الأراجوز يغرّد عبر وسائل التواصل الاجتماعي في مهرجان مصري

في عام 2018 صنفت اليونسكو عرائس الأراجوز كجزء أصيل من التراث الإنساني الملموس حتى الآن، وجاء ذلك تتويجا لجهود استمرت 20 عاما سعى فيها أستاذ علوم المسرح نبيل بهجت لنقل هذا الفن من الهامش إلى بؤرة الاهتمام، فانتزعت جهوده اعترافا محليا وعربيا وعالميا، ومن ثمة أطلق الأكاديمي والفنان المصري في السنة الموالية مهرجان الأراجوز.
القاهرة – تحت شعار “الأراجوز ملهما” تقيم فرقة ومضة لعروض الأراجوز وخيال الظل بالتعاون مع بيت السناري التابع لمكتبة الإسكندرية وعدد من الهيئات والمؤسسات الثقافية المصرية مهرجان الأراجوز المصري في دورته الثانية، وذلك في الفترة الممتدة بين 24 وحتى 28 نوفمبر الجاري.
ويأتي المهرجان في نسخته الثانية احتفاء بعرائس الأراجوز وصناعها والناشطين فيها والمولعين بها وبحكايتها الضاربة في عمق الموروث الشعبي المصري، ملقيا الضوء على استلهامات الأراجوز في الأشكال الإبداعية المختلفة، ومن أجل فتح آفاق مبتكرة أمام إبداع نصوص جديدة للأراجوز تجعله أكثر مواكبة للعصر.
وقال مدير المهرجان ومؤسسه نبيل بهجت إن اختيار عنوان الأراجوز ملهما “جاء ليسلط الضوء على تجارب استلهمت الأراجوز منذ زمن بعيد من تجربة قلم الأراجوز التي بدأها علي شكري إبان ثورة 1919 بمصر، مرورا بتجربة شكوكو عبر استلهاماته وتوظيفه لهذا الفن في السينما والمسرح والرواية والشعر والقصة، ومن خلال عدد من المحاضرات وكتاب يحمل عنوان “الأراجوز ملهما”، بالإضافة إلى كتاب “نمر الأراجوز الجديدة” من تأليف فرقة ومضة، وهو يقدّم عددا من العروض الجديدة للأراجوز يستخدم فيه الشكل والتكنيك التقليدي ليتناول موضوعات تقف على قدم هذا الفن في التراث الشعبي المصري من حيث الشكل والتكنيك وأشياء أخرى موجودة في الواقع.
ويضمّ المهرجان هذا العام عددا من الفعاليات، كما سيصدر المهرجان من المؤلفات التي تتعلق بالأراجوز المصري وتأثيراته وأشكال الكتابة الجديدة له.
ويأتي المهرجان الذي تقدّمه فرقة ومضة في إطار سعيها للحفاظ على فنون الهوية المصرية وإيمانا منها بأن لدى مصر ما يمكن أن يعبّر عنها جماليا، وانطلاقا من الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الفرقة لصون الأراجوز كأحد عناصر التراث الإنساني، وذلك بعدما وضع على قوائم الصون العاجل لاتفاقية 2003، في اجتماع اليونسكو بتاريخ 28 نوفمبر 2018، حيث اتخذت الفرقة من ذلك التاريخ موعدا لمهرجانها السنوي.
ويستهل المهرجان في يومه الأول بمحاضرة تحت عنون “الأراجوز ملهما” بجامعة حلوان، مع افتتاح معرض للدمى يشارك فيه عدد من الفنانين المصريين. كما يقدّم المعرض أشكال الأراجوز التراثية التقليدية، وعددا من العروض ببيت السناري، حيث يأتي العرض الأول من خلال عمل جديد للأراجوز تحت عنوان “أراجوزالسوشيال ميديا” يناقش فيها الأراجوز خطر وسائل التواصل الاجتماعي على الحياة الاجتماعية الحديثة، وهو من إخراج الفنان علي أبوزيد، ثم يليه عرض أراجوز في المدينة والذي يقدّم رحلة الأراجوز داخل المدينة منتقدا بعض السلوكيات اليومية، وهو من تأليف وإخراج نبيل بهجت.
ويشهد اليوم الثاني من المهرجان رحلة الأراجوز لمدينة الإسكندرية، حيث يلتقي هناك في لقاء مفتوح مع طلاب جامعة الإسكندرية لينقل لهم خبراته ويدربهم على أدواته، ويقدّم عرض “أراجوز التيك أواي” من إخراج الفنان محمد سيد حنفي الذي يعرض لخطر الحياة الاستهلاكية على الصحة العامة.
ويعود مساء لبيت السناري ليبدأ السهرة بندوة حول استلهامات الأراجوز في السينما المصرية، يعقبه عرض “أراجوز السينما” من إخراج الفنان مصطفى الصباغ، ثم عرض “أراجوز أساطير بلاد العجائب”.
أما اليوم الثالث من المهرجان فسيشهد احتفاء بالكاتب الإسباني الراحل فيديريكو غارثيا لوركا (1898 – 1936) بالتعاون مع المركز الثقافي الإسباني، حيث ستقدّم الفرقة أحد نصوصه مستخدمة أدوات الفرقة الشعبية المصرية في رسالة تؤكّد أن الأراجوز المصري قادر على التعبير عن مختلف الثقافات، كذلك لإلقاء الضوء على إنتاج لوركا لمسرح الدمى والذي لا يعرفه الكثيرون.
ويأتي العرض تحت عنوان “لوركا والأراجوز” ليلقي الضوء على حياته وإبداعه من خلال العرض، كذلك ستقام ندوة حول الأراجوز والآداب العالمية في مقر المركز، وسيقدّم في ذات اليوم داخل مقر بيت السناري عدد من عروض الأراجوز أيضا.
أما اليوم الرابع والأخير فسيشهد ختام المعرض وندوة حول استلهامات الأراجوز في المسرح عبر عرض “أراجوز وشكوكو” من إخراج صلاح بهجت، يعقبه عرض “قصة الأراجوز”.
ويأتي المهرجان الثاني للأراجوز في إطار مبادرة فرقة ومضة لصون الأراجوز والحفاظ عليه كأحد العناصر الثقافية الهامة في مصر والعالم العربي.
ويقول المؤرخون إن أصل نشأة الأراجوز تعود إلى العصر الفرعوني، حيث كان يسمى “إرجوس”، وهي تعني “يصنع كلاما معينا”، ومنها اشتقت كلمة “أراجوز”، وهو اسم يعود إلى العصر العثماني، حيث كان يسمى وقتها “قراقوز” أو “الأرا أوز”، وتعني “العين السوداء”، سُمي بهذا الاسم ليعكس فكرة النظر إلى الحياة بمنظار أسود، وازدهر هذا الفن الساخر في أواخر العصر المملوكي قبل الغزو العثماني لمصر.
وفي العصر الحديث، كان الأراجوز سببا في ظهور مسرح العرائس الشعبي، الذي تأسّس عام 1960 على يد المونولوجست والفنان المصري محمود شكوكو، الذي كان يلقب بـ”شارلي شابلن العرب”، فكان يرتدي جلبابه وطرطوره الشهير ليقدّم عروضا مصاحبة مع الأراجوز، بعد أن تفرّغ تماما في أواخر الأربعينات ليصنع العرائس الخشبية التي قدّم بها تلك العروض، ومن هذه العروض “السندباد البلدي” و”الكونت دي مونت شكوكو”، حتى افتتح مسرح العرائس الشعبي.