الأردن يحاول مواجهة البطالة بسلاح القطاع الخاص

تزايد الضغوط على الحكومة لإصلاح سوق العمل.
الجمعة 2021/08/06
أزمة مستعصية تبحث عن حل

حملت إشارات البنك الدولي حول المعدلات المرتفعة للبطالة في الأردن انتقادات لخطط الإصلاح الاقتصادي التي تنفذها الحكومة لتوسيع آفاق سوق العمل، وهو ما دفعها إلى إعادة النظر في استراتيجيتها من خلال مطاردة حلّ توسيع مشاركة دور القطاع الخاص في التنمية وبالتالي توفير فرص وظيفية أكثر.

عمان – يعطي تقرير حديث للبنك الدولي تطرق إلى قضية البطالة تأكيدا على أن الأردن لا يزال بعيدا عن بلوغ أهداف دعم سوق العمل بالشكل المطلوب في ظل الخطى البطيئة المتعلقة بتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد.

ويتخوف خبراء اقتصاد ومسؤولون أردنيون من تداعيات الأوضاع الاقتصادية التي قد تؤجج التوتر الاجتماعي جراء حالة التدهور الحاصلة والتي زادت من تعقيداته الأزمة الصحية.

وأقر وزير العمل يوسف الشمالي بوصول نسبة البطالة بين الشباب إلى نحو 50 في المئة. وقال في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية مؤخرا إن “تقرير البنك الدولي بشأن نسب البطالة حقيقي وواقعي ولا ننكر ذلك”.

ووفقا لبيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية التي نشرت أواخر الشهر الماضي، فقد سجل معدل البطالة في الربع الأول من العام الجاري 24.7 في المئة، بارتفاع مقداره 5.7 نقطة مئوية عن الربع الأخير من العام الماضي.

وبلغ عدد العاطلين عن العمل 400 ألف شخص بينهم 260 ألف من فئة الشباب من إجمالي نحو 10.75 مليون نسمة يمثلون عدد السكان، وهي نسبة يعتبرها المسؤولون الحكوميون عالية جدا.

ويشهد الأردن منذ عشر سنوات ارتفاعا مطردا في نسبة البطالة، ورغم الوعود الحكومية بالتشغيل والتوظيف، إلا أنها لم تنعكس على أرض الواقع.

وتشكل البطالة أكبر الهواجس للأردن الذي يعاني بالأساس أوضاعا اقتصادية صعبة فاقمتها قيود وإغلاقات لنحو عام بسبب جائحة كورونا، التي رفعت أيضا مديونية البلد الداخلية والخارجية.

وتأثر البلد الذي يستورد أكثر من 90 في المئة من حاجاته من الطاقة ويعتمد على المساعدات بشكل مفرط كثيرا بالأزمتين المستمرتين في كل من العراق وسوريا وخاصة أزمة اللاجئين.

وجراء ذلك تتعرض سوق العمل الأردنية لمنافسة قوية مع العمالة السورية، حيث تستوعب البلاد حوالي 2.9 مليون غير أردني، بينهم 1.3 مليون سوري، والباقي يمثلون جنسيات مصرية وفلسطينية وعراقية ويمنية.

بانتظار فرصة عمل
بانتظار فرصة عمل

وفي محاولة لاحتواء أزمة البطالة تبحث الحكومة حاليا توسيع مشاركة القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد من أجل تخفيف هذه المشكلة المزمنة.

وعقدت الحكومة سلسلة لقاءات مع ممثلي القطاع الخاص حول أهم السياسات والإصلاحات المطلوبة للنمو وخلق فرص العمل بالإضافة إلى ما تحتاجه القطاعات الإنتاجية ذات الأولوية من دعم في هذه المرحلة.

واعتبر وزير التخطيط والتعاون الدولي ناصر الشريدة أثناء لقائه بمجلس إدارة وأعضاء منتدى الاستراتيجيات الأردني في وقت سابق هذا الأسبوع، أن الأردن يواجه مطبات يجب تجاوزها سريعا من خلال تحفيز النمو وكل ما له علاقة بذلك.

ونسبت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية إلى الشريدة قوله إن “أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد اليوم تتمثل بارتفاع معدل البطالة وتباطؤ النمو وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر وكذلك التحديات التي فرضتها الجائحة محليا وعالميا”.

وأعدت الحكومة وثيقة حول أولوياتها حتى 2023 ووثيقة الأردن 2025، بالإضافة إلى الاستراتيجيات القطاعية وأهداف أجندة التنمية المستدامة والبرنامج التنفيذي للأعوام 2021- 2024.

وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قد وجه الحكومة نهاية مايو الماضي إلى وضع برنامج عمل اقتصادي واضح المعالم مرتبط بمدد زمنية محددة لتنفيذه، بالشراكة مع القطاع الخاص من أجل تحقيق التعافي الاقتصادي.

ولفت بشكل واضح إلى تحدي الفقر والبطالة، قائلا إنهما “ازدادا بشكل ملحوظ نتيجة تداعيات جائحة كورونا، ما يتطلب المزيد من الجهود للحد منهما”.

وبين أكتوبر 2016 وأبريل 2017، أصدر العاهل الأردني ما يُعرف بـ”الأوراق النقاشية”، وعددها سبع، وهي تمثل رؤيته لتحقيق الإصلاح الشامل، لكن المتابعين رأوا أنه لا توجد إرادة حقيقية لتنفيذ الإصلاح، ما أدى إلى خروج احتجاجات خلال السنوات الماضية للمطالبة بتغيير النهج.

وتستهدف أولويات الحكومة تحفيز القطاع الخاص على توفير المزيد من فرص عمل، وزيادة الاستثمار المحلي والأجنبي، وزيادة الصادرات من خلال جملة من الإجراءات والإصلاحات التي وزعت على ثلاثة محاور أساسية.

ويتضمن محوران منها الأولويات القصوى على المستوى الكلي، أما المحور الثالث فيشمل مستوى القطاعات المستهدفة في المرحلة الحالية، وهي السياحة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات والزراعة.

ويراهن المسؤولون الأردنيون الآن على اعتماد نموذج شراكات جديد لتعزيز مؤشرات النمو وذلك بتوسيع دور القطاع الخاص إلى جانب ما يقوم به القطاع العام.

ناصر الشريدة: ارتفاع البطالة وتباطؤ النمو أهم التحديات التي تواجه الأردن
ناصر الشريدة: ارتفاع البطالة وتباطؤ النمو أهم التحديات التي تواجه الأردن

وأكد نائب رئيس الهيئة الإدارية للمنتدى كريم قعوار خلال اللقاء أهمية المشاركة بين القطاعين العام والخاص للوصول إلى التعافي المنشود والخروج من آثار جائحة كورونا الاقتصادية.

وقال إنه “هناك ضرورة ملحة لتطبيق أولويات الحكومة للتعافي الاقتصادي وإعطاء الأهمية لبعض القطاعات الواعدة التي تستحق الرعاية لتعزيز دورها في التنمية الاقتصادية كالصناعات الغذائية والدوائية”.

ورجحت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية في تقرير أصدرته نهاية الشهر الماضي أن يتعافى الاقتصاد الأردني بشكل تدريجي مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2 في المئة خلال الفترة العامين الحالي والقادم.

وأشار خبراء الوكالة إلى أن ارتفاع معدل النمو سيقود إلى انخفاض معدلات البطالة بشكل تدريجي إلى 21 في المئة بحلول 2023.

واعتمدت الحكومة موازنة هي الأصعب والأكثر استثنائية للعام 2021، وقد أقرت في أبريل الماضي حزمة برامج تحفيزية للاقتصاد بقيمة تقدر بحوالي 448 مليون دينار (630 مليون دولار)، للتخفيف من الآثار السلبية التي تسببت فيها الجائحة.

وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني قد حثّ في تقرير أصدره منتصف مايو الماضي حول “حالة اقتصاد الأردن 2020”، الحكومة على وضع خطة اقتصادية تعتمد على الاستثمار بمصادر بديلة وجديدة، وإعداد خطة شاملة ومحكمة تُعتمد لتنشيط الاستثمارات وجذب المزيد منها إلى البلاد.

ووضعت وكالة فيتش في مايو الماضي التصنيف الائتماني للأردن على المدى الطويل عند بي.بي سالب مع نظرة مستقبلية “سلبية”، ما يؤكد التحديات التي تواجه المالية العامة للدولة التي تسعى إلى إنعاش اقتصادها المتضرر.

وذكرت فيتش حينها أن التوقعات السلبية تعكس خطر زيادة تدهور الدين الحكومي، وسط تعاف غير مؤكد وسياق اجتماعي صعب في أعقاب جائحة كورونا.

وتظهر أحدث بيانات وزارة المالية أن رصيد الدين العام المستحق على الأردن في الأشهر الخمسة الأولى من 2021 ارتفع بنحو اثنين في المئة 27 مليار دينار (38.1 مليار دولار)، مقارنة مع 26.49 مليار دينار في نهاية 2020. ويعادل الدين العام 85.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للأردن.

11