الأديبة بلقيس بابو لـ"العرب": "الطلقة الأخيرة" تنتصر للقيم الإنسانية في زمن الحروب النفسية والمادية

رغم أنها لم تعش تحت وطأة الحرب ولم تعرف الحروب وآثارها إلا من متابعة الأخبار والتقارير الصحفية عبر وسائل الإعلام القديمة والحديثة، استطاعت الكاتبة المغربية بلقيس بابو أن تخط قصة “الطلقة الأخيرة” لتعلن من خلالها عن موقفها الرافض للحروب بأنواعها، معتمدة على أسلوب سردي متماسك وخيال خصب وحوارات واقعية أهلتها للفوز بجائزة فرنسية مرموقة.
الرباط- فازت الأديبة المغربية الدكتورة بلقيس بابو بالجائزة الثالثة عن قصتها “الطلقة الأخيرة”، إثر مشاركتها في المسابقة التي نظمها مركز الدراسات والأبحاث “ذرا” في فرنسا بدورته السادسة، والتي حملت اسم “جائزة يوسف إدريس”، إذ تميزت القصة بإبداعها وسط منافسة شديدة، حيث اختارت لجنة التحكيم أربعين قصة من بين ألف مشاركة، لتتألق “الطلقة الأخيرة” وتحصد المركز الثالث عن جدارة.
في هذا السياق تقول الأديبة عن هذا الانجاز في حوار لصحيفة “العرب”: “شاركت في مسابقة يوسف إدريس بدافع التحدي وإثبات الذات بالكتابة في موضوع لم أعايشه أبدا، وكانت ثيمة الحرب مناسبة لهذا الدافع لكنها كانت صعبة جدا في الوقت ذاته، خاصة بالنسبة إلى شخص لم يعش ظروف الحرب وأوجاعها، عدا ما يمكن أن يراه على التلفاز، لهذا فقد جاء خبر التتويج حاملا معه فرحة جميلة ونشوة نجاح التحدي، واعتبرت ذلك حافزا قويا على المضي في الكتابة السردية والعمل على تطويرها نحو الأفضل.”
وتشدد الكاتبة على أن “القصة وليدة الخيال بكلّ تأكيد، لكن الإبداع الهادف في تقديري يأتي نتيجة تفاعل ذات المبدع مع جملة من العوامل الخارجية في محيطه الاجتماعي أو القومي أو الإنساني، وواقعنا اليوم كما تعلمون موبوء بمظاهر المعاناة الإنسانية، كما حاولت من خلالها تصوير مدى بشاعة الحروب ومخلفاتها من موت ودمار، حيث تفقد الإنسانية أدنى قيمها، وبما أنها قصة قصيرة فقد حاولت تكثيف مشاهد العنف وأثره على البيئة والإنسان الذي قد يعيش في زمن الحرب تناقضات وصراعات نفسية عميقة قد يطول أمد علاجها وقد يستحيل.”
وتذكر بابو بأن “المكان أو الفضاء عامة في الإبداع السردي ليس مجرد حيز مادي تقع فيه أحداث بل هو عامل مؤثر تأثيرا قويا في الصراع الدرامي، يكفي أن نتذكر البحر في رواية إرنست هيمنغواي الشهيرة ‘العجوز والبحر’، فالمكان لا يحضر بوصفه معطى جغرافيا كما هو في الواقع فقط، بل يتحول إلى مكان نفسي يتفاعل مع نفسية الشخصيات، تؤثر فيه ويؤثر فيها، لذلك لا بد أن يتلاءم مع أجوائها النفسية والوجدانية، وهذا ما دفعني إلى تأثيث الأمكنة (الطريق/ المدينة/ المنزل..) تأثيثا يمنحها قدرة على شد اهتمام المتلقي وكسب تعاطفه وتزيد من تشويقه.”
وتابعت أن “استخدام ضمير الغائب في هذه القصة، ليس اختيارا اعتباطيا بقدر ما هو ضرورة فنية يفرضها موضوع القصة وتفاصيلها والهدف منها، ففي هذه الحالة يصبح السارد عليما بظاهر الشخصية وأسرارها وكأنه كاميرا مجهرية تمكّن المتلقي من رصد أحوال الشخصية وقراءتها من الداخل والخارج، وكذلك تسليط الضوء على محيط الشخصية الخارجي مما يدفع القارئ إلى التفاعل معها أكثر.”
وحول دور الأدب في تعزيز هذه القيم في عالم مليء بالصراعات تقول بلقيس “كان الأدب الحقيقي دوما وإلى يومنا هذا هو الأدب الحامل لرسالة تحرك المشاعر وتنبه العقول المتيقظة لموضوع يخص الإنسانية، وقصة ‘الطلقة الأخيرة‘ ولّدتها الرغبة في التعبير عن موقف رافض لآثار الحرب المدمرة للعمران والطبيعة والعلاقات الإنسانية، لذلك فالقصة عبارة عن رسالة استنكار وفي الوقت ذاته تحمل إبرازا لحاجة هذا العالم إلى قيم إنسانية نبيلة تُمارس قولا وفعلا.”
"الطلقة الأخيرة" قصة ولّدتها الرغبة في التعبير عن موقف رافض لآثار الحرب المدمرة للعمران والطبيعة والعلاقات الإنسانية
وتفسر كيف توفق بين الوصف الذي يشحن القصة بالمشاعر والحوار الذي يعزز التفاعل الدرامي “غالبا ما يتم توظيف الوصف في بعض الكتابات السردية في شكل محطات توقيف لمسار الحدث، بينما وأنا أكتب أفضل أن يتزاوج الوصف والسرد والحوار بالتزامن وليس بالتعاقب، فوصفي للأزقة صاحَبَه تنقل الجندي عائدا إلى بيته، ووصفي للمنزل رافقه سرد أطوار مأساة الأم والأبناء، وقد تخللت ذلك لقطات حوارية عبّرت عن هول المأساة وعمقت من حدة الصراع الدرامي وغاصت في أعماق نفوس الشخصيات.”
“القصة تكتب رغما عنا”، ذلك ما تؤكده الكاتبة المغربية، لكنها تشدد على أنه “مع ذلك نحاول أن نكتب بوعي ولو تحت تأثير هيجان المشاعر والتعاطف مع الشخصيات، لذلك نراعي انتظار القارئ أيضا، فمن حقه أن يساهم في بناء المحطة النهائية، وبما أن زمن الحروب لم ينته بعد، فلمَ لا نورط القارئ بشكل من الأشكال في البحث عن أجوبة عبر طرحه لجملة من الأسئلة: من أطلق؟ وكيف؟ ولماذا؟”
وتتذكر بابو كيف لاحظ بعض النقاد الوعي في كتاباتها السردية، وتقول “الحقيقة بحكم تنويعي لأشكال الكتابة فإنني أحاول ألا أبقي على حواجز بين شكل أو جنس أدبي وآخر، فقد تجدني أحبذ الشكل القصصي في القصيدة أو أوظف بعض خصائص الخطاب الشعري في القصة مثل التكثيف والإيحاء والتعبير المجازي وغيرها، إذ أن الكتابة الأدبية في تقديري لا تخضع لقوالب أو نماذج محددة سلفا. بكل صراحة، طبيعة النص هي التي تقودك إلى اللغة وطرائق التعبير التي تكتب بها وليس العكس.”
ورأت الكاتبة المغربية أن إطلاق اسم يوسف إدريس على الجائزة التي يقدمها مركز الدراسات والأبحاث “يحمل رمزية عميقة لأنه يحيل على اسم كبير ومبدع رائد، قدم للكتابة القصصية خدمات تجاوزت عبرها حدود الوطن العربي، ومن حظي أنني أتخذه قدوة، خاصة أنني أتقاسم وإياه اهتمامات مهنية وأدبية.”
أما عن مشاريعها على المدى القريب فتقول لـ”العرب”: “لدي مجموعة قصصية جاهزة وكذلك ديوان شعري بصدد الطبع، ولي كذلك رواية في مرحلة التنقيح الأخيرة وأخرى قطعت أشواطا في كتابتها فضلا عمّا قد يجود به الإلهام في القادم من الزمن من شعر أو نثر، بينما بالنسبة إلى تحويلها إلى عمل درامي، لا يمكنني أن أعرف ذلك، ربما تلعب الصدف دورها ويقرأ حوارنا أحد المهتمين.”
والدكتورة بلقيس بابو تخرجت من كلية الطب عام 2000، وتخصصت في أمراض القلب والشرايين عام 2007 لتصبح واحدة من الكفاءات الطبية المتميزة في هذا المجال.
وإلى جانب مسيرتها المهنية، تعد الدكتورة بلقيس شخصية فاعلة في المجال الثقافي والأدبي، حيث ساهمت في تأسيس ملتقى الشعراء العرب وتشغل منصب مسؤولة العلاقات الخارجية فيه.
حاولت من خلال "الطلقة الأخيرة" تصوير مدى بشاعة الحروب ومخلفاتها من موت ودمار، حيث تفقد الإنسانية أدنى قيمها
ونشرت نصوصها الأدبية في العديد من المواقع والمنصات الثقافية، منها: موقع “حانة الشعراء”، موقع “آفاق حرة” في الأردن، موقع مجلة “أزهار الحرف” الشهرية الإلكترونية، مجلة “القصة”، موقع “عالم الثقافة” بمسقط، موقع “العربي اليوم” في مصر، موقع اتحاد الأدباء الدولي، موقع المنتدى الثقافي العربي الأسترالي، موقع الاتحاد الدولي للفنون والصحافة والإعلام، إضافة إلى جرائد ورقية مثل “العراقية الأسترالية”، “الشرق”، و”بيان اليوم”.
وتم توثيق أعمالها الأدبية وترجمة سيرتها في العديد من الإصدارات، منها كتاب “تغريد البانسو” للأديب المصري ناصر عبدالحميد (2021)، موسوعة “من أزاهير الأدب” التي صدرت في ثلاثة أجزاء عن ملتقى الشعراء العرب، ومعجم الشعراء والكتّاب العرب الصادر في الأردن، إضافة إلى موسوعة “شموع الأمل” باللغة الإنجليزية من إعداد عبدالله القاسمي.
وشاركت الدكتورة بلقيس في العديد من اللقاءات العلمية والأدبية داخل المغرب وخارجه. كما أصدرت ديوان شعر بعنوان “رقص النوارس” عن دار النشر الإخوان السليكي بالمغرب، ومجموعة قصصية بعنوان “يوميات طبيبة” عن دار إسكرايب للنشر والتوزيع بالقاهرة في يناير 2021.