه على طاولة التفاوض حول الدستور، في خطوة وصفتها الأمم المتحدة بـ”التاريخية” وتأمل من خلالها أن تمهّد لتسوية سياسية للنزاع المندلع في هذا البلد منذ العام 2011.
وتشارك الحكومة في المفاوضات التي تحظى بإجماع من القوى الدولية، بدفع رئيسي من حليفتها موسكو التي ترغب بتطبيع علاقات دمشق مع المجتمع الدولي، وإضفاء “شرعية” على اتفاقاتها الهشة مع تركيا بشأن سوريا.
وتولت الأمم المتحدة الأربعاء افتتاح عمل اللجنة الدستورية المؤلفة من 150 عضوا، يمثلون الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني بالتساوي، بغياب ممثلين عن الإدارة الذاتية الكردية، لتباشر لجنة الصياغة المنبثقة عن الوفود الثلاثة إثر ذلك عقد أولى جلساتها، وسط حديث عن خلافات إجرائية.
وقال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون في كلمة ألقاها وهو يتوسط رئيسي وفدي الحكومة أحمد الكزبري والمعارضة هادي البحرة “إنها لحظة تاريخية، لأنه لأول مرة، يجلس 50 مرشحا من الحكومة و50 مرشحا من المعارضة وجها لوجه”.
إذا اتضح للأسد أن بإمكانه استخدام محادثات اللجنة الدستورية كمنصة لتطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي، فسيفعل ذلك
وخاطب بيدرسون أعضاء الوفود قائلا “أعلم أنه ليس من السهل عليكم أن تكونوا جميعا هنا معا في هذه الغرفة، وأنا أحترم ذلك”، مؤكدا “إن المهمة التي توشكون على الاضطلاع بها بالغة الأهمية”.
وفشلت كل جولات التفاوض السابقة التي قادتها الأمم المتحدة في تحقيق أي تقدم على طريق تسوية النزاع بسبب تباين وجهات النظر بين وفدي النظام والمعارضة والقوى الدولية والإقليمية الداعمة لهما، إلا أن انطلاق عمل اللجنة الدستورية يحظى بدعم دولي كبير، وفق ما أكد بيدرسون مطلع الأسبوع.
ولم تتخلل الجلسة الافتتاحية أي مصافحة بين رئيسي وفدي الحكومة والمعارضة على المنصة. وغاب التصفيق بعد انتهاء الكلمات التي ألقاها كل منهما. بينما جلس وفد المجتمع المدني في الوسط بين الوفدين.
وقال رئيس وفد الحكومة في كلمته إن الدستور الحالي الذي تم إقراره عام 2012 “يعد دستورا عصريا بلا أدنى شك إلا أن ذلك لا يمنعنا نحن السوريين من أن نجتمع بغرض النظر في إمكان إجراء أي تعديل على الدستور الحالي أو تغييره ووضع دستور جديد”.
وأكد الكزبري أن مشاركة حكومته في المفاوضات لن يثنيها عن مواصلة جهودها العسكرية. ومن جهته قال رئيس وفد المعارضة هادي البحرة “لقد آن الأوان كي نؤمن بأن النصر في سوريا هو كل شيء عن تحقيق العدالة والسلام وليس الفوز في الحرب”. وشدد على ضرورة أن “نعض على جروحنا وأحزاننا ومعاناتنا وأن نبدأ بالاستماع لبعضنا البعض لفهم مخاوفنا وتحديد المشتركات في ما بيننا لتعزيزها”. وتشارك دمشق في المحادثات من موقع قوة على ضوء التقدم الميداني الذي حققته خلال السنوات الأخيرة وانتشار قواتها الشهر الحالي في شمال شرق البلاد. أما المعارضة، فقد خسرت الكثير من الدعم الدولي الذي كانت تحظى به، وبات وجودها على الأرض يقتصر على فصائل إسلامية ومتطرفة موجودة في شمال غرب سوريا وأخرى تقاتل مع تركيا في شمال شرق البلاد.
ويقول الباحث في مؤسسة “سنتشوري فاونديشن” أرون لوند إن الرئيس بشار الأسد سيشارك “من موقع القوة.. وليس لديه ما يخسره”. ويوضح “إذا وجد أن عملية التفاوض أمست غير سارة لسبب معين، فلن يكون ذلك بالأمر المهم، إذ سيجد سببا تقنيا لوقفها”.
ويتزامن انعقاد اللجنة الدستورية مع توتر متصاعد بين الجيش السوري والقوات التركية في شمال شرق البلاد، حيث اندلعت الأربعاء لليوم الثاني على التوالي اشتباكات غير مسبوقة بين الجانبين في منطقة رأس العين سقط خلالها قتلى وأسرى في صفوف الجيش.
وألمحت روسيا إلى وجود أطراف تحاول إفشال اتفاق سوتشي، مبدية حرصها على السير قدما في الاتفاق الذي أكدت بدء تنفيذه من خلال تسيير دوريات للشرطة العسكرية الروسية على الحدود بعمق 10 كلم وانسحاب القوات الكردية إلى عمق 30 كلم، رغم التشكيك التركي.
تشارك الحكومة في المفاوضات التي تحظى بإجماع من القوى الدولية، بدفع رئيسي من حليفتها موسكو التي ترغب بتطبيع علاقات دمشق مع المجتمع الدولي
وانبثقت فكرة تشكيل اللجنة الدستورية عن مؤتمر عقدته كل من إيران وروسيا الداعمتين لدمشق وأنقرة الداعمة للمعارضة في إطار محادثات أستانة التي طغت خلال العامين الماضيين على مسار جنيف، وتم بموجبها إبرام اتفاقات عدة لوقف العمليات القتالية في مناطق لا تزال خارج سيطرة القوات السورية.
وحرص وزراء خارجية الدول الثلاث على الحضور إلى مقر الأمم المتحدة في جنيف عشية انطلاق عمل اللجنة الدستورية، للتأكيد على دعمهم للأطراف السورية، ودعوتهم المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم المطلوب كونه “الخيار الأخير المتاح” من أجل تسوية النزاع.
ووفق بيدرسون، لم تحدد الأمم المتحدة إطارا زمنيا لعمل اللجنة التي تتخذ قراراتها بالتوافق، وإلا بأغلبية 75 بالمئة من الأصوات، لئلا يفرض أي طرف “إملاءاته” على الآخر.
وحسب محللين، يهدد هذان الشرطان اللذان فرضتهما دمشق على الأمم المتحدة، بإدخال المفاوضات في حلقة مفرغة. ويقول لوند “لن تنتهي أي مفاوضات بين أعضاء اللجنة الدستورية بإجبار الأسد على القيام بما لا ينوي أساسا فعله”.
وفي ظل عقوبات اقتصادية غربية تخضع لها سوريا منذ اندلاع النزاع، يقول لوند إنه “إذا اتضح أن بإمكانه (الأسد) أن يستخدم هذه المنصة، لفتح فرص جديدة وتطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي، فسيفعل ذلك”.