الأثرياء بائسون.. يا للعجب!

هناك تصور بأن المال يمكن أن يحصّن الإنسان ضد مشاكل الصحة العقلية، بينما يعتقد المعالج النفسي كلاي كوكريل أن الثروة يمكن أن تجعله والأشخاص المقربين منه أكثر عرضة لها.
الاثنين 2021/12/27
صراع دائم مع الهدف

قرأت شهادة مثيرة للإعجاب لطبيب نفسي يعالج الأثرياء حصرا. فليس بيننا من يزعم أنه لا يحلم بالثراء، وأقرب فكرة ستطرأ على باله بعد أن تنزل عليه الأموال، أنه سيضع ساقا على ساق ويكتفي بالتمتع بحياته. إلا أن الواقع وفق تجربة الأثرياء يقول غير ذلك، فطموح زيادة الثروة لا يتوقف عند التركيبة السيكولوجية للإنسان. لذلك لا يتوقف الأثرياء عن التفكير المقلق في المحافظة على أموالهم وزيادتها. أما متع الترف التي يحضون بها فهي أقرب الوسائل لعلاج القلق. مثلما يحلم غير الأثرياء بأبسط أنواع الترف للتخلص من وضعهم.

يختصر كلاي كوكريل المعالج النفسي وأحد أهم المدافعين عن اعتبار المشي والتحدث نوعا من العلاج، حال كل مرضاه من فاحشي الثراء بتعبير البائسين! يا للعجب ماذا نقول عن البائسين حقا في حياتهم.

ويفسر لنا ذلك بالقول “يعاني العديد من المليارديرات الذين أعالجهم من مشكلات تتعلق بالثقة، ويفتقرون إلى الإحساس بالهدف، ويصارعون الشعور بالذنب والخوف، وأحيانا يصل إلى الخزي”.

دخل هذا المعالج في مهمته المثيرة صدفة، عندما عالج ثريا نقل اسمه إلى بقية الأثرياء الذين توافدوا على عيادته، ومع أن عددهم محدود لكنهم بالتأكيد يدفعون له أكثر مما يدفع المرضى الآخرون.

طور الدكتور كوكريل قدرة التعاطف الطبي بقدر كبير مع أولئك الذين لديهم المال الوفير. لأنهم أمام تحدّ نادرا ما يكون قائما عند غير الأثرياء.

ويسوّغ لنا ذلك بمجموعة من الأسئلة كي نعتقد بما يقوله. كيف سيكون الأمر إذا لم تستطع الوثوق بالمقربين منك؟ أو إذا نظرت إلى من دخل حياتك بريبة عميقة؟ الأثرياء لا يتوقفون عن سؤال ماذا يريد الآخرون منا؟ وهل لدينا أصدقاء حقا، أم يتودد الناس إلينا بسبب أموالنا؟

إنهم يعانون من صراع دائم مع الهدف، ويبدأ الاكتئاب عندهم بتلاشي الرغبة صباحا لمغادرة السرير "تأمل هنا، أغلبنا يحب إكمال نومه لكن مسؤولية العمل تمنعه، ذلك هو الهدف المفقود عند فاحشي الثراء". يسأل الثري نفسه بمجرد فتح عيونه لماذا أهتم بالذهاب إلى العمل عندما يكون العمل الذي بنيته أو ورثته يدير نفسه من دوني؟

ويرى الدكتور كوكريل إذا تمت تغطية جميع احتياجات الإنسان وأكثر من ذلك بكثير لبقية حياته، فقد يواجه نقصا في معنى العيش والطموح. ويقول “كل مرضاي من الأثرياء يشعرون بالملل من الحياة ويفضلون الحديث عن حياتهم الجنسية أو مشاكل تعاطي المخدرات أكثر من حساباتهم المصرفية!”.

هناك تصور بأن المال يمكن أن يحصّن الإنسان ضد مشاكل الصحة العقلية، بينما يعتقد هذا المعالج أن الثروة يمكن أن تجعله والأشخاص المقربين منه أكثر عرضة لها.

لا زلت أرى أفكار الدكتور كلاي كوكريل مثيرة للإعجاب، لكنني لا يمكن أن أتخيل إنسانا عاقلا تهبط عليه الثروة فيرفضها خشية أن يشعر بالبؤس!

20