الأديب البشير الدامون: إذا تجاوز المخرج أربعة أفلام من كتابته يصبح إجحافا

هناك وسيلة ليتصالح الأدب والسينما في المغرب.
الخميس 2023/11/16
لدينا كتاب سيناريو وأدباء جيدون

العلاقة بين الأدب والسينما علاقة تكامل، فالكثير من الأفلام الناجحة كانت في أصلها روايات أو قصصا، لكن التغاضي عن التكامل بين العالمين والإغراق في سينما المؤلف قد يضران بكليهما ويعطلان تطور حركة الإنتاج. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتب والسيناريست المغربي البشير الدامون حول علاقة السينما بالأدب وهو الذي خبرها في أكثر من عمل.

في حوار مع “العرب” يتطرق الأديب البشير الدامون إلى واقع الإنتاج السينمائي وعلاقة المخرجين بكتاب السيناريو من زوايا مختلفة.

بداية يتحدث الكاتب عن فكرة تحويل روايته “سرير الأسرار” إلى فيلم، يقول البشير الدامون “يمكنني القول إن رواية ‘سرير الأسرار’ ربما كانت محظوظة، إذ تم طلب تحويلها إلى فيلم سينمائي من قبل ثلاثة مخرجين، وتقريبا في وقت واحد. فكان أن فضلت المخرج الأستاذ الجيلالي فرحاتي، والذي لم تكن تجمعني به علاقة من قبل، لكنني كنت معجبا بالأفلام التي قام بإخراجها لما تحمله من رؤية فنية خاصة وجمل سينمائية جذابة”.

ويضيف “الجيلالي كان قد سمع عن النص وقرأه وأعجب به بشكل كبير وبعدما اتصل بي رحبت بالفكرة. ولقد طلب مني أن أبدي موافقتي على أن يتصرف في الرواية وأن يقوم هو بكتابة السيناريو فوافقت لإيماني بطريقة اشتغاله الفنية، خاصة وأنه كان قد راكم إخراج عدد من الأفلام لقيت صدى طيبا لدى عشاق السينما الجادة”.

الرواية والفيلم

d

يتحدث الدامون لـ”العرب” عن العوامل التي دفعته إلى الموافقة على تحويل عمله الأدبي إلى فيلم سينمائي رغم أزمة السينما المغربية موضحا “قد يكون تحويل عمل أدبي إلى  فيلم سينمائي حلم معظم الكتاب. فأنا مازلت أؤمن بأن أكبر جائزة تقدم للكاتب هي قراءة إبداعاته من طرف عدد كبير من القراء، وحين تتحول هذه الإبداعات إلى نص مرئي طبعا سيكون إحساسه بالرضا أكثر ما دام العمل السينمائي يشاهد من قبل عدد كبير من المتلقين”.

ويبقى الحافز الأكبر بالنسبة إليه هو أن رواية “سرير الأسرار” تحكي ما هو مسكوت عنه في مجتمعنا، تحكي معاناة نساء (بائعات هوى بائسات) ينتمين إلى ما هو تحت القاع الاجتماعي، وأحس الكاتب بغبطة حين رأى “صرخته” أو روايته عن أحوالهن وعن معاناتهن تصل إلى عدد كبير من الجمهور.

 ويقول عن المقارنة بين اقتباس رواياته في الفيلم وقصة الرواية الأصلية “كل اقتباس هو خيانة. لا أظن أن هناك اقتباسا مباشرا لرواية ما خلال تحويلها إلى فيلم سينمائي. لغة الكتابة ليست هي اللغة السينمائية والجمل التعبيرية والبلاغية في الأدب ليست هي الجمل السينمائية. كما أنه عادة ما يتطلب تحويل المادة المكتوبة إلى مادة سينمائية الكثير من التحوير. أظن أن تحويل رواية ما إلى فيلم سينمائي هو إعادة كتابة تلك الرواية بنفس سينمائي. ورغم أن الجيلالي فرحاتي حور ولخص النص الروائي إلا أنه حافظ على جوهر الرواية وربما أظن أنه زادها قيمة فنية مضافة”.

ويضيف “كنت مشتركا لكن ليس نشطا. كان الجيلالي فرحاتي يستشيرني في بعض المشاهد، كما أنه عرض علي السيناريو لإبداء رأيي قبل إخراجه. فوجدت أنه اقتصر على جانب من الرواية وكان محقا، لأن الرواية تشمل مشاهد يصعب تصويرها في فيلم سينمائي مغربي (بسينما المؤلف)، مشهد البطلة تسبح مع الحوريات في البركة، مصارعة الخنازير…  وغير ذلك. المخرج اقتصر على جوهر النص الروائي أي علاقة الفتاة اللقيطة البطلة بعوالم الدار الكبيرة، والتي هي دار لممارسة الدعارة الرخيصة من طرف نساء ضحايا للفقر والتهميش، وتساؤلاتها الوجودية عن معنى الحياة في هذه الدار”.

تحويل المادة المكتوبة إلى مادة سينمائية يتطلب الكثير من التحوير، فلغة الكتابة ليست هي اللغة السينمائية

يشاركنا الدامون تجربته مع الكتابة التصويرية قائلا “كانت أول مرة لي أقف فيها أمام الكاميرا لأمثل دور الفقيه سي الأمين، وهو شخصية متدينة وطيبة قرر أن يرعى الفتاة اللقيطة، بطلة الفيلم، حتى لا تنحرف، والتي قامت بتربيتها المرأة المسماة ‘الزاهية’ المشرفة على تلك الدار. ولقد أصر الجيلالي فرحاتي على أن أقوم بتشخيص دور الأمين في الفيلم رغم رفضي في البداية، معتبرا أن سي الأمين الذي حاول إنقاذ تلك الفتاة من تداعيات العيش وسط ماخور متعفن، ليس سوى كاتب الرواية (أنا)”.

ويقول عن التحديات الرئيسية التي واجهته خلال عملية تحويل روايته إلى فيلم وكيفية تعامله معها “أعود إلى أدائي لشخصية سي الأمين؛ لقد كنت متخوفا من طريقة أدائي، فلم تكن لدي خبرة في التشخيص اللهم أدوار مسرحية خلال مسيرتي المدرسية. ثانيا كنت متخوفا من ألا تنجح عملية التحويل أو يعترضها طارئ ما. قلق كانت تطفئه مشاهدة المخرج والطاقم لما كانوا يقومون به من اشتغال بمسؤولية وتفان. وتبقى التحديات الكبرى هي التي كانت تواجه عادة كل مخرج. وعليه أن يجد لها حلا وقد تكون في جوانب متعدد سواء على المستوى الفني أو اللوجستيكي أو الفضاءات أو المشخصين”.

ويلفت إلى أن أكبر حدث وقع له أثناء التصوير هو أنه كان ينتظر دوره للتمثيل ريثما يتم تهييء الفضاء، فقرر أن يتمشى بين الدروب حيث يتم تصوير الفيلم (أزقة المدينة القديمة بتطوان) وإذا به يدخل دربا ضيقا لم يدخله منذ عقود، فوجد امرأة جالسة في باب إحدى الدور القديمة الصغيرة، “كانت تشتغل عاملة للجنس -حين كنت طفلا- في الدار الكبيرة التي حكيت عنها. كانت المرأة في حالة من الفقر الشديد، وكانت تتسول”. 

المخرج وكتابة السيناريو

البشير الدامون: أكبر جائزة تقدم للكاتب هي قراءة إبداعاته من طرف عدد كبير من القراء
البشير الدامون: أكبر جائزة تقدم للكاتب هي قراءة إبداعاته من طرف عدد كبير من القراء

 ويقول عن التفاعل الذي حظي به الفيلم مقارنة بالرواية “تحويل رواية ما إلى فيلم سينمائي من الضروري أن يخلق جدالا وتضاربا في الآراء لدى من قرأ الرواية وشاهد الفيلم. فحينما نقرأ رواية ما، نضع لها ‘إخراجا سينمائيا’ ذهنيا في أذهاننا ويكون هذا ‘الإخراج’ حاملا رؤيتنا لمضمون الرواية، ويحمل تصوراتنا للأحداث والشخصيات والمواقف. وحين نشاهدها بإخراج آخر قد نعلن تقبلنا له أو رفضنا له”.

وبالفعل كان الدامون يتوق إلى معرفة ما قد يقع لدى المتلقي عند مشاهدته للفيلم، وقد شاهد الفيلم ثلاث مرات في المهرجانات، بمعنى وجود جمهور غفير، يقول “كم تأثرت حين شاهدت لمرتين نساء يذرفن الدموع تأثرا بالفيلم، في مشهد الحمام وفي المشهد الذي كانت تخاطب فيه الزاهية صاحبة الماخور، التي قامت بتربية البطلة، وتترجاها بأن تظل معها بعدما عرفت الفتاة أنها لقيطة. أنا نفسي وجدت الدموع تنهار من عيني. كنت أقول الحمد لله لقد أوصلت رسالتي، ودق الطبول الذي قمت به في كتابة الرواية لأثير اهتمام المتلقي قد وصل صداه إلى قلوب المشاهدين”.

ويضيف “عادة ما تتضمن الروايات القابلة للتحويل السينمائي حكاية ووقائع وأحداثا تحمل في طياتها حبكة فيلمية، وهناك كتاب، عبر العالم، تجد في كتاباتهم الروائية قابلية التحويل إلى السينما. وهناك كتابات، وخاصة التي تحمل الطابع التجريبي، قد يستحيل تحويلها، أو قد تكون قابلة للتحويل، ولكن بصعوبة ورؤية فنية خاصة، والأفلام في هذا المجال نادرة”.

اقتباس السينما من الأدب مازال ضعيفا في المغرب لعوامل متعددة، أبرزها أن المخرج يريد كتابة سيناريوهات أفلامه بنفسه

 كما نوه بأحد أعماله الحديثة قائلا “كتبت سيناريو لرواية ‘هديل سيدة حرة’ وهي رواية مليئة بالتشويق وبالأحداث التاريخية والرسائل عن السيدة الحرة، وهي أميرة حكمت شمال المغرب في بداية القرن الـ16، في زمن صعب تكالبت فيه المصالح الإسبانية البرتغالية والعثمانية على المغرب، وزمن الصراعات السياسية الداخلية المغربية بين الوطاسيين والسعديين. وشكلت هذه الأميرة حالة استثنائية في التاريخ العربي والإسلامي، وحاولت أن توفق بين ما هو سياسي وعسكري وبين ما هو تجاري لضمان عيش لائق لأهلها. ظلت تحلم بحمامة السلام لتتوقف هذه الحروب التي تأكل بني البشر تحت غطاء ديني”.

ويتابع “قدمت هذا المشروع بمعية المخرج الأستاذ نسيم العباسي الذي هو شخص مثقف مهووس بإعجابه بالسيدة الحرة، وللأسف لم يقبل السيناريو من طرف لجنة الدعم السينمائي بالمركز السينمائي المغربي ربما لارتفاع كلفة الإنتاج. أما روايتي ‘حكاية مغربية’ فقد طلبها مني مخرج ليشتغل عليها وهو بصدد وضع سيناريو لها”.

 ويرى البشير الدامون أن عملية الاقتباس مازالت ضعيفة في المغرب لعوامل متعددة، أبرزها أن المخرج عادة ما يرغب في أن يقوم بإخراج فيلم يكون هو كاتبه، ويعتقد أن هذا من حقه، لأنه عادة ما يملك المخرج رؤية سينمائية خاصة به ويفضل أن يقوم هو بكتابة وإعداد السيناريو، إلا أنه يرى هذا الموقف موضوعيا في حدود فيلم أو فيلمين أو ثلاثة أفلام على أقصى تقدير، إنما أن يخرج وينتج مخرج ما أربعة أفلام أو أكثر من سيناريوهاته فهذا إجحاف في حق الإنتاج السينمائي في المغرب، لأنه ببساطة يتعامى عن وجود كتاب جيدين للسيناريو، ووجود روايات رائعة -يتحدث هنا عن المغرب- قابلة للتحويل والاقتباس. ومن المؤكد أن تحويل هذه النصوص سيكسب المخرج والمنتج قيمة مضافة في مجال إبداعاتهما، وهناك تجارب كثيرة في هذا المجال. فيلم “سرير الأسرار” حصل على أربع جوائز وطنية ودولية. ويرى أنه لا بد أن يتم تصالح ما بين الأدب والسينما في المغرب.

12