اعتقال إعلامي ليبي على خلفية تحقيقاته في فساد الحكومة حلقة جديدة في مسلسل التضييق

شهدت الصحافة الليبية حلقة جديدة من مسلسل الملاحقة والتضييق على الحريات باختطاف الصحفي والإعلامي أحمد السنوسي مالك صحيفة “صدى” الاقتصادية ومعد ومقدم برنامج “فلوسنا” التلفزيوني على قناة “الوسط”، على خلفية كشف قضايا فساد وكشف متورطين فيها.
وأكدت إدارة مؤسسة “الوسط” الإعلامية، أن السنوسي محتجز لدى جهاز الأمن الداخلي، وذلك بعدما تم اعتقاله الخميس عقب خروجه من منزله بالعاصمة طرابلس. وقالت المؤسسة في بيان إنها اتصلت بجهات إنفاذ القانون في ليبيا والتي أكدت لها احتجاز أحمد السنوسي من قبل جهاز الأمن الداخلي من دون أن توضح خلفيات هذا الاحتجاز، وأضافت أن تلك الجهات أكدت على أنها ستقوم باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والتي من أهمها حماية وضمان حقوق المحتجز القانونية.
وأعربت جريدة “صدى” الاقتصادية وقناة “تبادل” عن احتجاجهما الشديدين، وإدانتهما اختطاف السنوسي بشكل تعسفي، دون الكشف عن مصيره أو توجيه تهمة واضحة له، وحملتا المجلس الرئاسي، وحكومة الوحدة ووزير الاقتصاد بشكل خاص، المسؤولية الكاملة عن سلامته الجسدية .
وأشارتا في بيان إلى أن السنوسي معروف بجهوده الشجاعة في محاربة الفساد وكشف الحقائق، ورجحتا أن يكون خطفه مرتبطا ارتباطا وثيقا بعمله الصحفي الجريء في فضح الممارسات الفاسدة والمفسدين، داعيتين جميع المنظمات الحقوقية والدولية إلى توثيق هذا الاعتداء السافر على أحمد السنوسي، والعمل على كشف ملابسات الحادثة وضمان سلامته الجسدية. وأكدت المحامية ثريا الطويبي، أن اختطاف الإعلامي السنوسي، كان بسبب نشر بعض الحقائق الواردة بتقرير ديوان المحاسبة عن وزارة الاقتصاد بحكومة الدبيبة.
وقالت في تدوينة على صفحتها بموقع فيسبوك "بدون تقديم شكوى واتخاذ إجراءات قانونية ضده أو استدعائه بشكل رسمي من الجهات ذات الاختصاص، تعتبر جريمة اختطاف” وتابعت أن “قيام وزير بالإيعاز للأمن الداخلي أو غيره من الجهات غير المختصة باعتقال إعلامي بسبب نشر معلومات واردة بتقرير ديوان المحاسبة أو غيره من الجهات الرسمية يعتبر سابقة خطيرة".
وأثارت عملية اختطاف السنوسي واحتجازه من قبل الجهات الأمنية التابعة لحكومة الدبيبة جدلا واسعا حول قمع الحريات العامة وخاصة الإعلام والتعبير في ظل الوضع السياسي المعقد في البلاد ونشأة ديكتاتوريات جديدة سواء في طرابلس أو بنغازي تسعى إلى التمسك بالحكم عبر قمع الأصوات المعارضة والتضييق على المنابر الإعلامية وأصحابها والعاملين فيها من خلال الاعتماد على سياسة الترغيب والترهيب.
وأعرب المركز الليبي لحرية الصحافة عن قلقه البالغ من واقعة الاعتقال التعسفي للسنوسي واحتجازه في أحد مقرات جهاز الأمن الداخلي بالعاصمة طرابلس، ودعا مكتب النائب العام والمجلس الرئاسي ورئاسة الوزراء بحكومة الوحدة الوطنية للتحرك الفوري والعاجل لإطلاق سراح السنوسي، والكف عن ترهيب وملاحقة الصحفيين الذين يقومون بنشر وثائق تكشف فساد مؤسسات حكومية.
وأشار المركز في بيان له إلى أن بعض قيادات وزارة الاقتصاد بحكومة الوحدة الوطنية هددت وتوعدت صحافيي موقع صحيفة “صدى” الاقتصادية بملاحقتهم أمنيا، إثر نشرهم بعض الوثائق الرسمية الصادرة عن ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية.
وأوضح المركز أن مديرة تحرير الصحيفة إنعام عزوز، تلقت العديد من المكالمات الهاتفية من قيادات بوزارة الاقتصاد طالبتها بالكشف عن مصادرها الصحفية وتوضيح كيفية حصولها على الوثائق التي نشرتها الصحيفة، بالإضافة إلى تلقيها مكالمة هاتفية من إحدى الضابطات ادعت أنها تتبع جهاز الأمن الداخلي، وأبلغتها بأن لديها استدعاء للتحقيق بمكتب الأمن الداخلي بخصوص ما يُنشر في صحيفة صدى الاقتصادية.
وجدد المركز دعوته إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة للإيفاء بتعهداته التي أطلقها في المنشور رقم 8 لسنة 2021 بشأن التعهد بتعزيز حرية الصحافة والإعلام والحق في الوصول للمعلومات، والذي أكّد مرارا أنه سيحدث انفتاحا أكبر على الصحافيين، فضلا عن تسهيل عملهم وتحركاتهم الأمر الذي لم يُطبق حتى الآن وفق ما تؤكده العديد من الأحداث والوقائع.
كما نادى المركز الليبي لحرية الصحافة بضرورة وقف كافة الإجراءات التعسفية ومحاولات الرقابة وتهديد الصحافيين الذين ينشرون وثائق تكشف حجم الفساد المستشري في قطاعات الدولة الليبية، ومحاولات ترهيبهم بالاعتقال التعسفي والتضييق من الأجهزة الأمنية التي لم تنفك عن تدخلها في عمل الصحافيين ومحاولتها فرض رقابة على ما يُنْشَر من وثائق ومعلومات.
وكان السنوسي قد نشر على صفحته بموقع فيسبوك قبيل واقعة اعتقاله مقطعا مصورا كشف من خلاله عن التهديدات التي تلقاها فريق عمل “صدى”، وإيعاز من وزير الاقتصاد محمد الحويج لجهاز الأمن الداخلي باعتقال العاملين في الصحيفة والضغط عليهم للكشف عن مصادرهم الصحفية، قبل أن يتراجع الوزير الحويج عن ذلك. وكشف السنوسي أنه اتصل برئيس جهاز الأمن الداخلي لطفي الحراري دون أن يتلقى ردا على اتصالاته، وذلك قبل أن يعود إلى طرابلس قادما من تونس لمتابعة القضية، وتعهده بحماية المصادر الصحفية الخاصة.
ومن جانبها، استنكرت كتلة الإصلاح بمجلس النواب اختطاف الإعلامي أحمد السنوسي من أمام منزله في طرابلس، وانقطاع الاتصال به، مطالبة الجهات المختصة بإجراء تحقيق عاجل، وتحملها مسؤولية سلامته. وأكدت كتلة الإصلاح النيابية في بيان أن اختفاء السنوسي يشكل انتهاكا خطيرًا لحقوق الإنسان ولحرية التعبير، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه، وحمّلت الجهات المختصة مسؤولية ضمان سلامته والعمل على توفير الحماية اللازمة له ولجميع الإعلاميين العاملين في المنطقة.
وأضافت الكتلة "نؤكد على أهمية حرية الصحافة وحق الإعلاميين في أداء مهامهم دون خوف أو تهديد أو ترويع، ونعلن تضامننا الكامل مع عائلة السنوسي في هذه الظروف الصعبة، وندعو الجميع للتكاتف لحماية حرية الصحافة وحقوق الإنسان”، مؤكدة "سنواصل متابعة القضية عن كثب وسنعمل بكل ما في وسعنا لضمان عودة السنوسي بأمان، ومحاسبة المسؤولين عن هذا العمل الجبان".
◙ حادثة اختطاف السنوسي واحتجازه تأتي في إطار سعي جهات حكومية نافذة إلى بث الرعب في نفوس الإعلاميين الساعين إلى الكشف عن ملفات الفساد
وأعلنت 42 شخصية عامة واقتصاديون دعمهم لجريدة “صدى” الاقتصادية ومالكها السنوسي، في مواجهة التحديات والضغوطات التي يتعرضون لها جراء ممارسة حقهم في نشر الحقائق وكشف الفساد، وأكدوا أن حرية الصحافة والإعلام هي من الدعائم الأساسية لأي مجتمع ديمقراطي وصحي، وهي ضرورة لتحقيق الشفافية والمساءلة في إدارة الشأن العام، مطالبين وزارة الاقتصاد وحكومة الوحدة وجميع الجهات الحكومية المعنية باحترام الدور المهم الذي تقوم به الصحافة في مكافحة الفساد وكشف المخالفات، والامتناع عن أي محاولات للتضييق أو التهديد ضد المؤسسات الصحافية والصحافيين، والسماح لهم بممارسة عملهم بحرية ودون عوائق.
وطالب أصحاب البيان وزارة الاقتصاد وحكومة الوحدة الوطنية وجميع الجهات الحكومية المعنية بـ"احترام الدور المهم الذي تقوم به الصحافة في مكافحة الفساد وكشف المخالفات"، داعين الوزارة إلى "الامتناع عن أي محاولات للتضييق أو التهديد ضد المؤسسات الصحفية والصحفيين، والسماح لهم بممارسة عملهم بحرية ودون عوائق".
بدورها، طالبت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، السلطات الأمنية وحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في مدينة طرابلس بالعمل على إجراء تحقيق عاجل في اختطاف السنوسي، والكشف عن مكان وجوده وضمان الإفراج الفوري وغير المشروط عنه، وحملت مسؤولية سلامته لوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية بالمدينة ولحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة ولوزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج بشكلٍ مباشر.
كما شددت المؤسسة على ضرورة احترام الحق في حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والأعلام والعمل الصحفي والإعلامي، والتجمع السلمي، والالتزام بالضمانات الدستورية والقانونية الضامنة لحقوق الإنسان ولحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام والالتزام الكامل بالقوانين والتشريعات الوطنية النافذة، والمعاهدات والاتفاقية الدولية والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وذكّرت جميع الأطراف والجهات الأمنية والعسكرية بإن الإقدام على ارتكاب جرائم الاختطاف والإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي خارج نطاق القانون، تشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي ويمكن ملاحقة مرتكبيها عبر الآليات القانونية الدولية.
وبحسب المراقبين، فإن حادثة اختطاف واحتجاز السنوسي تأتي في إطار سعي جهات حكومية نافذة على بث الرعب في نفوس الإعلاميين الساعين إلى الكشف عن ملفات الفساد في بلد يواجه أخطر عمليات النهب الممنهج لثرواته ومقدراته من قبل الشبكات المرتبطة بالأطراف الفاعلة داخل المؤسسات الحكومية ومنها وزارة الاقتصاد والتجارة .
وأكد بيان مشترك صادر عن المنظمة الليبية للإعلام المستقل، شبكة أصوات للإعلام، المؤسسة الليبية للصحافة الاستقصائية، ومنظمة جديد للإعلام أن القبض على الصحفيين في قضايا الرأي والتعبير يتطلب شكوى الطرف المتضرر أولاً، ثم أخذ الإذن من الوزير المختص، وأن التحقيقات تختص بها نيابة الصحافة دون غيرها، وأن اتخاذ إجراءات مخالفة للقانون ضد الصحفيين يقوض حرية التعبير والصحافة وحق الوصول إلى المعلومات.