الأزمة المالية تزيد إيقاع مخاطر إفلاس الشركات التونسية

460 ألف شركة مهددة بالتوقف وأكثر من 130 شركة أغلقت أبوابها نهائيا.
الاثنين 2021/11/22
علينا إكمال الطلبية لعرضها في السوق

بدأت الشركات التونسية تستفيق على حجم الكارثة التي خلفتها الأزمة المالية بسبب قيود الإغلاق وبطء سياسة الإصلاح الاقتصادي، بعد أن جعلت الكثير منها تغلق أبوابها، فيما تنتظر العشرات من الشركات الأخرى مصيرا مشابها وسط غياب الحلول لإنقاذها من ورطة يرى خبراء أنها ستعقّد من مهمة إنعاش الاقتصاد المتعثر.

تونس - اتسعت مخاوف أوساط الأعمال التونسية من دخول الشركات في منعطف أكثر خطورة، بعد أن أغلق شق منها أبوابه واستحالة إنقاذ عدد منها أو الحيلولة دون إغلاق أبوابها في ظل الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد منذ سنوات.

وشكلت التحذيرات من دخول الشركات في أزمة أعمق لا يمكن التكهن بعواقبها بعد أن زادت من متاعبها الأزمة الصحية، إقرارا بفشل الخطط الاحترازية للسلطات، مع دخول الاقتصاد برمته في خمول ربما سيطول أكثر مما هو متوقع.

وتواجه تونس أزمة اقتصادية خانقة في بلد لا تشجع حالة انعدام الاستقرار فيه المزمنة المستثمرين والمانحين، في الوقت الذي يسير فيه مناخ الأعمال إلى التقهقر.

وتعتبر الخسائر التي تكبدتها الشركات خلال فترة الإغلاق ضربة كبيرة لجهود دفع مؤشر البطالة إلى النزول، خاصة وأن كافة القطاعات الاقتصادية دفعت ثمنا باهظا لذلك، وهذا الأمر سوف يصدع أسس الاقتصاد المبني على ركائز هشة أصلا.

ياسين قويعة: 80 في المئة من الشركات تتوقف بعد 18 شهرا من تأسيسها

ورصد الخبراء التونسيون أرقاما صادمة حول نشاط الشركات في القطاعين العام والخاص، بما فيها الصغيرة والمتوسطة، وكيف أنها كانت إحدى ضحايا الشلل الاقتصادي للبلاد.

وأكد رئيس المنظمة الوطنية لرواد الأعمال ياسين قويعة أن 80 في المئة من المؤسسات الاقتصادية تغلق بعد 18 شهرا من تأسيسها.

وقال قويعة على هامش الملتقى الوطني لهيئة حكماء المنظمة المنعقد بالمهدية لوكالة الأنباء التونسية الرسمية، إن “تونس تضم نحو 940 ألف مؤسسة اقتصادية وإن المؤسسات المهيكلة لا تشكل سوى نسبة ضئيلة منها”.

وأشار رئيس المنظمة التي تأسست العام الماضي إلى أن عدد الشركات التي أغلقت نهائيا يزيد عن 130 ألفا، بينما تعاني نحو 460 ألف شركة شبح الإفلاس لأسباب متعددة، مما أدى إلى إحالة أكثر من مليون موظف وعامل إلى البطالة التي تتجاوز 17.5 في المئة.

ويبدو أن إرساء نظام الحوكمة عبر اعتماد معايير لإدارة الشركات ومراقبتها وتطبيق المعايير الدولية المستلهمة من مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لم يكن ضمن أولويات الحكومات المتعاقبة، وهو ما ألحق أضرارا هائلة بنسيج قطاع الأعمال.

كما أن استمرار البيروقراطية الإدارية والمتمثلة في طول فترة المعاملات الإدارية من أجل إنشاء مؤسسة اقتصادية، جعل العديد من المستثمرين الشبان “يتخلون عن أفكارهم في بعث مشاريع للحساب الخاص”.

وبسبب ذلك، كان أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة على وجه التحديد الأكثر عرضة للمشاكل، فقد باتوا يفكرون في الانخراط في عمليات هجرة غير شرعية بعد إفلاس مؤسساتهم وإغلاقها.

ووفق قويعة، فإن هذه الفئة من رواد الأعمال “تلاحقها المئات من القضايا المتعلقة بإصدار شيكات دون رصيد، وهم يوجهون يوميا العديد من الرسائل المصحوبة بصرخات الفزع”.

خسائر كبيرة تكبدتها الشركات خلال فترة الإغلاق
خسائر كبيرة تكبدتها الشركات خلال فترة الإغلاق

وكان استطلاع لآراء الشركات أجرته منظمة كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسيّة “كوناكت” الأسبوع الماضي، قد أشار إلى أن نحو 13 في المئة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ذات الرأس المال الأجنبي أغلقت أبوابها نهائيا.

وكشفت النتائج التي شملت أكثر من 500 شركة، أن أكثر من 70 في المئة من المؤسسات المستجوبة أكّدت تراجع رقم معاملاتها لسنة العام الماضي مقابل 34 في المئة في 2018.

وقال رئيس الكنفدرالية طارق الشريف أنّ سبر الآراء المنجز بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، سمح بالوقوف على حجم تأثير الجائحة الصحيّة على الشركات الصغيرة والمتوسطة التونسيّة.

وأوضح أن الجائحة أثّرت بشكل لافت على وضعيّة تلك المشاريع وتسببت لها في العديد من الإشكاليات المالية والهيكلية، إلى درجة أن البعض منها اضمحلت.

وبالنظر إلى هذه المعضلة الشائكة، فإن أي استراتيجية تريد أن تتوخاها السلطات للنهوض بالشركات بصرف النظر عن تحفيزها ماليا، قد لا تكون مثمرة لأن جوهر المسألة يتعلق بكيفية إدارة الأزمة بحذر، دون الوقوع في فخ الرجوع إلى المربع الأول، لأن أي مغامرة غير محسوبة قد تجعل من شلل معظم القطاعات أمرا حتميا.

وقال عبدالمجيد خماخم، المستشار في إدارة الأعمال في المجال الصناعي ورئيس مجلس حكماء المنظمة، إن الوضع الاقتصادي في تونس “غير مريح”.

وأضاف “لا وقت لدينا لتوصيف الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد أكثر، وعلينا أن ننكب سريعا على إيجاد الحلول في إطار تشاركي”.

واعتبر أنه من الضروري أن تكون الحلول سريعة ومجدية لأن الوضع لا يتحمل المزيد من التأخير، علاوة على التخلي عن المصالح الشخصية والدعاية الفضفاضة.

طارق الشريف: الجائحة خلفت مشاكل مالية للشركات حتى أن بعضها اضمحل

وتابع قائلا “لا نرغب في مسؤولين يسمعون للخبراء وأصحاب المؤسسات، الذين يقترحون الحلول الممكنة، دون المرور بكل مسؤولية إلى التنفيذ”.

وقالت وزارة المالية الأسبوع الماضي إن الحكومة جمعت 1.8 مليار دينار (630 مليون دولار) في اكتتاب داخل السوق المحلية هذا العام، بينما تكافح لتمويل عجز الموازنة المتسع.

وأشارت أحدث التوقعات إلى أن العجز المالي للموازنة سيصل إلى 8.3 في المئة في 2021، ارتفاعا من 6.6 في المئة في توقعات سابقة.

واستأنفت تونس هذا الشهر المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض يستند إلى اتخاذ البلاد خطوات مؤلمة ولا تحظى بالشعبية، بهدف تحرير الاقتصاد.

وتسعى الحكومة أيضا لتدبير تمويل من دول الخليج، بينما تواجه الدولة أسوأ أزمة اقتصادية بعد انكماش اقتصادها 8.8 في المئة العام الماضي.

وخفضت تونس توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي في 2021 إلى 2.6 في المئة من توقعات سابقة بنمو يبلغ أربعة في المئة.

والخميس الماضي أكد جيري رايس، المتحدث باسم صندوق النقد الدولي، أن المؤسسة المالية تلقت مؤخرا طلبا للمساعدة من تونس الساعية للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار. وأشار إلى أن هناك مباحثات تقنية جارية “لتحديد الأولويات الاقتصادية للبلاد”.

11