الأزمة الاقتصادية تفرض انفتاح الحكومة المصرية على الإعلام الخارجي

التواصل مع الإعلام الدولي إشارة من حكومة مدبولي إلى الاستعداد لتوسيع رقعة الحريات.
الثلاثاء 2022/05/17
الانفتاح شعار المرحلة

القاهرة – أعادت الحكومة المصرية تنشيط دوائر الاتصال المختلفة مع وسائل الإعلام المحلية والدولية تزامنًا مع الاستعداد لإجراء الحوار السياسي وتبني خطط استثمارية تستهدف التقليل من آثار الأزمة الاقتصادية.

وبدت الحكومة المصرية مقتنعة بأنها لن تستطيع تمرير أهدافها السياسية والاقتصادية بمعزل عن انفتاحها المطلوب على إعلام يساعدها على توصيل رؤيتها.

وعقد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مؤتمرا صحافيّا عالميّا الأحد، هو الأول من نوعه منذ فترة طويلة، بحضور أكثر من 40 صحافيا محليا و55 مراسلاً يمثلون 30 وسيلة إعلامية دولية، واستقبل خلاله العشرات من الأسئلة بشأن القرارات التي اتخذتها حكومته، في وقت تسعى فيه الدولة لترويج سياساتها داخليّا وخارجيّا والتخفيف من الضغوط التي تواجهها بسبب إحكام سيطرتها على الاقتصاد.

وأفردت وسائل الإعلام المصرية في اليوم التالي (الاثنين) مساحات للنقاش حول ما جاء في المؤتمر من قرارات أغلبها تعلقت بالشق الاقتصادي. وأشارت حوارات إعلامية مع أطراف ذات ارتباط مباشر بها -وبحضور عدد من الوزراء- إلى وجود توجه نحو الانفتاح على الآراء المختلفة لإعادة بناء جسور الثقة بين وسائل الإعلام والمواطنين وبين الأطراف التي تخاطبها الحكومة المصرية ومختلف القرارات الصادرة.

والبعض من خبراء الإعلام مقتنعون بأن تفعيل أطر التواصل مع وسائل الإعلام لن يكون كافيًا طالما لم يرتبط بإتاحة حرية الحركة أمامها لانتقاد سياسات الحكومة؛ فهناك عزوف جماعي من قبل الجمهور تجاه وسائل الإعلام التقليدية ولا بد من استعادة الثقة لتضمن الحكومة وصول رسائلها، ودون ذلك لن تكون هناك جدوى من حضورها الإعلامي بشكل مستمر.

وجاء توجه رئيس الوزراء لمخاطبة وسائل الإعلام والرأي العام بعد لقاء أجراه الرئيس عبدالفتاح السيسي نهاية الشهر الماضي مع عدد من الإعلاميين المصريين على هامش افتتاحه أحد المشروعات القومية بمحافظة أسوان (جنوباً)، وبدا ذلك مؤشرا على المزيد من الخطوات التي تنوي الحكومة اتخاذها تجاه الإعلام.

واختلفت نبرة الحكومة التي كانت دوما تتعامل بتوجس مع وسائل الإعلام الأجنبية، وأثنى مدبولي على قبولها حضور مؤتمره، خاصة أن الرجل بدا منفتحا على الآراء والأسئلة التي طرحت عليه، وجاء هذا الموقف كترجمة مباشرة لإعادة تفعيل دور الهيئة العامة للاستعلامات، كجهة مسؤولة عن التواصل مع الإعلام الأجنبي، والتي حرصت على دعوة أكبر عدد من الصحف والمواقع والقنوات العالمية.

وتلقت دوائر إعلامية محلية انفتاح الحكومة بترحيب واعتبرته مقدمة للمزيد من إتاحة حرية الرأي والتعبير في وسائل الإعلام وترك مساحات للنقاش السياسي والاقتصادي حول جملة من السياسات التي تتبناها الدولة، غير أن آخرين عبروا عن مخاوفهم من أن تكون هذه السياسة مرحلية وترتبط بالتسويق لخطة الحكومة الاقتصادية.

الفترة المقبلة سوف تكون بحاجة إلى مسؤولين سياسيين يستطيعون تسويق أفكار الحكومة الاقتصادية

وقال عضو مجلس نقابة الصحافيين محمد سعد عبدالحفيظ إن التواصل الفعال مع وسائل الإعلام خطوة مهمة في سبيل توسيع نطاق الحريات، وإن الصحافيين يلمسون قدرا من الحرية لم يكن موجودا في السنوات الماضية، وأضحى حضور رموز المعارضة متاحاً في وسائل الإعلام، ما يجعل هناك ترحيبا بالخطوات وتثمينا لها، وذلك في انتظار أن ترفع الحكومة يدها تماما عن المنصات الإعلامية لتنفيذ ما طرحه رئيس الجمهورية بشأن جدوى الحوار السياسي.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مؤتمر رئيس الوزراء الصحافي يعد بداية لإعادة بناء جسور الثقة بين الحكومة وكل من الإعلام المحلي والأجنبي، وأن طرح الأسئلة عليه دون قيود -بصرف النظر عن طريقة الإجابة عنها- “يشير إلى أننا أمام مرحلة يمكن أن تتطور وتبنى عليها توقعات لإعادة الاشتباك المهني المطلوب بين وسائل الإعلام والحكومة”.

ولفت إلى أن هناك مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية فرضت وجود انفتاح حكومي أكبر على وسائل الإعلام، وأن دوائر صحافية عديدة تفترض حسن النوايا وتَفَهُّم مسألة أن السنوات الماضية لم تكن تسمح بإتاحة الحرية وفتح المجال العام، وأن الأولويات كانت تقتضي التركيز على بناء الدولة وترميم البنية التحتية المتهالكة ومواجهة الإرهاب، ولذلك ستكون الفترة المقبلة بمثابة اختبار لجدية الحكومة.

وتعددت شكاوى الإعلاميين في مصر من عدم تواصل جهات حكومية معهم للرد على ما يثار من مشكلات في قطاعات مختلفة، وفي الوقت ذاته لم تتوفر للصحف والقنوات المحلية القدرةَ على توجيه انتقادات أو الضغط بشكل فعّال لتحسين أوضاعها، ما تسبب في زيادة الشائعات التي اتهمت الحكومةُ الإعلام بالتسبب فيها.

وتعددت أساليب الجهات الحكومية للتواصل مع المواطنين دون الحوار المباشر مع الصحافيين والإعلاميين، وعبّر ذلك عن كونها تصم آذانها عما تجري إثارته حول قراراتها، وعمدت غالبية الوزارات والهيئات إلى تعيين مستشارين إعلاميين كحلقة وصل بينها وبين وسائل الإعلام ما أدى إلى الاعتماد على البيانات وتدشين صفحات رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي للوصول مباشرة إلى الجمهور.

Thumbnail

ولم تحقق الخيارات المتاحة أهدافها، ولم تستطع الحكومة إقناع الرأي العام بجدوى سياساتها التي انتهجتها، ومن المطلوب تغيير رؤيتها الإعلامية لتستعيد حضورها كي تمتلك القدرة على التجاوب مع ما يثار من قضايا عديدة ستكون حاضرة ومتاحة للنقاش أثناء الحوار السياسي المزمع عقده في الفترة المقبلة.

وأكد رئيس تحرير صحيفة “فيتو” (خاصة) عصام كامل أن غياب الرأي الآخر جزء من المشكلة التي تعاني منها مصر، وكل التجارب السياسية أثبتت أن الرقابة الشعبية من خلال وسائل الإعلام ضمانة حقيقية للتقدم والتطور، وإجراء حوار مع تيارات سياسية يتطلب فتح قنوات حقيقية للنقاش بين الصحافة كسلطة شعبية وبين المسؤولين.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على عدم جدوى الاستفادة من أجواء الانفراجة الحالية في ظل غياب العلاقة بين الصحافي ومصدره الرسمي بما أدى إلى غياب المعلومات الحقيقية التي اعتبرتها الحكومة في الفترات السابقة سراً لا يجوز للصحافة أن تطلع عليه، وما قدمته الحكومات المتعاقبة لم يكن سوى وجهة نظر وحيدة في ظل غياب تام للشفافية التي تستطيع من خلالها الصحافة أن تؤدي دوراً ناجحا.

ولفت إلى أن إتاحة نقاشات موسعة حول القرارات الأخيرة ذات الارتباط بمناخ الاستثمار تخدم السياسة باعتبار أن الاقتصاد هو المحور الرئيسي الذي تدور حوله السياسة، وأن الفترة المقبلة سوف تكون بحاجة إلى مسؤولين سياسيين يستطيعون تسويق أفكار الحكومة الاقتصادية، لاسيما أن السنوات الماضية كانت شاهدة على المزيد من الصعوبات التي واجهت الحكومة بسبب غياب خبرتها في التعامل مع الإعلام.

1