الأحزاب المصرية تنشد تصحيح صورتها عبر القوافل الخدمية

فعلت أحزاب الموالاة من أنشطتها الاجتماعية في محاولة منها لتحسين صورتها في الشارع المصري، لكن محللين وسياسيين يشككون في جدوى مثل هذه التحركات على الإقناع.
القاهرة - أعادت أحزاب قريبة من السلطة في مصر تدوير أنشطتها الاجتماعية عبر تنشيط قوافلها الخدمية والغذائية في محافظات مختلفة استعدادا لإجراء الانتخابات البرلمانية العام المقبل، ما يشير إلى حاجتها إلى تصويب صورتها الذهنية في الشارع بعد أن أخفقت في تقديم مردود سياسي مناسب، وباتت تشكل نقطة ضعف تنفذ منها بعض السهام الموجهة للسلطة في ظل ضعف الأداء العام في البرلمان.
ولم تعد تحركات أحزاب الموالاة، على رأسها حزب “مستقبل وطن” صاحب الأغلبية في البرلمان الحالي، قاصرة على قوافل المساعدات للمواطنين، حيث انخرطت في تنظيم معارض وأسواق تقدم من خلالها بعض السلع بأسعار مخفضة استكمالا لدور تقوم به وزارات مختلفة، بجانب التنوع الذي طرأ على خدماتها، مثل إقامة معارض لبيع الأثاث وتنظيم ملتقيات للتوظيف ومحاولة تحسين البيئة العامة للمواطنين في مناطق فقيرة ونائية.
وبدا تبرع حزب مستقبل وطن بمبلغ 11 مليون دولار لأحد المستشفيات التي تقوم على التبرعات الذاتية مقدمة لما سيقدمه بعض المرشحين خلال الانتخابات المقبلة من خدمات تضمن لهم حجز أماكن في القوائم الحزبية والترشح تحت اسم حزب الأغلبية، ما يشي بأن المال السياسي سيلعب دورا بارزا في الانتخابات.
يبرهن تفعيل النشاط الاجتماعي على أن السياسة مازالت غائبة عن توجهات وأفكار الأحزاب والحكومة، واللعب على وتر احتياجات المواطنين ثبت أنه وسيلة غير فاعلة سياسيا، ولم تترتب عليها زيادة شعبية الأحزاب مثلما أثبتت تجربة السنوات الماضية، وتبقى هناك قناعة للمواطنين المتوافدين عليها بأن الاستفادة من أي خدمات أو سلع تقدم إليهم تبقى أفضل من لا شيء.
كما أن حجج سد الفراغ الذي تركه تنظيم الإخوان الذي اعتمد على توزيع المساعدات في جذب المواطنين لم تعد مقبولة، لأن هناك منظمات مجتمع مدني وتحالفا وطنيا تشرف عليه الحكومة يقومان بهذا الدور، وأن تواجد الأحزاب في هذه المنطقة لم يعد مرضيا لقطاعات شعبية ولا يتماشى مع وضع سياسي حيث البلاد فيه بحاجة إلى حركة سياسية أوسع لتضييق الخناق على عودة جماعات الإسلام السياسي.
ومن وجهة نظر دوائر حزبية داخل أحزاب الموالاة، فإن التواجد الاجتماعي بين المواطنين ضروري في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، وأن الابتعاد عن توزيع الزيت والسكر بشكل مباشر أكثر وضوحا في السنوات الماضية مع الاعتماد على تنظيم الأسواق والمعارض التي تبيع السلع بأسعار مخفضة والمساعدة في تقديم الخدمات التي يحتاجها المواطنون في مناطق تواجدها.
وقال مصدر مطلع بحزب "مستقبل وطن" إن المساعدات المالية للنواب ومن أبدوا رغبتهم في الترشح على مقاعد مجلسي النواب والشيوخ المقبلة يتم توجيهها لتقديم الخدمات الاجتماعية، وذلك لا يلغي الدور السياسي الذي سوف يأخذ في التصاعد الفترة المقبلة من خلال عقد ندوات ومؤتمرات وتعريف المواطنين برؤى الحزب السياسية والاقتصادية وتقديم المزيد من التوضيح لتوجهات الحكومة في مجالات مختلفة.
وأضاف المصدر ذاته لـ”العرب” أن السياسة تراجعت بشكل عام لدى عموم المواطنين، بخاصة في القرى والنجوع التي تنشط فيها القوافل الحزبية، وهناك احتياجات معيشية تبقى أولوية بحاجة إلى جهود جهات مختفلة، بما فيها الأحزاب التي تعد أحد أركان المجتمع المدني وتعد جزءا من النظام السياسي، وبالتالي فإن الإقبال على القوافل والاستفادة من الخدمات الطبية والغذائية وغيرها يبقى أكثر أهمية من الدعوة إلى عقد ندوة سياسية، وأن الإرث التاريخي للانتخابات المصرية يقوم بالأساس على التسويق والدعاية الاجتماعية وليس السياسية.
وينظم حزب “الشعب الجمهوري” معرضا للأثاث في محافظة الشرقية (شمال القاهرة)، كما ينظم قافلة طبية تجوب بعض المحافظات، والوضع ذاته بالنسبة لحزب “مستقبل وطن” الذي ينظم قوافل مماثلة لبيع الأثاث بأسعار مخفضة ويستمر في تنظيم قوافله الطبية التي تخدم 118 ألف مواطن، وينظم الحزب قوافل بيطرية مجانية في سبع محافظات لخدمة مربي الحيوانات والمزارعين.
أكد القيادي بحزب “الوفد” حسين منصور أن المشهد السياسي يعاني حالة من الارتباك نتيجة عدم وضوح الرؤية بشأن قانون انتخابات مجلس النواب الذي كان من المفترض إقراره قبل نهاية العام الجاري كي تستعد الأحزاب للمشاركة في الانتخابات.
وأوضح منصور في تصريح لـ”العرب” أن المناخ العام الذي لا يشجع على المشاركة السياسية يجعل هناك حاجة من جانب الأحزاب إلى التواصل مع المواطنين بأشكال وطرق مختلفة بينها القوافل الخدمية التي تستهدف تحسين صورتها، ومن المتوقع أن تستمر على نفس النسق إلى حين إجراء الانتخابات وأن البحث عن القواعد التي ساعدت في أن تحصل الأحزاب على مقاعدها بالبرلمان يبقى هدفا رئيسيا إلى حين وضوح شكل الانتخابات المقبلة.ويتفق سياسيون على أن أحزاب الموالاة تنظر إلى القوافل الخدمية على أنها جزء لا ينفصل عن أدوارها لدعم الحكومة، وأن هناك بعدا خفيا في تنشيط حركتها يتمثل في إرسال إشارات لجهات حكومية بأنها تعمل على تخفيف الأعباء عن المواطنين، خاصة أن اللعب على وتر الأوضاع المعيشية ومحاولات تأليب الشارع على الحكومة ضربات سياسية موجهة للسلطة، وبحاجة إلى صدها عبر التخفيف من حدة التململ لدى بعض القطاعات في القرى والنجوع.

وذكر المحلل المصري جمال أسعد أن أدوار الأحزاب تؤكد غياب الحياة السياسية وأن غياب الرؤية لدى الأحزاب وعدم وضوح برامجها يجعلانها أكثر ارتباطا بالأدوار المجتمعية، والأمر لا ينفصل عن طريقة نشأتها وتأسيسها التي تبرهن على أنه لا وجود لقناعات سياسية بين أعضائها.
وأشار أسعد في تصريح لـ"العرب" إلى أن تلك الأحزاب في حال تصورت بأن القوافل الخدمية أحد أشكال التقارب مع المواطنين فهي واهمة، ويبرهن ذلك على أن نظرتها يغيب عنها الأفق السياسي، ويبعث نشاط القوافل برسائل سلبية لمن ينتظرون تغييرا في الانتخابات يقود إلى تلاحم حقيقي في وجه الأزمات.
ولفت إلى أن إشراك الأحزاب في حوار وطني موسع شاركت فيه المعارضة من الصعب أن تكون نتائجه الاعتماد على القوافل للدخول في الانتخابات المقبلة، وأن الرؤية السياسية كان من المفترض أن تبقى أكثر وضوحا، كما أن المجال العام كان ينتظر المزيد من الانتفاح، لأن الأحزاب بحاجة إلى جرعات أوكسجين سياسية، وأن تأييد الحكومة في حد ذاته بحاجة إلى رؤية كي يكون التأييد حقيقيا بما لا يجعل الانتقادات تنصب على السلطة جراء الدور الضعيف لتلك الأحزاب في البرلمان.