الأخبار كالبدانة واحتساء الكحول!

بدأ جون هيوي الذي سبق وأن شغل أعلى المناصب التحريرية في صحف وول ستريت جورنال، وتايم إنك، عامه الجديد بنظرة متطرّفة للأخبار عندما عدّ ضرر متابعتها كالإفراط في احتساء الكحول والبدانة وعدم ممارسة الرياضة! مؤكدا على أنه قرّر بشكل صادم أن يستهل العام 2022 بتقليل استهلاك الأخبار.
يمكن أن نتفهم ذلك من شخص عادي دون وصف موقفه بالتطرّف، بيد أن إهمال أخبار ما يجري في العالم يعبّر عن عدم المسؤولية الشخصية. لكن أن يكون ذلك موقف صحافي أمضى أربعين عاما في صناعة وكتابة وتحرير الأخبار، ما يمكن اعتباره تهاونا مريعا في الإخلاص لجوهر الصحافة. خصوصا عندما أمعن في عدّ متابعة الأخبار غير ضرورية وتتسبب بالضرر العاطفي.
يتذرّع رئيس التحرير السابق بموقفه الصادم نتيجة سؤال صديقة له عما إذا كانت تتوفر مصادر إعلامية تنشر الأخبار الجيدة فقط. وبطبيعة الحال لا توجد مثل هذه المصادر، لأن معنى الأخبار هو نقل ما يحدث في العالم وليس ما يتمنى الجمهور حدوثه. فالأخبار السيئة تفوق في أهميتها الأخبار الجيدة. لكن دعونا نسأل لو وجدت مؤسسة إعلامية لا تنشر إلا الأخبار الجيدة، فهل سيقدم الجمهور على شراء الأخبار؟ إذا كان الأمر كذلك فقد وجدنا الحل الأمثل لأزمة الصحافة الوجودية!
الذريعة الأخرى لموقف الصحافي المثير بمقاطعة متابعة الأخبار، هو الخليط السامّ من اللاحقائق في الأخبار، وأنه عندما يتوقف عن متابعتها يعيد ضبط مزاجه الشخصي، عبر نظام إخباري قاس في حياة جديدة تستحق وفق تفكيره العيش الرائق!
السيد هيوي يفهم -بلا شك- وهو الصحافي المرموق أن التوقف عن متابعة أحداث العالم يقود لا محالة إلى الجهل، بينما هناك مسؤولية إنسانية لمعرفة وفهم العالم والعصر الذي نعيش فيه. ذلك سبب جذري في مفاهيم الديمقراطية، ولنا أن نتخيّل أي ديمقراطية يمكن أن نعيشها إذا كان الناس لا يريدون تداول المعلومات بحريّة؟ فواحدة من أهم وظائف الأخبار عرض للأحداث التي لا تصادف في مرورها على الإنسان العابر، لتزيد لديه مساحة المعرفة وترفع قدرته على فهم التنوع الهائل في التجربة الإنسانية.
ليس جون هيوي أول من يعرض علينا فكرة مقاطعة الأخبار، لكنه كان الصحافي الأول الذي يفرط بالدرس الصحافي الأهم، وليس صعبا على زملائه تفنيد فكرته السطحية.
سبق وأن حذر كاتب متخصص بفلسفة الاقتصاد من تأثير الأخبار على صحة الإنسان، معتبرا قراءتها تفاقم الخوف وتتسبب في العدوانية، وتعيق قدرة الدماغ على الإبداع وعلى التفكير العميق.
ونصح الكاتب السويسري رولف دوبلي في كتابه “الأخبار فن التفكير بوضوح: عمق الفكرة وعمق القرار” بالتخلي عن متابعة الأخبار من أجل سعادة الإنسان.
ووصف الأخبار بأنها مضللة وحشو فارغ ولا تفسر ذاتها وتسمم البدن وتزيد من الأخطاء الإدراكية وتغزو مساحة التفكير في الدماغ، وأن الأخبار كالمخدرات، وهي مضيعة للوقت وتجعل قارئها متلقيا سلبيا وتقتل الإبداع في داخله.
واجه دوبلي حينها ردودا قاسية، واتهم بالمبالغة وطرح أفكار خطيرة لعزل الإنسان عن المحيط الاجتماعي والسياسي، ليصبح فارغا ذهنيا. بينما ما سيواجهه هيوي بعد نشر مقاله الاعترافي في واشنطن بوست هذا الأسبوع، أكثر بكثير من تهمة الفراغ الذهني.