اقتصاد السعودية يُظهر زخم نمو مُطرد مع تعافي أسعار النفط وانحسار الوباء

تتزايد الدلائل على أن الاقتصاد السعودي يسير في طريق استعادة عافيته بشكل كبير مع بروز علامات قوية على النمو الإيجابي في ظل تحسن أسعار النفط في الأسواق العالمية وتراجع الأزمة الصحية، الأمر الذي يرى خبراء أنه سيمكن الحكومة من استئناف خطط الإصلاح بوتيرة أسرع مع الإعلان عن العديد من المشروعات مؤخرا التي تكرس فعليا برامج تنويع مصادر الدخل.
الرياض - يُظهر الاقتصاد السعودي دلائل على استعادة قوته الحقيقية مع اقتراب العام 2022 مع خروجه من انعكاسات الأزمة الصحية واستمرار تأثيرات ارتفاع أسعار النفط التي بلغت مستويات لم تشهدها السوق العالمية منذ 2014.
ومنحت كابيتال إيكونوميكس التي تتخذ من لندن مقرا لها في مذكرة حديثة تقييما إيجابيا عند درجات عالية للبلد النفطي، مشيرة إلى أن “الاقتصاد السعودي نما بنسبة 5.8 في المئة على أساس ربع سنوي في الربع الثالث من 2021، وهي أسرع وتيرة نمو منذ أكثر من عقد، حيث أدى تكثيف إنتاج النفط إلى التعافي”.
ومع بقاء الأسعار ثابتة عند ما يزيد قليلا عن 80 دولارا للبرميل على الأقل حتى نهاية هذا العام، ترى إيكونوميكس أن أكبر اقتصادات المنطقة العربية يكتسب زخما وقد أدى إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.3 في المئة لسنة 2022، وهو ما تقول إنه أعلى بكثير من التوقعات الإجماعية البالغة 5 في المئة.
وترى مؤسسة “عرب دايجست” الاستشارية أن جزءا من التفاؤل يعتمد على إدارة الحكومة الصارمة للوباء، مع استكمال تلقيح 62.4 في المئة من السكان مقارنة بنحو 67 في المئة في المملكة المتحدة و58 في المئة في الولايات المتحدة وانخفاض الإصابات والوفيات بشكل كبير.
وفي حين بلغت الإصابات في السعودية 11 ألفا في اليوم في نهاية يوليو الماضي، تراجعت في السادس من نوفمبر الجاري إلى 2300 مع انخفاض عدد الوفيات من 15 يوميا إلى اثنين فقط.
وفي الوقت الذي يضخم فيه صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادية) خزائنه بالثروة النفطية، حيث بلغت احتياطاته نحو 450 مليار دولار، يواصل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تنفيذ خططه لتنويع الاقتصاد. كما أن قطاعي السياحة والترفيه هما المحركان الرئيسيان لرؤيته 2030.
وتشمل أحدث خططه تحويل منصة نفطية بحرية إلى مدينة ملاه رياضية فاخرة مع “ثلاثة فنادق، ومطاعم عالمية المستوى، ومهابط للطائرات العمودية، ومجموعة من الأنشطة المغامرة، بما في ذلك الرياضات الخطرة”.
ويهدف المشروع إلى جذب الزوار من دول الخليج الأخرى، وهي طريقة سرية للقول إن الأمير محمد يسعى وراء جزء كبير من سوق السياحة الذي تهيمن عليه إمارة دبي الآن.
وسيمول الصندوق السيادي هذا المشروع السياحي الضخم، الذي لم يشر في بيانه الذي أعلن عنه في منتصف الشهر الماضي إلى تكلفته التقديرية.
ومع ذلك، فقد تعهد بأن المشروع “سيضمن الحفاظ المستدام على البيئة في المنطقة المجاورة للمشروع، وسيتبع المعايير العالمية الرائدة، مما يدعم جهود المملكة الأوسع في حماية البيئة”.
كما أن العمل في أوج نشاطه لسباق السعودية للفورمولا واحد بمدينة جدة في ديسمبر الماضي. وليست تذاكر السباق رخيصة، حيث تبدأ من 533 دولارا وتصل إلى 9333 دولارا.
ويقول المنظمون إنهم يتوقعون إقبالا كبيرا من هواة “الفورمولا واحد” في الولايات المتحدة وأوروبا، ومن الواضح أنهم أثرياء.
وفي المقابل، قد يضطر السعوديون العاديون إلى المشاهدة عبر الإنترنت مع تخفيضات الدعم واسعة النطاق والأجور في القطاع الخاص التي لا تزال تكافح من أجل اللحاق بما هو معروض في القطاع العام.
ومن المشاريع الكبيرة الأخرى التي أُعلن عنها الصيف الماضي قرار الأمير محمد بن سلمان إنشاء شركة طيران جديدة من شأنها أن تنافس عمالقة طيران الخليج وهي شركات طيران الإمارات والاتحاد للطيران الإماراتيتين وأيضا الخطوط القطرية.
وبدلا من محاولة تكثيف الخطوط السعودية المملوكة للدولة، والتي تحتل المرتبة 21 في قائمة أسوأ 40 شركة طيران في العالم، يريد ولي العهد شركة نقل جديدة “رائعة” تسمح له بزيادة عدد وجهات الشركة من 80 وجهة عالمية حاليا إلى 250 وجهة في المستقبل.
ومن بين التعهدات الأخرى التي تأتي في سياق “رؤية 2030″، تكثيف التحركات لجذب الزوار إلى البلاد ليصل العدد إلى 100 مليون بحلول نهاية العقد، أي ما يعادل حوالي خمسة أضعاف ما كانت عليه في 2019.
5.8 في المئة نمو الاقتصاد في الربع الثالث من 2021 وهو الأعلى منذ عقد وفق كابيتال إيكونوميكس
وثمة الكثير من الطرق الأخرى لزيادة زخم الاقتصاد تتمثل في توفير أكثر من ربع مليون فرصة عمل في قطاعي السياحة والترفيه بحلول 2025.
ورغم أن بناء مناطق جذب سياحي راقية مثل مدينة الملاهي الرياضية الفاخرة ومشروع البحر الأحمر، ناهيك عن مدينة القدية الترفيهية ونيوم واستقبال الزوار على متن شركة طيران من فئة الخمس نجوم هو أمر جذاب، ولكن خبراء “عرب دايجست” يعتبرونه مكلفا للغاية ومحفوفا بالمخاطر.
لكن الأمير محمد الذي، على عكس ما يريده الدوري الإنجليزي الممتاز تصديقه، يترأس الصندوق السيادي ويتحكم فيه باعتباره وسيلة لتحقيق “رؤية 2030″، مما يقلل مخاوفه بشأن الإنفاق.
كما شجعه قرار أوبك مطلع هذا الشهر برفض طلب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لخفض سعر النفط في المضخة من خلال طرح المزيد منه في السوق العالمية.
وجدد السعوديون والإماراتيون والروس عزمهم في الاجتماع على طرح 400 ألف برميل أخرى تدريجيا في السوق على الرغم من مناشدات بايدن.
وأشار وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي إلى الزيادة الهائلة في أسعار الغاز الطبيعي والفحم مقارنة بالزيادات المتواضعة في أسعار النفط كدليل على السلوك المسؤول.
وقال المزروعي “تنظر إلى سوق الغاز وتنظر إلى الفحم، يجعل غياب محافظ للسوق الأمر صعبا للغاية بالنسبة إلى الدول المستهلكة عندما يتعلق الأمر بالزيادة الهائلة في أسعار السلع الأساسية. ولم نر ذلك يحدث للنفط بنفس الحجم بسبب هذه المجموعة”.
وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي بشكل صاروخي مع زيادات تتجاوز 600 في المئة. وارتفع الفحم في أسواق الاتحاد الأوروبي بنسبة 300 في المئة. كما ارتفع سعر الغاز الطبيعي في المملكة المتحدة بمقدار ثمانية أضعاف ما كان عليه في يوليو، لكن النفط ارتفع بنسبة 36 في المئة.
ويبدو أن النفط ليس هو المشكلة، كما قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، لكن المشكلة هي أن قطاع النفط يمر بحالة من الفوضى. لذا فإن أوبك+ ليست كارتلا، لكنه منظم وفعال في سوق الطاقة حسبما يراه أعضاء هذا التحالف على عكس ما تراه الولايات المتحدة.
وعلى عكس العديد من الترجيحات التي ترى أن سعر البرميل سيصل إلى 100 دولار، تتوقع إيكونوميكس أن يتراجع تدريجيا إلى 60 دولارا للبرميل بحلول نهاية 2023.
ولا يبدي الأمير محمد أي اهتمام أو ميل للتراجع عن خططه. ووصفت “عرب دايجست” ما يقوم به ولي العهد قائلة إنه “ينطلق مثل سائق فورمولا ون، بسرعة قصوى في المضمار، ولا يزعجه ما يراه على مرآة الرؤية الخلفية”.