الأديبة إيمان سند لـ"العرب": كُتاب الأطفال بعيدون عن الإصابة بالاكتئاب

الكتابة للأطفال عمل لا يقدر عليه سوى الكبار، فهي من أصعب أنواع الكتابات لما تتطلبه من دراسة وخبرة وفهم لنفسية الطفل، لمعرفة كيفية التأثير فيه وإقناعه وبناء شخصيته، فالطفل قارئ لا يمكن خداعه. لاستجلاء عوالم الكتابة للطفل كان لـ”العرب” هذا الحوار مع الكاتبة والأكاديمية المصرية المختصة في أدب الطفل إيمان سند.
تخصصت الكاتبة والأكاديمية إيمان سند في الكتابة للصغار على مدى سنوات، دون أن يشغلها ذلك عن كتابة الأدب بشكل عام، حتى بلغ عدد إصداراتها مئة وعشرين عملا، وستصدر لها في الدورة المقبلة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب عدة أعمال، تشمل مجموعة قصصية للكبار، ورواية للأطفال بعنوان “سندريلا لا تحضر حفل الأمير”، وطبعات جديدة لروايتي “حجر رشيد” و”مولودة القمر”.
هي كاتبة تعشق التاريخ وتنسج منه حكاياتها، كما تقول في حوارها لـ”العرب”، وهي “لبلابة تأبى التسلق وتفضل الطيران” حسب أولى عباراتها في مجموعتها القصصية “السرب”، التي سبق أن وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة ساويرس الثقافية في مصر.
الكتابة مسؤولية
تنطلق “قصة قلم” الكاتبة المصرية مع أدب الطفل، وفقا لعنوان إحدى قصصها، فبدأت بترجمة قصص الأطفال ونقل التجارب العالمية، لتتساءل وقتها “لماذا لا نملك تجارب مثلها”، حتى تعرفت على الكاتب الكبير الراحل عبدالتواب يوسف، المتخصص في أدب الطفل، الذي أرشدها وأفادها في هذا المجال، وتفتخر بأنها تمتلك مجموعة نادرة من كتبه بإهدائه.
عندئذ قررت سند أن تبدأ بالكتابة لمرحلة أطفال ما قبل المدرسة، وأنجزت في فترة قصيرة حوالي خمسين قصة متنوعة، عن البيئة والحيوانات والطيور التي أوشكت على الانقراض، وعن العالم من حولنا، وأهمية الصداقة في حياتنا، بالإضافة إلى قصص أخرى تعليمية لنفس المرحلة؛ تُعلم الأطفال القراءة والكتابة من خلال الرسم والتلوين والتوصيل، والتشكيلات المختلفة، بعنوان “تعلم والعب مع الحروف” وصدرت في تسعة أجزاء.
ولا تنسى الكاتبة المصرية حين أنهت إلقاء قصصها على الأطفال في إحدى المكتبات العامة ذات مرة، فوجدتهم يتجمعون حولها بعدها قائلين إنهم يستمتعون بالحكي وقراءة قصصها، فسعدت بهذا لكنها قالت لهم “لولا أنكم كنتم معي وأنا أحكي ما تعرفتم علي”، فردوا “بل أنت مشهورة، ونريد التقاط صورة معك”.
لكن إيمان سند، كما تقول لـ”العرب” بابتسامة هادئة، تعرف يقينا أن كُتاب الأطفال غير مشهورين، فالطفل لا يقرأ اسم كاتب القصة التي يحبها، لكنه بالتأكيد يتأثر بمحتواها، وهذا ما تحبه بالتحديد في ما تنجزه. وترى أن المبدع لديه منحة من الخالق، بالتالي فهو شخص مختلف، لا تنطبق عليه صفات الشخص العادي، فما يسعده ربما لا يسعد غيره، لذلك فهي راضية عما حققته وتسعى بدأب لاستكمال مشروعاتها في الكتابة.
وتقول “لعلي لا أذيع سرا إذا قلت إن كتاب الأطفال بعيدون تماما عن الإصابة بالاكتئاب، فكلما أتعبتنا الحياة وأرهقنا الناس لجأنا للولوج إلى عالم الطفل، فنجد راحتنا هناك”. في المقابل ذهبت بعض الكتابات النقدية إلى أن قصص “السرب”، المجموعة القصصية الصادرة عام 2018 لإيمان سند، تحمل حزنا دفينا، ما فرض السؤال على حوار “العرب” مع الكاتبة، كيف تأتي كتاباتها زاخرة بالبهجة والأمل في حين تخرج أعمال إبداعية أخرى مفعمة بالحزن؟
“الحزن جزء أساسي في الحياة وله أسباب متعددة”، هكذا ترد، موضحة أننا إذا كنا نكتب بصدق فلا بد أن يظهر الحزن في كتاباتنا للكبار، فهو كاشف للحالة، ومعبر وصادق، أما في حالة الكتابة للأطفال فإن الحزن يكون صادما لهم، لذلك نحن ندخل عالم الطفل بالبهجة، وكل الأشياء الإيجابية والمحببة له، حتى ينخرط في العالم الواقعي، كما لو كنا نمهد له ما سيراه من أشياء مؤلمة.
وصلت مجموعة “السرب” إلى القائمة القصيرة في جائزة ساويرس الثقافية بمصر، وفي بدايات الأكاديمية إيمان سند نالت قصة لها بعنوان “أفضل عمل” جائزة أفضل عمل للأطفال، ما أتاح لها الاشتراك في إعداد منهج قصصي للأطفال تم تدريسه في الدول العربية، ثم حصلت على جائزة اتحاد الكتاب عن أفضل عمل للأطفال عام 2019 عن قصة “الأميرة عالية والسيف المسحور” وتمت طباعتها في مكتبة الأسرة. ولا تنكر أنه أصبح لدينا كُتاب يكتبون من أجل الجوائز، وتعتبر ذلك من عيوب هذه الجوائز التي يُفترض أن تكون فائدتها الحقيقية الدعم والتشجيع.
تولت سند العديد من المسؤوليات المرتبطة بالطفل داخل القطاعات المختلفة بوزارة الثقافة المصرية، إذ أشرفت على جناح الطفل بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في أكثر من دورة، وفي عام 2014 قرر الأكاديمي الراحل جابر عصفور وزير الثقافة آنذاك ندبها للإشراف على المركز القومي لثقافة الطفل.
وبنبرة حزن تصف جابر عصفور بأنه كان أبا حقيقيا لها ومعلما، وتمنت أن تتعلم منه الكثير في الدراسة والأدب وليس في مجال العمل فقط، لكن الإنسان لا ينال كل أمانيه، وكان يرى أنها تجيد التعامل مع الأطفال وتطرح قضاياهم جيدا وتكسب أي قضية تخصهم. ولا تنسى دعمه في إقامة آخر مهرجان لسينما وفنون الطفل الذي أشرفت عليه، وخرج بأبهى صورة وأقيم حفلا افتتاح وختام المهرجان في المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية بدعم الفنانة إيناس عبدالدايم المسؤولة عن الأوبرا وقتها.
◙ كُتاب الأطفال غير مشهورين، فالطفل لا يقرأ اسم كاتب القصة التي يحبها لكنه بالتأكيد يتأثر بمحتواها
خطط وأفكار وأحلام، عبرت عنها إيمان سند خلال فترة رئاستها المركز القومي لثقافة الطفل التي استمرت عامين حتى 2015، منها حلم إطلاق قناة فضائية مصرية خاصة بالطفل أسوة بدول عربية، كالسعودية والإمارات وقطر، وضرورة إبداع شخصيات أكثر لأطفالنا باعتبار أنه لا يُعقل أن يكون لدينا “بوجي وطمطم” و”بكار” فقط وألا يظهر عمل جديد يشبه “الليلة الكبيرة” على مسرح العرائس، لكن ما الذي تحقق حتى الآن رغم مرور السنين؟
تجيب قائلة “كنت أعمل بشكل كبير وبخطوط متوازية لتحقيق أحلام كثيرة للأطفال فقد توحدت معهم في أحلامهم. وكان استمرار مهرجان سينما وفنون الطفل حلما، وكان إطلاق قناة فضائية لهم حلما، وتطوير الحديقة الثقافية التي تضم نشاطاتهم حلما وإصدار كتب لهم وكتب يكتبونها بأيديهم حلما، كل تلك الأحلام كانت تراودني لهم، وسعيتُ وحققتُ بعضا منها، واستكملها من جاء بعدي وأضاف إليها.. تلك خطواتنا في الحياة”.
وما زالت تحلم بأن يكون للطفل معرض للكتاب خاص به، مثلما كان لنا معرض للكتاب في طفولتنا، بحيث ينتظر الطفل إقامة معرضه في عيد الطفولة كل عام في شهر نوفمبر، ويحتفل بذلك العيد داخل المعرض الذي سيكون بمنزلة عيد قومي لكل الأطفال، ليجد الطفل في المعرض كتابه الذي يحبه، ويمارس فيه أنشطته مع أقرانه، كما يشاهد فيه كل جديد يتعلق بعالمه، عالم الطفولة الجميل.
وتعتبر إيمان سند نظام التعليم هو المسؤول عن نموذج الطفل النمطي فاقد القدرة على الإبداع والاختراع، بسبب أسلوب الحفظ واسترجاع المادة العلمية وقت الامتحان. وتؤكد أننا سوف نتخلص من التعليم النمطي حين ندرك فقط أن كل طفل حالة خاصة، وأن هناك فروقا فردية حقيقية بين الأطفال، ودون ذلك لن يكون هناك تقدم يُذكر.
حصلت الكاتبة المصرية على درجة الماجستير بتقدير امتياز عن رسالة بعنوان “تأثير استخدام المدخل القصصي في التدريس للصف الخامس من المرحلة الابتدائية في تنمية بعض القيم الخلقية”، كما نالت دكتوراه الفلسفة عن رسالة بعنوان “فعالية حقيبة تدريبية في الهوية الثقافية المصرية لمعلمي التاريخ بالمرحلة الثانوية”.
وبينما سبق لها أن كتبت أكثر من رواية تاريخية للشباب وليس الأطفال، منها “حجر رشيد” و”الملكة أحمس نفرتارى” و”سرقة زهور الخشخاش”، كشفت لـ”العرب” أنها تعكف منذ فترة على كتابة رواية عن الملك المصري “خفرع” تتمنى أن تكتمل، قائلة إن الروايات التاريخية جزء مهم وأصيل من مشروعها الأدبي.
الأفكار تغير العالم
في قصتها الصادرة عام 2021 بعنوان “البطة تعرف القمر” تدور الحكاية حول بطة تشعر بأنها قوية ومستقلة بقرارها وتكره أن تُصدر لها أمها التعليمات، لكنها تتعرض بسبب ذلك للعديد من الصعوبات، فتعود نادمة إلى حضن أمها وتأخذ النصيحة السليمة منها.
فهل قصدت الكاتبة بذلك تشجيع الوصاية الأبوية؟ وما الحد الفاصل بين التربية والوصاية؟ وهل مازالت القصص، لاسيما المنشورة ورقيا، قادرة على التأثير في تفكير الجيل الجديد؟ طرحتُ تساؤلاتي القلقة بشأن جيل الصغار الذين ربما يكونون هم الأولى باسم سلسلة قصص إيمان سند التي تحمل عنوان “كائنات في خطر” وليس فقط تلك الكائنات الحية المعرضة للانقراض.
تقول الكاتبة “أؤمن بأن التأثير والتأثر نابعان من الصدق، فمن الصعب للغاية خداع الأطفال، لذلك هم يستجيبون لك طالما لمسوا صدقك في محاورتهم، أيا تكن وسيلتك التي تستخدمها في التحدث إليهم. ولا أؤمن بالوصاية الوالدية، ولكني أعرف أن الأطفال الصغار بلا خبرة حقيقية، وليس هناك أفضل من الأم لنُعلم الطفل أن يثق بما تقوله وتعمله، وندعوه إلى طاعتها، وعدم الهروب من البيت أبدا على سبيل المثال".
◙ "كاتبة تطمح أن يكون العالم أفضل" عبارة تضعها إيمان سند في صدر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك
نالت الأكاديمية إيمان سند التكريم من أكثر من جهة داخل مصر وخارجها، فتم تكريمها في معرض كربلاء الدولي الخامس لكتاب الطفل بالعراق عام 2022، وفي نفس العام حصلت على التكريم للمشاركة في لجان الطفل بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في ثلاث دورات، كما كرمتها وزارة الأوقاف المصرية بالتعاون مع وزارة الثقافة لمشاركتها في البرنامج التثقيفي للطفل بمعرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2023.
"كاتبة تطمح أن يكون العالم أفضل"، عبارة تضعها إيمان سند في صدر صفحتها على موقع فيسبوك. وفي قصتها “الأميرة لا تنتظر” كانت البطلة تغير الأمور دائما بيدها، ولا تنتظر الآخر ومبادراته، فما الذي يمكن أن يغير العالم بشكل أسرع؛ الأفكار والكلمات أم السياسات والقرارات؟
تسأل “العرب” الكاتبة المصرية، فتؤكد يقينها بأن الأفكار هي التي تغير العالم، أما السياسات والقرارات فهي تؤثر في التغيير، مشيرة إلى أنها عرفت أشخاصا مرموقين في مجالات مختلفة كالقضاء والتدريس وغيرهما، ليست لهم علاقة بعالم الكتابة، لكنهم يرغبون -خاصة عند اكتمال تجاربهم المهنية- أن يعرضوا أفكارهم وخبراتهم على الناس عبر كتابة سيرهم الذاتية رغبة منهم في إفادة الآخرين، وربما رغبة في أن يثبتوا لأنفسهم أن حياتهم لم تمض هدرا.
وهنا، كما تقول إيمان سند في ختام حوارها لـ”العرب”، تأتي فكرة المعلم والرسول والرسالة، إذ يعتقد كثيرون أنهم يأتون للحياة بهدف إيصال رسالة ما، ويسرهم أن تصل رسالتهم.