اعتراضات على مشاركة مقاتلي الجيش الحر في حروب أفريقية

أثارت أخبار مسرّبة عن وصول جثث لمقاتلين سوريين من النيجر موجة غضب حادّة في أوساط المعارضين لنظام الأسد في الشمال السوري.
وبدأت النقاشات حول محادثات مع مقاتلين من الجيش الحر عن وجود قتلى في صفوفهم كانوا في مهمّة غير معلن عنها في دولة أفريقية، وأن جثثهم قد وصلت إلى بلدة (حور كلس) على الحدود التركية، ثم عُزّز الخبر عبر منصات إخبارية تعنى بالشأن السوري، دون تأكيد أو نفي من الفصائل صاحبة العلاقة.
واتجهت الاتهامات بالمشاركة في هذه المهمة “الأفريقية” إلى عدّة فصائل في الشمال السوري أهمها “السلطان مراد” و”سليمان شاه” بالإضافة إلى فصائل أخرى أهمها “الحمزات”.
ومع عدم نفي المدافعين عن هذه الفصائل إرسالها مقاتلين إلى دول أفريقية، فإن بعضهم نفى تأدية الفصائل السورية أي مهام قتالية خارجية، زاعمين أن عملهم هناك ينحصر في حراسة المشاريع ومناجم الذهب والمعادن، في إطار عقود مع الحكومات التي نشأت بعد الانقلابات الأخيرة في دول الساحل، وذلك لحمايتها من الجماعات الإسلامية المسلحة التي تنشط في المنطقة.
◄ هذه الأخبار أحيت نقاشا قديما في الشمال السوري حول فائدة وأخلاقية ما يسمّى "المهام الخارجية" لفصائل الجيش الحر، والتي تقوم بها في إطار عمليات الجيش والمخابرات التركيين في خارج تركيا
هذه الدعوى حاول المهاجمون نقضها من خلال عرض محادثات يقولون إنهم أجروها مع مقاتلين يشرحون فيها خطورة الوضع الذي يعيشونه هناك، بسبب شراسة المعارك التي يخوضونها، والعدد الكبير من القتلى في صفوفهم الذي تتكتم عليه قيادات الفصائل التي وظفتهم في هذه المهمّة الخطيرة، بالإضافة إلى كونهم يقاتلون تحت إمرة ميليشيا (فاغنر) الروسية.
الجزئية الأخيرة سكبت المزيد من الزيت على نار غضب السوريين من هذه المهمة التي وصفوها بالقذرة، بسبب التاريخ الأسود لهذه الميليشيا في أحداث الصراع مع النظام في سوريا، حيث شكلت (فاغنر) رأس حربة للقوات الروسية في دعمها لجيش النظام والميليشيات الشيعية وخاصة في البادية السوريّة والمنطقة الشرقية، وارتكبت الكثير من الجرائم بحق سكان تلك المناطق، بالإضافة إلى سيطرتها على الموارد فيها كجزء من الصفقة مع النظام السوري الذي استجلبها للقتال إلى جانبه وتدريب قواته المتهالكة وتوجيهها على الأرض، تحت غطاء القوات الجوية الروسية الداعمة من السماء.
كما أحيت هذه الأخبار نقاشا قديما في الشمال السوري حول فائدة وأخلاقية ما يسمّى “المهام الخارجية” لفصائل الجيش الحر، والتي تقوم بها في إطار عمليات الجيش والمخابرات التركيين في خارج تركيا، كما حدث في ليبيا، حيث أرسل آلاف المقاتلين لصد هجوم خليفة حفتر المدعوم من روسيا على طرابلس، واستمر تواجدهم هناك حتى الآن، لدعم الحكومة المدعومة من تركيا وقطر، وكذلك في أذربيجان، حيث شارك مقاتلو الجيش الحر في مؤازرة الجيش الأذري في هجومه لاستعادة “ناغورني قرة باغ”.
المؤيّدون لهذه “المهام الخارجية” يجادلون في كون مشاركة الجيش الحر فيها تعود بالنفع على الشمال السوري، لأنها تقوي موقف تركيا الداعم الرئيس لهذه الفصائل، وتحافظ على قوة العلاقة بين الطرفين، وتساهم في استمرارية الدعم التركي الذي يشكل مانعا من هجوم النظام وحلفائه على المنطقة، وكذلك فإن هذه المهام تمثل مصدر دخل للمقاتلين الذين يعانون من ضعف أجورهم الشهرية التي يتلقونها عبر مؤسسة “الجيش الوطني”.
◄ الاتهامات بالمشاركة في هذه المهمة "الأفريقية" اتجهت إلى عدّة فصائل في الشمال السوري أهمها "السلطان مراد" و"سليمان شاه" بالإضافة إلى فصائل أخرى أهمها "الحمزات"
ويزعم هؤلاء أن المقاتلين السوريين في تلك المهام لا ينخرطون في القتال إلى جانب الأطراف المتحاربة، وإنما ينحصر دورهم في الحراسات أو تأمين المناطق التي يستولي عليها الجيش الذي يؤازرونه في قتاله، بالرغم من المشاهد المسرّبة عن مشاركة أولئك المقاتلين في معارك سابقة بليبيا وأذربيجان، ووقوع قتلى وإصابات كثيرة في صفوفهم، تؤكّد الدور القتالي لهم فيها.
النقطة الفارقة في هذه المهمة، وهي العلاقة مع ميليشيا (فاغنر)، تثير إشكالية تطبيع العلاقة بين فصائل الشمال السوري وبين جيش النظام وحلفائه من الروس والإيرانيين والميليشيات المرتبطة بهم، فإن كان مقبولا لدى هذه الفصائل القتال إلى جانب روسيا وميليشياتها ضد الجماعات الإسلامية في أفريقيا، فما المانع لديها من فعل الشيء نفسه في سوريا، كما فعلت فصائل الجنوب السوري بانضمامها إلى ميليشيا (الفيلق الخامس) المدعوم روسيا، والمشاركة مع جيش النظام في قتال جماعة الدولة الإسلامية في البادية.
والإشكالية الأخرى المتعلقة بهذه المهمّة، أنها لن تكون سهلة ولا قصيرة الأمد، فالحرب الدائرة في منطقة الساحل بين الحكومات وحلفائها وبين المعارضات الكثيرة لها ومن بينها الجماعات الإسلامية حرب قديمة شرسة لا يتوقع أن تنتهي خلال فترة قريبة، خاصة مع وجود أطراف متعددة إقليمية ودولية تعمل على حماية مصالحها أو الإضرار بمصالح خصومها من خلال التدخل في هذه المنطقة، وبالتالي فإن طول مدّة هذه المهمّة والخسائر الكبيرة المتوقعة فيها، قد تشكل رادعا لدى الكثير من المقاتلين عن المشاركة فيها.
الاعتراض الموجود في الشمال السوري اليوم على مشاركة فصائل الجيش الحر في الصراع الدائر في أفريقيا للأسباب السابقة وغيرها، والذي سيتصاعد ولا شك مع تزايد الخسائر في صفوفهم، قد يعيق عملية التجنيد إلى حد كبير، كما سيرفع من تكاليفها لجذب المقاتلين الذين يشكل المال الدافع الوحيد لديهم للمشاركة في هذا النوع من المهام، ولن يؤدّي إلى إيقاف هذه المهمة أو غيرها من المهام اللاحقة.