افتحْ أذنيك

علينا أن ننتظر ظهور كائن يشبه القرد يعيش زمنا بعمر الكون ويعمل بجدية لا متناهية كي ينتج أدب شكسبير! وهذا بكلمات أخرى يعني أن كل عمل جاد تطمح إلى تحقيقه، سيحتاج براهين علمية مشابهة ليصبح عملا غير استهلاكي.
الجمعة 2019/03/08
أن يطبع قردٌ نصا بطول مسرحية "هاملت" هو أمر احتمال حدوثه ضئيل جدا

من بين دفوف رقص السماح وزخارف العمارة الذهنية، يأتي بيتا شعر أندلسي ليقولا “أُذنُ الندى عن نداء الشعر صمّاءُ/ فليس يُجديكَ إنشادٌ وإنشاءُ/ فيا مُرجّي نوالًا أنتَ في زمنٍ/ فيه المكارمُ والعلياءُ أسماءُ”. أما نحن فعلينا أن نصغي إلى تلك الأصوات التي تهمس من أجل المستقبل وقد لا تلقى اليوم آذانا صاغية، لكن ليس إلى ما لا نهاية.

وقد استوقفتني في ما يتعلق بالمستقبل والأجيال الجديدة صورة انتشرت لممرات مستشفى للولادة والأطفال في العاصمة السودانية الخرطوم التي تشهد هذه الأيام توقا إنسانيا كبيرا إلى الحياة، تظهر الصورة آية قرآنية معلقة على الجدار تقول “فرددناه إلى أُمّه كي تقرَّ عينًا ولا تحزن”. بالمقابل انتشرت صورة من ممرات أحد المستشفيات العربية الأوروبية من التخصص ذاته، علقت عليها الآية التالية “ألهاكُم التكاثر”.

وهناك قاعدة رياضية غير شعبوية للبرهنة على فكرة اللانهاية، تأخذك ليس فقط إلى زمن الجامعة ومدرّجاتها بل إلى أفق المستقبل أيضا. يقول العلماء إنك “إذا وضعت قردا أمام آلة كاتبة ليطبع عليها بشكل عشوائي ولمدة غير محدودة، فإن النتيجة ستكون أنه سيكتب، وبشكل شبه مؤكد، نصا معينا مثل الأعمال الكاملة لشكسبير”.

وأن يطبع قردٌ نصا بطول مسرحية “هاملت” هو أمر احتمال حدوثه ضئيل جدا، حتى لو أجريت هذه التجربة خلال مدة تصل إلى عمر الكون كله، كما يقول العلماء، لكن ذلك الاحتمال يبقى فوق الصفر.

وفي صيف العام 2003 قرر العلماء استخدام لغة “جافا” البرمجية لمحاولة دفع القردة لكتابة 24 حرفا فقط من تراث شكسبير، فكانت النتيجة بعد مليارات السنين الافتراضية، أن المحاكي الإلكتروني للقرد استطاع أن يكتب جملة واحدة من مسرحية “هنري الرابع” لشكسبير وكانت “افتحْ أذنيك”. لكن هناك من يقول أن تلك التجربة كانت مجرد “إشاعة” وتلاعبا بالرأي العام، وأن ما كتبته القردة في الواقع كان خمس صفحات فقط من حرف “س”.

 إذًا علينا أن ننتظر ظهور كائن يشبه القرد يعيش زمنا بعمر الكون ويعمل بجدية لا متناهية كي ينتج أدب شكسبير! وهذا بكلمات أخرى يعني أن كل عمل جاد تطمح إلى تحقيقه، سيحتاج براهين علمية مشابهة ليصبح عملا غير استهلاكي، غير تافه، وغير قابل للنسيان. لكن أليست تلك رحلة الإنسان ذاته، الذي ظهر في هذا الكون ولا يزال يحاول إنتاج تراث عظيم، وسيبقى يحاول إلى ما لانهاية؟

ولكن حقا بيني وبينك عزيزي القارئ؛ ماذا أرادت القردة أن تقول لنا من خلال اختيارها لتلك العبارة من بين عشرات الآلاف من الجمل التي كتبها شكسبير؛ “افتحْ أذنيك”؟

24