الأزمة الاقتصادية وانخفاض مستوى الدخل يفاقمان وتيرة العنف بين العائلات السورية

الحرب غيّرت أسلوب السوريين في حل خلافاتهم الأسرية.
الجمعة 2021/11/05
الفوضى تولد العنف

تفاقم ظاهرة العنف والجرائم خلال السنوات الأخيرة في سوريا يُرجعه خبراء علم الاجتماع إلى تأثيرات الحرب التي عاشها ويعيشها السوريون، لكن أن يتحوّل الأمر إلى حمل أسلحة حربية في خلافات بين بعض الأسر، فهذا يبعث على القلق والارتياب، خصوصا في ظل هشاشة الوضع الأمني وغياب قوانين رادعة في بلد لا يزال يئنّ تحت وطأة الصراع.  

دمشق - ألقت الحرب السورية المتواصلة منذ أكثر من عشر سنوات بظلالها على العلاقات الأسرية المتفككة عبر تغليب العنف المبالغ فيه، وعدم اللجوء إلى القضاء والقانون؛ حيث يلجأ العديد من السوريين إلى حل إشكالاتهم البسيطة بواسطة أسلحة حربية وأحيانا أسلحة متوسطة، ما يتسبب بسقوط قتلى وجرحى وتعميق الفوضى في مختلف المناطق السورية.

وفي سوريا أصبح حمل السلاح مظهرا اعتياديا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أو الخارجة عن سيطرتها، وأصبحت المناسبات العامة والخاصة مصدر قلق للأهالي جراء انتشار استخدام السلاح، فلا تكاد تمضي مناسبة إلا وهناك قتلى وجرحى جراء الإطلاق العشوائي للرصاص.

وخلال العام الجاري سجلت حوادث في عدد من المناطق السورية هي الأعنف، وتم توثيق البعض منها بالصور باستخدام قنابل حربية في خلافات عائلية كانت تحل سابقا عبر القضاء.

وأعرب مصدر مقرب من القوات الحكومية السورية عن قلقه إزاء تفاقم ظاهرة العنف والجرائم ولجوء بعض الأشخاص خلال خلافات عائلية لاستخدام أسلحة حربية وجدت أصلا لاستخدامها في الحروب.

ويضيف المصدر لوكالة الإنباء الألمانية أن “سقوط جرحى في محافظة طرطوس بعد هجوم شخص بقنبلة على محامي وهو شقيق زوجته هو مؤشر خطير على ارتفاع وتيرة، العنف ودخول السلاح لفض نزاع عائلي وبالتالي تعميق جرح العائلة”.

هناء برقاوي: إقدام شخص على استخدام قنابل ضد أسرته مؤشر خطير
هناء برقاوي: إقدام شخص على استخدام قنابل ضد أسرته مؤشر خطير

وأكد المصدر أن “سنوات الحرب والمعارك التي عاشها المقاتلون غيرت طابعهم حتى وصل الأمر إلى استخدام الأسلحة الحربية ضد عائلاتهم كما جرى في محافظة اللاذقية حين رمى شخص قنبلة هجومية على زوجته وأولاده، وأصيب اثنان من أولاده إصابات بليغة”.

وقال محامي عام طرطوس في مداخلة أمام مؤتمر للمحاميين السوريين حول اغتيال المحامي ملهم محمد، إن ما جرى هو “خلاف بين المحامي وطليق شقيقته الذي هو وكيل عنها حول شقة سكنية وقيام الأخير بوضع قنبلة على صدر المحامي ملهم وقيامه بتهديد بعض المحامين طالبا منهم الابتعاد لإقدامه على قتل نفسه مع المحامي”.

وترى الدكتورة هناء برقاوي الأستاذة في علم الاجتماع أن “ما يحصل من عنف في المجتمع السوري يعود إلى الحرب التي عاشتها وتعيشها البلاد وانتشار السلاح وزيادة الكراهية بين المواطنين” معتبرة أن “إقدام شخص على استخدام قنابل ضد أسرته مؤشر خطير للغاية”.

وقالت برقاوي في حديث لوكالة الأنباء الألمانية إن “الأزمة الاقتصادية الخانقة وانخفاض مستوى الدخل لهما دور في زيادة وتيرة العنف، ناهيك عن فقدان الأسر لتوازنها نتيجة التشرد والعيش بعيدا عن منازلها الأصلية”.

ويعتبر المحامي عارف الشعال أن لجوء البعض إلى استخدام السلاح في حل مشاكلهم الفردية سببه سنوات الحرب، وغياب سلطة الدولة وسلطة القانون وهناك “مناطق أصبحت خارج السيطرة وهناك جيل من السوريين لا يقيم للقانون أي اعتبار حيث عدنا إلى شريعة القوي والضعيف”.

ويضيف “بعض المناطق التي يتم استخدم السلاح فيها هي مناطق تحت سيطرة الدولة وخاصة في محافظات طرطوس اللاذقية ودمشق وريفها.. سنوات الحرب الطويلة غيرت أولوية الدولة التي تريد فرض السيطرة ومن ثمة القانون”.

ويحمّل المحامي الشعال الحكومة السورية مسؤولية انتشار السلاح الذي يجب أن يكون بيد عناصر الجيش والشرطة والقوات الأمنية، ولكن بقاء السلاح بيد مجموعات (الدفاع الوطني وغيره من الفصائل الرديفة) كان له أثر سيء بين أفراد المجتمع”.

حمل السلاح في سوريا أصبح مظهرا اعتياديا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أو الخارجة عن سيطرتها
حمل السلاح في سوريا أصبح مظهرا اعتياديا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أو الخارجة عن سيطرتها

وقال الشعال إنه “منذ أكثر من عام ارتكب شابان جريمة في بلدة بيت سحم شرق العاصمة دمشق بقتل أفراد عائلة، وأحد هذين الشابين من قوات الدفاع الوطني وقال للقاضي أثناء التحقيق إنه يستحق الإعدام، ولكن السؤال لماذا لم يفكر بهذا الأمر قبل إقدامه على جريمته.. إن سبب ذلك هو سيطرة قانون الحرب والقتال وغياب منطق القانون والدولة”.

وبعيدا عن منطق الخلافات الأسرية الضيقة والتحول إلى مناطق ذات طابع قبلي وعشائري شهدت مناطق شرق الفرات في محافظتي الرقة ودير الزور وكذلك القنيطرة جنوب سوريا معارك حقيقية استخدمت بها مختلف أصناف الأسلحة الصاروخية والمدفعية والمتوسطة في معارك تم نقل صورها عبر مواقع التواصل الاجتماع كأنها معارك بين جيوش لا بين جيران وأبناء منطقة واحدة.

فقد شهدت قرية مطب البوراشد في ريف دير الزور الغربي المتاخم لمحافظة الرقة مطلع عام 2019 معركة بين قبيلتين راح ضحيتها 4 قتلى وأكثر من 13 جريحا؛ حيث استخدمت في المواجهات بين قبيلتي البكارة والجبور القذائف الصاروخية “أر.بي.جي” ورشاشات 14.5 المضادة للطيران.

وقال الشيخ محمد الشلاش من قبيلة العفادلة التي تدخلت لعقد الصلح بين القبيلتين المتصارعتين، إن “استخدام الأسلحة بهذا الشكل هو مؤشر خطير على تدهور قيم المجتمع وغياب منطق العقل قبل منطق القانون”.

وأضاف الشلاش أن “أبناء القبيلتين استخدموا أسلحة هي أسلحة فصائل عسكرية وجدت خلال السنوات الماضية في كل المناطق لحماية أهلها”.

وفي جنوب سوريا، في محافظة القنيطرة تحديدا، نشب نزاع بين أبناء عشيرة واحدة إثر خلاف عائلي تطور إلى مواجهات يمكن وصفها بالمعارك.

وقال محمد البكاري إنه في منتصف العام 2016 نشب خلاف بين أبناء عمومة وكانت المنطقة خارج سيطرة الدولة السورية وتحكم بواسطة فصائل عسكرية معارضة حوّلت السلاح من مواجهة القوات السورية إلى حرب بين أبناء العشيرة الواحدة.

وأضاف البكاري أن أبناء تلك العشيرة استخدموا مختلف أنواع الأسلحة بما فيها قذائف الهاون والقذائف الصاروخية وسقط قتلى وجرحى بين الجانبين في مواجهات استمرت لأكثر من أسبوعين.

18