الأحزاب الشيعية العراقية تستخدم الكاظمي للإطاحة بالزرفي

بغداد - يتسارع الحراك السياسي الشيعي في بغداد لقطع الطريق على رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي الذي طلب من البرلمان عقد جلسة للتصويت على كابينته ومنهاجه الوزاري.
وخلال اليومين الماضيين، استضاف منزل زعيم منظمة بدر هادي العامري ومنزل زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم سلسلة من الاجتماعات، لبحث مصير الزرفي وإمكانية استبداله، أفضت إلى التوافق على ترشيح رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء، وإبلاغ رئيس الجمهورية برهم صالح بذلك.
وبرغم أن ممثلي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لم يحضروا اجتماعات منزلي العامري والحكيم، إلا أن الصدر أبلغ الحكيم شخصيا يوم الأحد، بأن لا فائدة من الاستمرار في دعم الزرفي، وفقا لمصادر مطلعة.
وتقول القوى الشيعية إن الزرفي هو مرشح الاستخبارات الأميركية، وهدفه تصفية القوى الموالية لإيران بمساعدة الولايات المتحدة. ولم تنفع التطمينات الداخلية والخارجية التي أرسلها الزرفي خلال الأيام القليلة الماضية، في حلحلة الممانعة الشيعية الشديدة التي يواجهها.
وذكرت المصادر، إن الصدر لم يمانع مخاطبة رئيس الجمهورية برهم صالح، بصيغة الإجماع الشيعي، للتدخل من أجل إقناع الزرفي بالإفساح للكاظمي، لكن ممثليه لم يوقعوا على طلب ترشيح الأخير.
وتخلف عن الإجماع الشيعي أيضا، رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وهو زعيم تحالف النصر الذي ينتمي إليه الزرفي.
وطلب ائتلاف النصر علنا منح الزرفي الفرصة الكاملة لاستكمال مهام التكليف، لكن المصادر تقول إن العبادي أبلغ القوى الشيعية أنه سيحاول إقناع رئيس الوزراء المكلف بالانسحاب.
لكن الفريق المقرب من رئيس الوزراء المكلف يقول إن الانسحاب ليس واردا في قاموس الزرفي مطلقا، مؤكدا أن الأخير ماض إلى البرلمان لعرض كابينته.
ويستغرب مراقبون توافق القوى الشيعية على استبدال الزرفي المتهم بأن ميوله أميركية، بالكاظمي المتهم بالتخطيط والمساهمة في مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب قائد قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في غارة أميركية قرب بغداد مطلع العام.
ويرجح مراقبون أن يكون التكتيك الذي يتبعه حلفاء إيران حاليا، هو استخدام الكاظمي لإطاحة الزرفي، ومن ثم إطاحة رئيس جهاز المخابرات، للتخلص من شخصيتين على علاقة واسعة بالولايات المتحدة والغرب والخليج العربي.
ويستخدم فريق الزرفي هذا السيناريو للتحذير من مغبة استخدام اسم الكاظمي خلال المفاوضات الشيعية المستمرة منذ أيام. واعتبر مراقب سياسي عراقي أن التلويح بالكاظمي بديلا للزرفي لا يمثل خيارا جادا بالنسبة للقوى الشيعية التي تقوم بذلك.
وعزا ذلك إلى أن الكاظمي هو الآخر تحوم حوله شبهات الارتباط بالسفارة الأميركية من وجهة نظر المعارضين لترشيح الزرفي.
في غضون ذلك، قالت وزارة النفط العراقية إن موقعا استخراجيا تشغله شركة أميركية، في مدينة البصرة الجنوبية، تعرض إلى “أربعة صواريخ مجهولة المصدر”، مشيرة إلى أن الهجوم لم يتسبب في “أية خسائر مادية أو بشرية، وقد تم تعقب مصادر الإطلاق من قبل الأجهزة الأمنية في البصرة التي أُحيل الموضوع إليها لمتابعة الإجراءات”.
وقالت مصادر مطلعة إن مجموعات مسلحة شيعية يمكن أن تتمرد حتى على إيران هي من تقف وراء هذا النوع من الهجمات، مشيرة إلى أن هذه الهجوم ربما يقع في سياق التأثير على مفاوضات تشكيل الحكومة والعمل على تخريب الاتفاق على ترشيح الكاظمي الذي تعده الميليشيات رجل أميركا في العراق.
وقال تحالف الفتح، المضلة السياسية لجميع لأهم الميليشيات العراقية الموالية لإيران إنه تابع “بقلق بالغ وامتعاض شديد الأخبار التي تحدثت عن قيام مجموعة تخريبية باستهداف منشآتنا النفطية باستهدافها إحدى الشركات العاملة في منطقة البرجسية بالبصرة”.

وبرغم الإجماع الشيعي الذي يتشكل ضده، واصل الزرفي إرسال رسائل التطمين إلى إيران وحلفائها في العراق.
ويقول الزرفي، إنه طالب السفير الأميركي بجدولة انسحاب قوات بلاده من العراق، معتبرا أن العراق “لا يحتاج إلى (..) الجيوش الأجنبية ،وقواتنا قادرة على حماية البلاد”.
ويرى مراقبون أن الزرفي يحاول مواجهة الضغوط الشيعية الهائلة المطالبة بتنحيه، من خلال استمالة إيران، عبر العزف على وترها الحساس، وهو الوجود العسكري الأميركي في العراق.
ويريد الزرفي “عكس النشاط الأميركي من عسكري إلى اقتصادي” على اعتبار أن “لا فائدة في المرحلة الراهنة من وجود الجيوش الأجنبية” على أرض العراق.
ومضى قائلا، “لا يوجد لدي عداء مع إيران ولا يوجد فيتو إيراني” على ترشيحه لرئاسة الوزراء، مؤكدا أن “إيران ساعدت العراق عسكريا واقتصاديا”.
وعاد رئيس الوزراء العراقي المكلف إلى التأكيد أن “إيران دولة جارة وصديقة، ولا ننسى من ساعدنا”.
ويعول الزرفي على دعم النواب الشيعة له في البرلمان، بعيدا عن آراء زعماء الكتل، لكنه يحتاج إلى مساندة سنية وكردية، ربما ليست مضمونة.
وتقول المصادر إن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي يقود القوة السياسية السنية الأكبر، ومسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي، القوة الأكبر في إقليم كردستان العراق، لم يبديا أي اعتراض على ترشيح الزرفي، لكنهما اتفقا معا على عدم دعمه في حال لم ينل توافقا شيعيا.
مع ذلك، يقول مراقبون إن حظوظ الزرفي تراجعت كثيرا، لكنها لم تتلاش بشكل مطلق، ما يعني أن مصيره سيتضح خلال جلسة منح الثقة، في حال عقدت.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” “إن طرح اسم الكاظمي ليس إلا محاولة لكسب الوقت من أجل الضغط على رئيس الوزراء المكلف لكي يقدم تنازلات جديدة لكتل سياسية بعينها يقف تحالف الفتح في مقدمتها”.
وتوقع أن يكون موقف مقتدى الصدر وتحالفه (سائرون) الغامض مؤشرا على أن الأحزاب الشيعية لم تحسم موقفها نهائيا ضد الزرفي.
ويعتبر طرح اسم الكاظمي بديلا أن سلة الأحزاب الشيعية باتت خالية من المرشحين الموالين لإيران. لذلك صار المطلوب الاتفاق على مرشح يكون أقل قربا من الولايات المتحدة أو الضغط على الزرفي من أجل الإبقاء على هيمنة الأحزاب على عدد من الوزارات السيادية من غير أحداث أي تغيير من شأنه أن يؤثر على مصالحها. وهو ما سيتم الاتفاق عليه من أجل أن تنال التشكيلة الوزارية الجديدة ثقة مجلس النواب.
ولم يستبعد المراقب أن يمنح النواب الشيعة منفردين ثقتهم لحكومة الزرفي وذلك من أجل عدم إحراج كتلهم السياسية التي ستظل رافضة أو مترددة في موقفها من رئيس الوزراء الذي سيضع في اعتباره ذلك الموقف في المرحلة المقبلة وبالأخص حين يكون عليه اتخاذ قرارات تمس مصالح الأحزاب.