اقتصاد الظل يعيق تطور التجارة والتوزيع في المغرب

تؤكد المؤشرات أن الأنشطة التي تتم خارج الأطر الرسمية في المغرب لا تزال تتحدى الإصلاحات الاقتصادية ومساعي هيكلة منظومة التجارة والتوزيع، مما يولد منافسة غير متكافئة، ويفوّت على الدولة مداخيل ضريبية إضافية، ويعطّل مسار النمو المنظم والعادل.
الرباط - يؤثر الاقتصاد غير الرسمي في المغرب بشكل مباشر على تطور شبكات التجارة والتوزيع، ويقوّض ثقة أصحاب الأعمال، ويشوّه آليات السوق، الأمر الذي يجعل من معالجة هذه الظاهرة أولوية قصوى للدولة لضمان تطور مندمج ومستدام للقطاع التجاري.
ورغم الأهمية التي يكتسيها قطاعا التجارة والتوزيع كدعامة للاقتصاد، فقد أكد وزير الصناعة والتجارة رياض مزور مؤخرا أنهما ما زالا يعانيان من مجموعة من المعيقات التي تكبح تطورهما.
وتتقدم هذه العراقيل، وفق معطيات قدّمها مزور ضمن جواب على سؤال برلماني قدمه حزب الحركة الشعبية، “انتشار القطاع غير المهيكل، بما يحمله من انعكاسات سلبية على التجار الرسميين وعلى المستهلكين على حد سواء.”
وأوضح أنه بقدر ما تمثله التجارة الجائلة من مشاكل بالوسط الحضري، فهي تعد نشاطا مهما على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، إذ إنها تمثل شكلا من تجارة القرب تمكن من الاستجابة لحاجيات المستهلكين وتشكل كذلك مصدرا لعيش العديد من المغاربة.
ووسط الجهود المبذولة، فإن تقييمات كل من وزارة الداخلية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لهذه الظاهرة تبيّن أن معظم المبادرات واجهت بعض الإكراهات العملية.
ومن بين تلك المشكلات “توفر العقارات التجارية وصعوبة استجابة المستفيدين، وارتفاع عدد الباعة المتجولين مقارنة بالعدد الذي تم إحصاؤه في البداية، مما أثر على حصيلتها،” وفق تلك التقييمات.
وأشار مزور إلى أن من هذا المنطلق، فإنه من الضروري أن تقوم اليوم الجماعات المحلية والمجالس المنتخبة بدراسة نتائج البرامج والمبادرات واستخلاص الدروس مع التركيز على القيام بتحليل دقيق ومعمق لمنظومة التجارة المتجوّلة بأكملها.
وتطرق أيضا إلى مسألة مسالك تموينها، وتحديد مكامن الخلل حتى يتم التمكن من وضع مقاربة تأخذ بعين الاعتبار أهمية هذا المجال وكذلك الخصوصيات لكل جهة على حدة.
وحسب معطيات رسمية، يعمل في التجارة الجائلة نحو 15.6 في المئة من القوى العاملة النشطة بالبلاد، أي قرابة 1.6 مليون شخص. كما أنها تسهم في توليد ثروة بقيمة مضافة بلغت 151 مليار درهم (16.2 مليار دولار).
وقال مزور إن هذا الأمر “لا يمنع استمرار معاناة التجارة والتوزيع من المعيقات التي تكبح تطورهما،” خاصا بالذكر انتشار القطاع غير المهيكل الذي له انعكاسات سلبية على التجار النظاميين وعلى المستهلكين على حد سواء.
وشدد على أنه بقدر ما تمثله التجارة الجائلة من مشاكل داخل المدن فهي تعد نشاطا مهما على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، بوصفها شكلا من تجارة القرب تمكن من الاستجابة لحاجيات المستهلكين وتشكل كذلك مصدرا لعيش شريحة واسعة من المواطنين.
وترى الأوساط الاقتصادية المحلية أن تعزيز دور التجارة الجائلة من خلال التأطير القانوني سيكون مدخلا لإخراج من يعملون فيها من اقتصاد الظل. وطالبت بمنح هذه الفئة من التجار “تمييزا إيجابيا، بحكم أن مخاض الانتقال من شق غير مهيكل إلى آخر مهيكل سيكون بكلفة مطروحة للنقاش بالنسبة للمشتغلين في دائرة البيع المتجول.”
ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى تنظيم التجارة الجائلة، عن طريق التأطير القانوني لهذا النشاط الاقتصادي وتنظيم المهن والحرف.
وأكد خبراء المجلس أن تقنين وتنظيم ووضع معايير ممارسة الأنشطة التجارية يعد شرطا أساسيا لتأهيل العمل المهني والحرفي، للرفع من جودة المنتجات والخدمات، وتحقيق إدماج القطاع الموازي، وبشكل خاص إدماج الباعة المتجولين.
وحثوا على استكمال المنظومة التشريعية ترسانتها بإقرار الوضع القانوني للباعة المتجولين بكافة فئاتهم والتنصيص على الشروط والالتزامات التي تفرضها ممارسة التجارة الجائلة.
وعلاوة على ذلك، العمل على تحديد وتبسيط البرامج والمبادرات وتوضيح الصلاحيات في ما يتعلق باستغلال الأملاك العامة مع إقرار غرامات في حال مخالفة القوانين المعمول بها.
ولإدماج تنظيم التجارة الجائلة بأحياء المدن في القطاع المنظم، ذكّر مزور في رده بمجموعة من المبادرات التي تم القيام بها، كبرنامج لتنظيم الباعة المتجولين الذي تم إطلاقه في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وذلك تحت إشراف وقيادة السلطات. واستفاد أكثر من 86 ألف تاجر متجول على المستوى المحلي من بين 124 ألف تاجر متجول تم إحصاؤهم من مبادرة التنمية البشرية.
1.6
مليون شخص يمارسون التجارة الجائلة مع مساهمة سنوية تقدر بنحو 16.2 مليار دولار
وتقول جمعية “مع المستهلكين” إن القضاء على التجارة الجائلة أمر مستحيل، لأنها مهنة في حاجة إلى تقنين لتصبح منظمة وتؤدي الضرائب وتخضع للمراقبة وللضبط والتتبع في كافة المنتجات التي تعرضها وتقدمها للمستهلكين.
وترى الجمعية ضرورة أهمية حماية الأملاك العمومية في عملية التنظيم هذه، وهو ما يمكن أن يكون فرصة لتوفير أماكن مخصصة لممارسة هؤلاء التجارة نشاطهم تحت رقابة الدولة.
وكإجراء حكومي لتطوير القطاع تم توقيع اتفاقيتين تتعلقان بمواكبة تجارة القرب، بين وزارة الصناعة، ومجموعة البريد بنك، والشركة المغربية للتوزيع ونقل السلع والرسائل، وشبكة اتقداو وشركة مرجان القابضة.
وتهدف الاتفاقيتان إلى تعزيز القدرة التنافسية ومرونة تجارة القرب بمواكبة مندمجة للتجار. ويشمل هذا تحسين وصولهم إلى مراكز بيع المنتجات للاستفادة من قدرتها التفاوضية وخبرتها، والتمويل مع تسهيلات الصندوق والإدماج المالي ورقمنة التموين وهيكلة التسليم.
كما تم إبرام اتفاقية خاصة بتمويل التجار، بين كل من وزارة الصناعة وجامعة الغرف المغربية للتجارة والصناعة والخدمات، والنقابة الوطنية للتجار والمهنيين، والاتحاد العام للمقاولات والمهن والفضاء المغربي للمهنيين ومجموعة البريد بنك.
وترمي هذه الشراكة إلى تطوير عروض تمويل مصرفية موجهة للتجار يسمح بمنحهم خطوط ائتمان وقروض وتوفير حلول رقمية للأداء وسهلة الاستخدام تُلبي احتياجاتهم.
وحقق المغرب تقدما ملحوظا على مستوى تطوير قطاع التجارة، إذ تم احتضان وتسريع 110 شركات ناشئة ضمن منصة رقمنة قطاع التجارة، وذلك بهدف بلوغ 150 شركة ناشئة مع نهاية سنة 2024.
كما تم إدماج زهاء نحو 4 آلاف تاجر في منظومة التجارة الإلكترونية، من خلال تأهيلهم وجعلهم يكتسبون المهارات اللازمة للبيع عبر الإنترنت واستخدام المنصات الرقمية.