الأزمات الاقتصادية تقود مسقط إلى فرض الضريبة على الدخل

دفعت الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة سلطنة عمان إلى التفكير جديا في فرض الضريبة على الدخل في أفق الأعوام المقبلة، في خطوة عجل بها تهاوي أسعار النفط وتراجع محركات النمو بعد إقرارها لضريبة القيمة المضافة منذ شهر تحت ضغوط فايروس كورونا.
مسقط - أدركت سلطنة عمان ضرورة التفكير في خطة اقتصادية تضمن خلال الأعوام المقبلة جلب مصادر تمويل عبر فرض ضريبة على أصحاب الدخل القوي وذلك بهدف تنويع الإيرادات وسد الفجوة المالية التي سببها وباء كورونا وتهاوي أسعار النفط.
وقالت وزارة المالية العمانية في خطة اقتصادية للفترة من 2020 إلى 2024، نُشرت تفاصيل جديدة عنها في ساعة متأخرة الأحد، إنه من المتوقع أن تستحدث السلطنة فرض ضريبة دخل تُطبق على أصحاب الدخل المرتفع في العام 2022.
وتهدف الخطة إلى خفض عجز الميزانية إلى 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2024 من عجز مبدئي 15.8 في المئة في العام الجاري.
وتستهدف السلطنة زيادة الإيرادات غير النفطية للحكومة إلى 35 في المئة من الإجمالي بحلول 2024، من 28 في المئة هذا العام. ولا تحصل أي من دول مجلس التعاون الخليجي الست، وجميعها منتجة للنفط، ضريبة دخل من الأفراد.
وفي الشهر الماضي، أقر السلطان هيثم، الذي تقلد الحكم في يناير، خطة مالية متوسطة الأجل لتحقيق الاستدامة في المالية الحكومية وسط ضغوط أزمة فايروس كورونا وأسعار النفط المنخفضة على خزينة الدولة.
وتم كشف بعض تفاصيل الخطة في نشرة سندات صدرت الشهر الماضي دون ذكر موعد لتطبيق ضريبة الدخل. وجاء في الخطة أن حصيلة الضريبة سَتُستخدم لتمويل برامج اجتماعية.
وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، “ستكون ضريبة الدخل على الأفراد الأولى من نوعها في الخليج. أعتقد أنها ستكون خطوة مهمة وستتابعها دول مجلس التعاون الخليجي عن كثب”.
وقالت وثيقة التوازن الاقتصادي متوسط الأجل إن المبادرة ما زالت قيد الدراسة وإنه يجري فحص جميع جوانب التطبيق المتوقع أن يكون في العام 2022.
وبحسب الوثيقة، تستهدف الخطة إعادة توجيه الدعم لمستحقيه فحسب بدلا من توزيعه بلا استثناء. وسيجري حساب أسعار جديدة للكهرباء والمياه تدريجيا خلال السنواتالقادمة.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش اقتصاد عُمان بعشرة في المئة هذا العام، وهو ما سيكون أكبر انكماش في الخليج، وأن يتسع العجز إلى 18.3 في المئة من الناتج الإجمالي من 7.1 في المئة العام الماضي.
وفي منتصف أكتوبر، قال السلطان هيثم إنه سيجري تطبيق ضريبة قيمة مضافة بنسبة 5 في المئة في أبريل 2021، في إطار جهود تنويع إيرادات الحكومة.
وتعد ضريبة القيمة المضافة من مطالب صندوق النقد الدولي بترشيد الإنفاق وتنويع مصادر الدخل حيث تهدف السلطنة إلى توليد دخل ضريبي أكثر استقرارا.
وتعتبر ضريبة القيمة المضافة ضريبة “غير مباشرة” يتحمل قيمتها المستهلك النهائي في حين يقوم المورّد (الخاضع للضريبة) باحتساب وتحصيل الضريبة وتسديدها إلى جهاز الضرائب، كما تعتبر ضريبة على الاستهلاك.
وسيتم فرض هذه الضريبة على معظم السلع والخدمات (باستثناءات محددة في القانون واللائحة) في كل نقطة بيع أي في كل مرحلة من مراحل سلسلة التوريد، كما أنها ستفرض على استيراد السلع إلى السلطنة باستثناءات محددة في القانون واللائحة كذلك.
وكانت السلطنة قد أصدرت تشريعات أخرى لتهيئة المناخ العام قبل إقرار هذه الضريبة وذلك من خلال القوانين المحفزة للاقتصادي، كقانون الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وقانون الاستثمار، وقانون الإفلاس، وقد كان سبب التأخير في تطبيق ضريبة القيمة المضافة حسب خبراء يعود إلى تهيئة المناخ لاستكمال تلك القوانين والتشريعات.
ومن المنتظر أن توفر ضريبة القيمة المضافة موردا إضافيا للمالية العامة للدولة يضمن استمرار جودة الخدمات العامة، كما أنها ستدعم تحقيق أهداف السلطنة في تقليل الاعتماد على النفط والمنتجات الهيدروكربونية الأخرى كمصادر رئيسية لإيراداتها.
وكانت دول الخليج قد وقعت اتفاقية في 2016 لتطبيق ضريبة القيمة المضافة لمواجهة ضغوط النفط، مع اتفاق ضمني بأن تطبق السعودية والإمارات أولا الضريبة، وهو ما حدث بالفعل، ولحقت بهما البحرين في 2019.
ويعد فرض ضريبة القيمة المضافة أحد الإصلاحات الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي، لإيجاد مصدر جديد للإيرادات.
واتفقت دول الخليج على استثناء الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية و94 سلعة غذائية من ضريبة القيمة المضافة عند تطبيقها.
ويُعوّل على أن يكون لتطبيق ضريبة القيمة المضافة أثرٌ إيجابيٌ على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعلى القدرة التنافسية الدولية للسلطنة حيث ستسهم الموارد المالية المتحصلة منها في بناء اقتصاد مستدام للأجيال القادمة.
كما أنها ستسهم في تحسين الخدمات العامة ومواصلة تطوير البنية الأساسية في المستقبل.
وسيسهم تطبيق هذه الضريبة في توليد دخل ضريبي أكثر استقرارا ويمكن التنبؤ به في الظروف الاقتصادية الجيدة والصعبة وتكمن فاعليتها في انخفاض تكاليف إدارتها وتحصيلها.
وسيعمل قطاع الأعمال كمحصّل للضرائب في السلطنة وسيتحمل فقط تكاليف فرض ضريبة القيمة المضافة وتحصيلها والمطالبة بها والامتثال بالالتزامات الضريبية بموجب القانون واللائحة، بحيث تقوم المؤسسات المسجلة بإضافة هذه القيمة على السلع والخدمات الخاضعة للضريبة التي تقدمها على أن يتحمل الضريبة المستهلك النهائي المتلقي لهذه السلع أو الخدمات.
ويتعين على قطاع الأعمال القيام بالتسجيل لضريبة القيمة المضافة، كما ستحتاج المؤسسات بموجب قانون هذه الضريبة إلى تشغيل نظام محاسبة وفوترة فعّال والاحتفاظ بسجلات محاسبية دقيقة.
ويُتوقع أن يكون تأثير ضريبة القيمة المضافة على كلفة المعيشة محدودا خاصة وأن النسبة التي سيتم تطبيقها في السلطنة تعدّ منخفضة إذا ما قورنت مع تلك المطبقة في بلدان أخرى حول العالم ما يعني أن تأثير هذه الضريبة على أسعار السلع والخدمات سيكون غير ملحوظ.