الأحزاب السياسية تصنف الصحافيين أعداء في كردستان العراق

أربيل (العراق) – سلطت لجنة حماية الصحافيين الدولية الضوء على واقع حرية الصحافة في كردستان العراق، والضغوط التي يتعرض لها الصحافيون المستقلون من قبل العديد من الأطراف السياسية.
ونقلت اللجنة عن الصحافي المستقل غودار زيباري، القول “منذ بدأت العمل في الصحافة قبل تسع سنوات، بقيت تحت ضغط مستمر من أسرتي وعشيرتي ومجتمعي المحلي كي أتخلى عن الصحافة. وقد طلبَتْ قوات الأمن من أصدقائي أن يقطعوا علاقاتهم بي”.
ويغطي زيباري الأخبار المحلية لعدة محطات تلفزيونية وإذاعية غير حزبية، وقال إنه تعرض لاعتداءات واحتُجز عدة مرات، كما تمت مصادرة معداته أو تحطيمها. وقد بدأ يشعر بالإرهاق من الإساءات والضغوط ونقص الحماية للصحافيين المحليين، وقال إنه يفكر في مغادرة كردستان العراق.
وأضاف “لقد باتت حرية الصحافة على حافة الانقراض. ويُعتبر التحدث عن الصحافيين القتلى، من قبيل الصحافي وداد حسين، خطاً أحمر. كما أن التغطية الصحافية بشأن الفساد الذي يتورط فيه أعضاء الحزب الحاكم أو عن أي علاقة للفساد بأسرة البرزاني الحاكمة هي أمر مستحيل. ولا يتمتع الصحافيون المستقلون بأي حقوق في كردستان”.
لم يخضع أي مسؤول حكومي أو حزبي أو أمني لملاحقة قضائية بسبب الاعتداءات على الصحافيين في كردستان العراق
وكان زيباري واحداً من خمسة صحافيين التقت معهم لجنة حماية الصحافيين في أربيل والسليمانية في وقت مبكر من هذا العام. وقد تحدثوا جميعاً عن الكيفية التي أدت فيها النزاعات بين الحزبين الكرديين العراقيين الرئيسيين (الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، الذي يحكم منطقتي أربيل ودهوك، والاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يحكم منطقة السليمانية) إلى بروز مشاكل تؤثر على الصحافيين وعلى الناس الذين يقابلونهم في تعاملهم مع السلطات. ونظراً لهيمنة الإفلات من العقاب في حالات العنف ضد الصحافة، إضافة إلى غياب الاستقلال الحقيقي للقضاء، وعدم وجود هيئة تنظيمية للصحافة، بات الصحافيون يشعرون بالضعف ويواجهون تهديداً كبيراً بالتعرض للاعتداءات.
وقال أسوس هاردي، وهو مؤسس الصحيفتين الكرديتين المستقلتين “هاولاتي” و “أويني” إن الانقسام الحزبي زاد من ضعف الصحافيين وتعرضهم للمضايقات والاعتداءات.
وأضاف هاردي، “كل حزب يسيطر على منطقة ويدير قوة مسلحة، ولا يتم التسامح مع التنوع والنقد. وتستطيع هذه الأحزاب أن تعتدي وتختطف وتسجن وحتى أن تقتل الصحافيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ويمكن أن يتورط الصحافيون بمشاكل مع الأحزاب السياسية ومع الأفراد المنتسبين إليها. ولم يخضع أي مسؤول حكومي أو حزبي أو أمني لملاحقة قضائية بسبب الاعتداءات على الصحافيين”.
ووثقت لجنة حماية الصحافيين منذ الاستفتاء على الاستقلال حالات احتجاز ومضايقات واعتداءات وهجمات ارتكبها الحزبان ضد الصحافيين. كما وثقت اللجنة حالات قتل من قبيل مقتل الصحافي كاوا جارمايان الذي اغتيل انتقاما منه على عمله في عام 2013، وحالة مقتل المراسل الصحافي وداد حسين في دهوك التي لم تكشف السلطات فيها عن الجناة. وقال المحامي فينزير ريفينك، الذي يسعى لتحقيق العدالة بشأن مقتل وداد حسين، إن الشرطة والسلطات أخّرت الكشف عن أدلة، بما في ذلك مقاطع فيديو مصورة في المنطقة التي اختُطف فيها وداد حسين في أغسطس 2016.
وقد أرسلت لجنة حماية الصحافيين في 5 سبتمبر الجاري رسائل إلكترونية إلى وزارة العدل الكردية والمكتب الإعلامي التابع للحكومة الإقليمية الكردية لطلب الإدلاء بتعليقات بهذا الشأن، إلا أن أيّا منهما لم يجب على الرسائل.
حرية الصحافة تراجعت تحت حكم رئيس الوزراء الكردي الجديد مسرور برزاني بسبب خلفية هذا الزعيم كرئيس لأجهزة الاستخبارات والأمن الكردية
وقال هاردي إن غياب الاستقلال الحقيقي للقضاء يعني أن القوانين التي يُفترض أن تحمي الصحافيين إما أنها لا تُنفذ، أو أن الأحزاب تنفذها وفقاً لمصالحها. وقال إن الأحزاب سعت للسيطرة على منظمات المجتمع المدني، بما فيها نقابة الصحافيين – وهي هيئة تمولها الحكومة تأسست للدفاع عن حقوق الصحافيين – مما يترك الصحافيين دون حماية حقيقية.
وأرسلت اللجنة أيضا رسالة إلكترونية في 8 أغسطس إلى نقابة الصحافيين في كردستان، إلا أن النقابة لم تجب على الرسالة.
وقال كمال تشوماني للجنة حماية الصحافيين، وهو صحافي مستقل يقطن في مدينة هامبورغ الألمانية وزميل غير مقيم في معهد تحرير لسياسات الشرق الأوسط، إن وسائل الإعلام المستقلة في كردستان بدأت تتلاشى من جراء السيطرة المُحكمة التي تفرضها الأحزاب السياسية. وقد غادر تشوماني كردستان إثر تلقيه تهديدات بالقتل وبعد محاولة لاعتقاله في مارس 2018.
واعتبر هذا الصحافي، وهو يرتبط بعلاقة قرابة مع الصحافي هانا تشوماني من قناة دواروزه، بأن حرية الصحافة تراجعت تحت حكم رئيس الوزراء الكردي الجديد مسرور برزاني من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وذلك بسبب خلفية هذا الزعيم كرئيس لأجهزة الاستخبارات والأمن الكردية.
وتابع تشوماني “إن كلا من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ينظران إلى الصحافيين المستقلين كأعداء، كما أن الصحافيين هم أول من يعاني من التبعات عندما تحدث احتجاجات أو توترات بين الحزبين. ولا توجد أي حماية للصحافيين. والقضاء غير مستقل.
وتتحدد المناصب في نقابة الصحافيين بالمحاصصة بين الحزبين، وحتى لو كانت النقابة توفر أحياناً مساعدة قانونية لأعضائها، إلا أن الصحافيين غير الأعضاء في النقابة غير مؤهلين للحصول على هذه المساعدة”.